برهان غليون: سوريا وشعبها يدفعان ثمن انتصارات الثورات العربية (حوار)

كتب: عمرو التهامي الخميس 05-09-2013 22:32

أسئلة كثيرة.. وتفكير حائر حول سيناريوهات الضربة العسكرية المرتقبة ضد سوريا، مع تضارب واضح وملموس فى المواقف الدولية، وانسداد آفاق الحل السياسى، وفشل المبادرات لهذه القضية المفتوحة والممتدة حتى الآن.. وكانت هذه العلامات دافعا قويا لإقدام «المصرى اليوم» على التحاور مع شخصية ذات ثقل سياسى مثل الدكتور برهان غليون، رئيس المجلس الوطنى السورى السابق، مدير مركز دراسات الشرق المعاصر فى جامعة السوربون، لإدراك المعادلات التى تحكم الأزمة السورية، والبحث عن إجابات شافية لأسئلتنا المغلفة بالقلق ليس على مستقبل سوريا ومصير شعبها، بل على المنطقة بأسرها.. وجاء الحوار على النحو التالى:

■ كيف تبدو احتمالات الهجوم العسكرى ضد سوريا لإسقاط نظام بشار الأسد، خصوصا بعد الشكوك حول استخدام الأسلحة الكيميائية فى معارك دمشق؟

- أعتقد أن الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة وفرنسا، سيقدم على ضربة قوية ضد النظام السورى، عقابا على استهتاره بالمواثيق الدولية، وتحديه الأعراف الإنسانية، علما بأن واشنطن وباريس تدافعان عن مصالحهما وليس الشعب السورى.

■ ما توقعاتك حول التصويت على الضربة العسكرية داخل الكونجرس الأمريكى؟

- الرئيس الأمريكى باراك أوباما اتخذ قرار الضربة العسكرية، ولكنه يريد غطاء من الكونجرس، لأن الضربة ربما تقود إلى مواجهة مع إيران وروسيا، وأتوقع موافقة الكونجرس، والأمر قد يقود إلى إقناع برلمانات دول غربية، خاصة بريطانيا، بتغيير موقفها.

■ لكن هل الحفاظ على أمن الحدود مع إسرائيل هو السبب فى القرار؟

- هو أحد المشاغل الرئيسية بالتأكيد، لكن ليس الوحيد، بل تأمين مصادر الطاقة هدف رئيسى أيضا، بالإضافة إلى حفظ مصالح الغرب التاريخية فى المنطقة.

■ وهل يملك نظام الأسد القدرة العسكرية على المواجهة؟

- لم يعد لدى «الأسد» قدرة، حتى على رد هجوم المقاومة السورية الوطنية والجيش الحر، وهذا ما دعاه إلى استدعاء حزب الله وعشرات آلاف عناصر الميليشيات الشيعية الطائفية العراقية والإيرانية، بل القدرة الوحيدة التى يملكها للرد على الهجوم هى إطلاق المزيد من القذائف والصواريخ والغازات الكيماوية على شعبه، وتدمير المزيد من المدن والقرى السورية.

■ وماذا عن التأثيرات المحتملة للضربة على تفاعل القوى الرئيسية فى الشرق الأوسط وموازين القوى الدولية؟

- المنطقة العربية تأثرت حتى الآن تأثرا كبيرا بالحرب «الأسدية» ضد الشعب السورى، بل إن التأثير يشمل العالم كله الذى يعيش جميعه، اليوم، على وتيرة الحرب السورية، وإذا لم يوضع حد لنظام الأسد، الذى تحول إلى ملحق بالاستراتيجية الإيرانية، الهادفة إلى التوسع وفرض هيمنتها على المشرق العربى، لتكون الند الأول للولايات المتحدة، وتضمن مشروعها النووى، فسوف يكون أمن الدول العربية، والخليج بشكل خاص مهددا كليا، وهو منذ الآن يتعرض لهزات عميقة.

■ شبح حرب العراق وسيناريو كوسوفو ينتظران سوريا.. كيف ترى المشهد؟

- ما تعرضت له سوريا فى الـ 30 شهرا الماضية خلف أضرارا ودمارا أسوأ من العراق، وما شهدته المدن والقرى من قتل، وتقويض للتعايش الوطنى، وتفخيخ للعلاقات بين الأديان والمذاهب والجماعات، فضلا عن تدمير الحياة الطبيعية، أكبر بكثير مما حدث فى أى حرب سابقة، باستثناء الحال فى هيروشيما عام 1945.

■ إذن.. ما الحل لتجنب الخيار العسكرى؟

- رحيل الأسد.

■ ولماذا لا تتخذ الجامعة العربية موقفا إيجابيا فوريا؟

- هذا ليس جديدا على الجامعة العربية، وليس مستغربا منها، والسبب انقسامها وغياب روح العمل الجماعى والأجندة المشتركة عند أعضائها، لكن يمكن القول إنها فى القضية السورية كانت فوق مستوى التوقعات، بالرغم من أن عملها لم يكن كافيا.

■ انتقل الحراك الثورى إلى حراك مسلح، وظهرت الميليشيات فى مشاهد العنف والمواجهات.. ما تفسير ذلك؟

- التفسير هو السياسات القمعية المتوحشة والبدائية التى جعلت من النظام السورى سلطة احتلال، وحولت القتل المنظم مع سبق الإصرار والتصميم إلى استراتيجية رئيسية لدفع الثوار إلى الخروج على التوجه السلمى، والاضطرار إلى حمل السلاح.

■ هل يمكن النظر إلى صعوبة الحالة السورية، باعتبارها ضريبة لـ«الربيع العربى»؟

- إذا شئت الدقة، سوريا وشعبها يدفعان ثمن انتصارات الثورات العربية السابقة، وبعدها، قرر جميع المتضررين منها الاتحاد، لوضع حد لمسيرة تحرر الشعوب العربية عن طريق ارتكاب المجازر الوحشية فى سوريا أو التغطية عليها.

■ هناك آمال فى إقامة نظام ديمقراطى فى سوريا مستقبلا.. فهل انهيار نظام «الأسد» البداية؟

- انهيار نظام الأسد فى حد ذاته نصر للسوريين وللإنسانية جمعاء، فلم يعرف التاريخ نظاما نكل بشعبه، ودمر حياته، ويَتَّم أطفاله، ومارس كل أنواع العنف الوحشية، مثل النظام الحالى فى سوريا، إنه نظام الجريمة المنظمة.

■ تعتقد أن تكون المعارضة السورية قادرة على إدارة البلاد بعد سقوط الأسد؟

- لا يوجد فى سوريا ولا فى غيرها من دول الاستبداد إدارة جاهزة تنتظر سقوط النظام، لتحل محله، وفى سوريا، لم تكن هناك معارضة، ولكن شخصيات حرة بقيت فى واجهة المقاومة لعقود، والمعارضة لم تنشأ، ولا يمكن أن تنشأ فى مثل هذه النظم إلا على هامش انهيار النظام، وبموازاة تحلل القبضة الإجرامية التى تخنق الناس، وتحرمهم من الالتقاء والتفاهم والتعاون، بل حتى من التفكير.

■ وماذا عن دور الشعب؟

- الشعب السورى يتعلم بسرعة وكغيره من الشعوب سينتج الإدارة الديمقراطية البديلة.

■ ما أسباب انقسام المعارضة السورية، ووجود لغة التّخوين بين جميع قياداتها، وعجزها عن إنتاج رؤية سياسية وطنية جامعة؟

- انعدام وجود معارضة وتقاليد وثقافة سياسية ديمقراطية تعترف بالاختلاف والتنافس السلمى على السلطة وكسب الرأى العام، بغياب تقاليد من هذا النوع، يحتاج الأمر إلى وقت، لاختفاء ثقافة الديكتاتورية والتخوين، قبل أن تظهر ثقافة ديمقراطية حقيقية تعرف معنى الاختلاف وقيمته ومشروعية وجود الآخر المختلف وضرورته لحياة المجتمعات.

■ هل هذا أفرز ظهور حركات عسكرية ذات طابع إسلامى مثل «جبهة النصرة»؟

- نظام الأسد هو الذى أطلق مئات السجناء من العناصر التى أرسلها إلى العراق مع «الصحوات»، لتقويض الوضع الناجم عن الغزو الأمريكى، فى 2003، اعتقادا منه فى ذلك الوقت بأن نظامه هو الهدف الثانى بعد نظام الرئيس العراقى الراحل صدام حسين، ولا يزال الخوف من الانفجارات الشعبية التى تهدد أسس السيطرة الغربية هو المحرك الرئيسى لمخططات الخارج، ويعرف جميع المحللين أن لتنظيم القاعدة صلات قوية بالأسد والنظام الإيرانى، وأنهما يستخدمان التنظيم كما استخدما العديد من التيارات الجهادية كأوراق مهمة فى لعبة الصراعات الإقليمية والدولية.

■ وما إمكانية بناء سوريا الجديدة مع سيطرة الإسلاميين على الثورة؟

- لم يُبْق برنامج التدمير الممنهج للوطن والشعب والدولة الذى طبقه نظام الأسد من سوريا المدنية التعددية ومشروعها شيئا، فالدولة تعيش اليوم محنة عظيمة، ومصيرها نفسه أصبح على كف عفريت، والإنقاذ من براثن القتل والتدمير والتطهير الطائفى والتهجير والتشريد المأساوى ينبغى أن يكون اليوم هو الهدف الأول والرئيسى.

■ عندما نتحدث عن سوريا لابد أن يتطرق الحديث إلى حزب الله؟

- حزب الله مجند بالكامل اليوم، وبأمر من السلطة الدينية الإيرانية، لحماية نظام الأسد، ويخوض المعركة الرئيسية على جبهة القصير، غرب حمص، بالإضافة إلى مشاركته على جبهات أخرى، ومشاركته هى التى تصب النار على المشاعر الطائفية، وتدفع بالأمور نحو الحرب الأهلية.

■ هل يستخدم النظام السورى «حزب الله» و«حماس»، لتحسين موقفه التفاوضى مع أمريكا وإسرائيل؟

- بالأحرى إيران تستخدم النظام السورى وحزب الله، من أجل التفاوض مع أمريكا والغرب وإسرائيل على موقع متميز فى المنطقة والعالم.

■ وبالطبع روسيا وإيران فى نفس الخندق، وإن اختلفت الأساليب والأهداف؟

- المعركة، اليوم، معركة روسيا وإيران، قبل أن تكون معركة الأسد الذى فقد كل شىء، وتحول إلى واجهة ودمية فى يد الدول الأجنبية، فإيران تحلم بأن تكون القوة المهيمنة فى المنطقة، وهى لا تخفى ذلك، وتعتبر أن هذه الهيمنة لا تتم إلا بحصار الخليج الذى يحتوى على الثروة والطاقة المهمة للغرب الصناعى، أما روسيا فقد وجدت فى الأزمة السورية فرصتها الوحيدة، لتفرض إرادتها على الغرب، وتضمن أن يعيد معاملتها، كقوة عظمى ثانية.

■ فى المقابل.. كيف ترى الدور القطرى؟

- لا قطر ولا السعودية ولا تركيا مَن اخترع الثورة السورية كما يروج إعلام النظام وحلفاؤه، كل ما قدمته هذه الدول حتى دخول الثورة فى مرحلة الكفاح المسلح كان نصائح ومبادرات فى اتجاه مساعدة الأسد ونصحه، لإثنائه عن خيار الحسم العسكرى، وإيجاد فرصة للحوار والحل السياسى، إلا أنه خذلهم جميعا، وكذب عليهم، وغشهم، خلال أكثر من 6 أشهر متتالية.

■ وأخيرا.. ماذا عن مصر؟

- للأسف، لم تكن مصر فى وضع سياسى يمكنها من أن تلعب الدور الذى كنا ننتظره منها، لانشغالها عن الثورة السورية بمشاكلها وصراعاتها الداخلية، وهذا، فى نظرى، أمر طبيعى، لكن السوريين شاهدوا بأم أعينهم حجم الدعم الكبير الذى قدمه الشعب المصرى، فى هذه الظروف الحالكة، للسوريين، فكانت كبرى مظاهرات التأييد للثورة السورية مصرية.