كانت اللحظة المؤثرة الوحيدة فى حفل ختام مهرجان فينسيا عندما دخل رئيس لجنة التحكيم فنان السينما الإيطالى العالمى الكبير برناردو بيرتولوتشى المسرح على مقعد متحرك بعد أن فقد القدرة على الحركة نتيجة المرض، فقد صفق الحاضرون وقوفاً عدة دقائق لأول وآخر مرة فى الحفل، وبدا الانفعال الشديد على وجه الفنان لكنه استطاع أن يسيطر على مشاعره وتماسك وهو يشكر الجميع.
لقد كانت مسابقة الدورة الـ70 لأعرق مهرجانات السينما الدولية فى العالم مسابقة «تاريخية» بحق، إذ جاء ما يقرب من نصف الأفلام العشرين على مستوى فنى رفيع، لكن بقدر ما كانت المسابقة عظيمة، بقدر ما جاءت الجوائز رديئة على نحو لا يصدق، وكأن اللجنة قررت أن تمنح الجوائز لأقل الأفلام قيمة عن عمد، بل وبذلت أقصى جهدها لتحقيق هذا الغرض، فالجوائز متسقة من حيث تقدير أصغر الأفلام بأكبر الجوائز، وأكبر الأفلام بأقل الجوائز، وسوف تؤثر هذه الجوائز بالسلب على مستقبل المهرجان العريق، ورفض العديد من كبار المخرجين الاشتراك فى المسابقة حتى تنسى هذه الجوائز.
لقد حصل الفيلم البريطانى «فيلومينا» إخراج ستيفن فريرس على أعلى تقديرات النقاد فى الصحافة الدولية والإيطالية وفى استفتاء الجمهور، ولم يقترب من القمة التى وصل إليها أى فيلم آخر، وكان جديراً بالأسد الذهبى بأى المقاييس وكل المقاييس، وسوف يكون من أفلام الأوسكار العام القادم، إن لم يصبح فيلم الأوسكار. ولم تستطع اللجنة تجاهله بالطبع، فمنحته جائزة السيناريو لكل من جيف بوبى وستيف كوجان الذى مثل فيه الدور الأول أمام جودى دينش فى دور الشخصية الرئيسية (فيلومينا).
ولم تستطع اللجنة أيضاً تجاهل الفيلم الإيطالى «شارع كاستيلانا بانديرا» إخراج إيما دانتى، والذى كان يستحق جائزة لجنة التحكيم أو جائزة السيناريو، ومنحته كأس فولبى لأحسن ممثلة إلى الممثلة الإيطالية الكبيرة إيلينا كوتا التى لم تنطق ولا كلمة واحدة طوال الفيلم، ولكن أداءها لا يفوق أداء جودى دينش فى «فيلومينا»، أو ميا واسيكوسكا فى الفيلم الأسترالى «مسارات» إخراج جون كوران.
وحتى القيمة الإيجابية فى فوز فيلم تسجيلى طويل بالأسد الذهبى لأول مرة فى تاريخ المهرجان منذ دورته الأولى عام 1932، وهو الفيلم الإيطالى «الطريق الدائرى» إخراج جيان فرانكو روزى، أفسدتها اللجنة، حيث كان الفيلم التسجيلى الطويل الآخر الذى عرض فى نفس المسابقة، وهو الفيلم الأمريكى «معرفة المجهول: حياة وعصر دونالد رامسفيلد» إخراج إيرول موريس أكثر اكتمالاً وأكثر أهمية على شتى المستويات، وأجدر من الفيلم الإيطالى بالأسد الذهبى إذا كان القرار أن يفوز بأهم الجوائز فيلم تسجيلى، وليس أن يفوز فيلم إيطالى فى هذه الدورة المميزة من مهرجان إيطاليا السينمائى الأكبر!.. وقد حل «الطريق الدائرى» فى المركز الثانى فى استفتاء الصحافة الدولية والإيطالية (21 ناقداً)، وجاء «معرفة المجهول» فى المركز الثالث، والفيلم اليابانى التشكيلى «هبوب الرياح» إخراج هاياو ميازاكى فى المركز الرابع، والفيلم الكندى «توم فى المزرعة» إخراج زافيير دولان الذى فاز بجائزة «فيبريسي» فى المركز الخامس، والفيلم الجزائرى «السطوح» إخراج مرزاق علواش فى المركز السادس، والفيلم الأسترالى «مسارات» فى المركز السابع، ولم يفز بأى جائزة كل الأفلام من المركز الثالث حتى السابع.
وليس من المهم أن تتفق آراء النقاد مع آراء لجنة التحكيم، لكن المشكلة هنا التناقض الصارخ فى منح الفيلم التايوانى «كلاب ضالة» إخراج تساى مينج ليانج جائزة لجنة التحكيم الكبرى التى تمنح لأول مرة، وكانت جوائز فينسيا حتى العام الماضى سبع جوائز، وليس ثمانى، وقد جاء ترتيبه عند النقاد فى المركز الحادى عشر، ولا يستحق الفوز بأى جائزة.
والمشكلة الأكبر فى فوز الفيلم اليونانى «فتاة العنف» إخراج ألكسندروس أفراناس بجائزة الأسد الفضى لأحسن إخراج وجائزة أحسن ممثل (ثيميس بانو)، وكان الفيلم الوحيد الذى فاز بجائزتين لأسباب يصعب تصورها، وترتيبه عند النقاد فى المركز السادس عشر، ولم يحصل على 5 نجوم من أى ناقد، وإنما على نجمة واحدة من أربعة نقاد (أى ضعيف). إنه فيلم سطحى ومفتعل، وممثل الدور الأول فيه أقل من عادى، ولا يمكن أن يثبت للمقارنة مع ستيف كوجان فى «فيلومينا» أو أنطونيو ألبانسى فى الفيلم الإيطالى «بطل وحيد» إخراج جيانى أميليو.
وفاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة الفيلم الألمانى «زوجة ضابط الشرطة» إخراج فيليب جرونينج وهو فيلم خاص بالفعل.
أما جائزة مارشيليو ماستوريانى لأحسن ممثلة أو ممثل جديد فقد فاز بها تى شريدان عن دوره فى الفيلم الأمريكى «جو» إخراج دافيد جوردون جرين، وهو ممثل لا يلفت النظر بأى حال، والواضح أنه فاز حتى لا تخرج السينما الأمريكية من المسابقة صفر اليدين بعد أن اشتركت بأكبر عدد من الأفلام من دولة واحدة (5 أفلام أو أربعة أفلام المسابقة)، وحتى لا تكون الجوائز الثمانى للسينما الأوروبية (6 جوائز) وللسينما الآسيوية (جائزة واحدة).