قال محمد عبلة، ممثل المثقفين في لجنة الـ50 لصياغة الدستور إنه بمجرد اختياره للجنة سينسى كونه صوتاً للمثقفين، ليكون صوت مصر داخل اللجنة، وأكد أنه لن ينسحب إلا إذا شعر بأن كل شيء معد سلفاً، وأنه لا يرى أي وجه للاعتراض على التمثيل باللجنة.
وأكد «عبلة» أن المعركة الفكرية، أهم من الحل الأمني، وأكثر جدوى، فأنت لن تلغي وجود المواطنين المؤمنين بأفكار «الإسلام السياسي» عن طريق الأمن، وإقصاءهم سيكون أمرا خطيرا، إلا من تلوثت يده بالدماء.. وإلى نص الحوار..
■ ما أولويات عملك داخل اللجنة؟
- الحقيقة فوجئت بالاختيار، ففي التاسعة من صباح يوم معرفتى بالاختيار، كنت انتهيت من تحريك دعوى ضد وزير الدفاع، من أجل سحب القوات المسلحة من جزيرة القرصاية، في الثالثة عصرا، علمت من المكالمات التليفونية، التى توالت للتهنئة بالاختيار، شعرت إنها مسؤولية كبيرة، فهناك من أفضل وأكبر سناً يصلحون لهذا الاختيار.
ولكن بمجرد اختيارى نسيت تماماً أنى أمثل المثقفين داخل اللجنة، فأنا أمثل صوت المصريين، وحدود ما تطلبه الثقافة محدد ومعروف، وهو توفير مناخ لحرية الإبداع، لكن هناك أشياء أكثر إلحاحاً واتساعاً، كالعدالة الاجتماعية، مجانية التعليم، المساواة، وتلك معارك أهم الآن، ولو تحققت ستوفر للثقافة مناخها الصحيح.
■ ما الأمر الجلل الذى قد يدفع محمد عبلة للانسحاب من اللجنة؟
- لن أنسحب إلا في حالة واحدة، لو شعرت بأن كل شىء معد سلفاً، وأن دورى هو فقط اعتماده والتأمين عليه.
■ ما رأيك بالأصوات التى ترى بأن هناك قصورا في تمثيل فئات معينة بلجنة الخمسين؟
- لا أرى أى وجه للاعتراض على التمثيل باللجنة، رغم أن المرأة غير ممثلة بشكل كاف، لكنى أرى، أنه لو تم فتح الباب، فسنجد أن هناك فئات كثيرة غير ممثلة، لكن في الواقع، أنا في اللجنة مثلاً وغيرى أيضاً، لن نكون مهتمين بقضية واحدة، فسأكون مهتماً بحقوق المرأة والعدالة والهوية المصرية، وسأحارب كى لا تكون مصر دولة تابعة لأى جزء في العالم، بما يتعارض مع مكانتها، وأن تكون مستقلة في قرارها.
■ كيف تثمن دور المثقفين ما قبل 30 يونيو؟
ـ المثقفون، الذين تجمعوا لأول مرة في الاعتصام ضد وزير الثقافة الإخوانى، في مواجهة سلطة منذ زمن طويل، استطاعوا أخيرا الاتفاق على شىء، وهو ما لم ينجحوا فيه طيلة عقود، وقدموا مثلاً فهى أول مجموعة تتحدى بشكل واضح الإخوان المسلمين، والمثقفون كانوا أخطر في ظنى من الإعلاميين كباسم يوسف ويوسف الحسينى، فمن ناحية، تجمعهم وإصرارهم أعطى مثلاً أن في الإمكان تحديهم، وأن الخصومة ليست شخصية، وإنما تنبيه لخطر العبث بالهوية المصرية، وهذا التجمع أشعرهم لأول مرة بالقوة، خاصة مع نجاحهم في إرسال رسالة قوية للمصريين ينبهونهم فيها للخطر الذى يحيطهم.
■ لكنهم لم ينجحوا في التكتل مرة أخرى لفرض وزير ثقافة يمثلهم، وفشلت محاولات الاعتصام ضد محمد صابر عرب، الذى يرى البعض أن اختياره كان عودة إلى الخلف، ما ردك؟
- لدينا مشاكل الآن، أهم من صابر عرب، لأننا في مواجهة إرهاب وتطرف من كل اتجاه تقريبا، الوطن المستهدف، وعموماً وزير لا يفعل شيئا كصابر عرب أفضل من وزير كانت كل لمسة من يده بخراب للوزارة وللثقافة في مصر، كعلاء عبد العزيز.
ووزارة الثقافة مارست دورا سلطويا منذ نشأتها، ومن الأفضل إلغاؤها، وإسناد إدارة مؤسساتها إلى إدارات أهلية، لكن الأمر ليس سهلاً، فهناك 35 ألف موظف في الوزارة، تم تعيين عدد كبير منهم عبر الوساطة، وهناك تراكمات لا يمكن أن تحل بين يوم وليلة، كما أن الأولوية الآن كما أخبرتك لتأسيس القواعد، والاطمئنان فيما نواجهه جميعاً من إرهاب، وأنا حضرت خلال يومين مؤتمراً للمثقفين، هدفه الأساسى عدم تدخل وزارة الثقافة وإعطاء فرصة للمثقفين لإدارة شؤونهم.
■ ألا يقلقك تماهى صوت المثقفين المصريين التام مع الجيش، وتكرار نموذج التسعينيات، من استغلال ما سمى الحرب على الإرهاب لتبرير إقامة دولة أمنية عانينا منها جميعا؟
- لا إطلاقا، الوضع الآن مختلف، المثقفون يعون أن تأييدهم مشروط بما أعلنه الجيش من عدم توليه السلطة، وإذا اختلف الأمر، فلن نستمر في تأييده.
وأداء السلطة عقب 30 يونيو، خاصة في التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين، بدأ بالانحياز للشعب من قبل الجيش، كانت صحيحة، لكن لا يمكن تجاهل الأخطاء التى ارتكبت في فض الاعتصام، بالعنف، وتصعيد نبرة الإقصاء دون إدراك أنك في نهاية المطاف ستجلس وتتحاور، ثم إن السلطة لم تبذل مجهوداً لتلقين وتعليم وتوضيح أن المجتمع لديه معركة فكرية، معركة هدفها تقبل الآخر وتطوير خطاب تصالحى، والبعد عن خطاب التعميم بأن أجندة التيار الإسلامى في مجملهاغير مصرية.
تلك المعركة الفكرية، أهم من الحل الأمنى، وأكثر جدوى، فأنت لن تلغى وجود المواطنين المؤمنين بأفكار الإسلام السياسى عن طريق الأمن، وإقصاؤهم خطر، وأنا لا أتحدث هنا عن قيادات الإخوان المسلمين، التى تورطت في الدماء.
■ لماذا تنجح حركات مثل 6 إبريل وتمرد في البداية، ثم لا تستطيع الاستمرار، ونشعر بأنها في الطريق إلى التفكك، وفقد جماهيريتها؟
- أهم الأسباب، أنها دائما تتصور نفسها كحركات ثورية مؤقتة، وعندما تحقق أهدافها القريبة، يتضح أنها لا تملك تصورات لما بعد الانتصار، وتفتقد حيوية العمل الحركى في الشارع الذى بدأت منه، مما يسهل تفكيكها واختراقها، ويجعلها فريسة سهلة لشبهات التآمر التى تنعكس على رأى الناس فيها، كما أن مجتمعنا مازال ذا طبيعة أبوية، مازال غير قادر على تقبل أن تقوده حركات ثورية شابة.
■ كيف يتم دمج الإخوان مرة أخرى في النسيج السياسى، وأن يتجاوزوا حالة غضب المجتمع ورفضه لهم؟
- على الجماعة أولاً أن تتخلى عن تنظيراتها بشأن شكل الدولة، هم لا يعترفون بها قدر اعترافهم بتنظيمات دولية، عابرة للأوطان، ولا يمكن أن يكون هناك تنظيم في مصر ورأسه في إسطنبول وذيله في ماليزيا، عليهم أن يطوروا أفكارهم بما يتناسب مع المجتمع المصرى، فنحن شعب ريفي، معروف بمحبته للاستقرار وارتباطه بالأرض.
ولا يبدو أن قيادات الإخوان الحالية راغبة في مراجعة مواقفها، لذلك أقول إنه لا أمل في هؤلاء، وربما يأتى الجيل الثانى أو الثالث من شبابهم، ويكون لديه القدرة على مراجعة أخطائهم، قد أكون متفائلاً، لكن بشكل عام ليس عندى مشاكل مع المقتنعين بأن هوية مصر إسلامية، ذلك حقه في حرية الرأى والمعتقد، دون تطوير رؤى تؤمن بمصر كوطن، لا خلافة عابرة للأوطان، لا سبيل لصد الغضب الشعب الجارف، وأثق أيضا في تسامح الشعب المصرى، والذى لن يكون مجانيا تلك المرة بعد ما شهدوه من جماعة الإخوان المسلمين الذين أضاعوا الفرصة، فقد كانت لدكتور محمد مرسى وجماعته فرصة ذهبية منحها لهم المصريون، وأكثر من نصف أصواته لم يحصل عليها من أنصاره، بل من الراغبين في التصويت ضد عودة النظام القديم.
■ أغلب أعمالك في السنوات الأخيرة تتسم بالطابع السياسى ألا تخشى أن تأكل السياسة من قيمة الفن؟
- هناك من يؤمن بمبدأ الفن للفن، وأن الأعمال الفنية ذات الطابع السياسى هى أعمال مؤقتة ولا تدوم، لكنى لا أهتم بذلك، ولا أرى أنها ستكون مؤقتة، منذ تشكل وعيى، ومصر تمور بتغييرات سياسية، تسارعت وتيرتها بشكل متلاحق، منذ عام 2005 عندما انضممت لحركة كفاية، كان هناك نوع من الامتلاء السياسى، وحالة أعيشها بصدق، شعرت أن الفن يجب أن يلعب دوراً، وأن يكون سلاحاً.
والحراك الثورى استطاع أن يصل إلى الفن في مصر وأن يؤثر به، فالعالم كله تغير، لو نظرت إلى التاريخ، فمصر هى من تصنع شكل الثورات في العالم، فعقب ثورة 1952، والتى ساندت حركات التحرر في أفريقيا، أثر هذا في أوروبا، وظهر أثره، في حركات الاحتجاج بأوروبا في نهاية الستينيات، وما يحدث في مصر الآن في ثورتى 25 يناير، و30 يونيو، لن يظهر أثره الآن، لكن سيتضح تغييرهما لشكل الثورات في العالم فيما بعد، والمثقف المصرى الذى لم يلتقط تلك التغييرات سيعانى كثيراً.
فالفن في حاجة إلى أن يكون أقل ثقلاً، وأكثر حركة، ودور المثقف أن يفكر بشكل مختلف، وأن يفك رموز عصره، فهناك موبايل وإنترنت ومعارض افتراضية، وأنا أقصد أن هناك وسائل كثيرة تستطيع أن تواكب عصرها، وتتخلص من الثقافة كصناعة ثقيلة تستطيع الآن أن تنشئ فناً دون حاجة إلى مبان كبرى، معارض بدون قاعات، عروض مسرحية دون مسرح، المثقف التقليدى مصيره هو مصير كل الفئات الأخرى التى إن لم تدرك متغيرات اللحظة فستموت.
■ ما الذى تعلمته من تجربتك كمثقف، من خلال جزيرة القرصاية ومعركة أهلها ضد الطرد والتهجير بالقوة؟
- تعلمت أهمية دور المثقف، وأن بناء الثقة بينه وبين المواطن، ليعى أهمية دوره ليست سهلة، لقد أخذت وقتاً لصناعة تلك الثقة، حتى أصبحوا هم من يطالبون بأن أتكلم باسمهم، وبعد أن رأوا أهمية الفن في طرح قضيتهم، فالفيلم التسجيلى «زى السمك» الذى شاركت فيه عن الجزيرة، وعرض على يوتيوب، حصل على نسب مشاهدة عالية، وفي خلال 5 أيام كانت دول العالم تعرف مشكلة جزيرة القرصاية.