رصد «مؤشر الديمقراطية»، التابع لـ«المركز التنموي»، تنظيم 1064 حالة احتجاج شهدها الشارع المصري خلال أغسطس الماضي، بمتوسط 34 احتجاجًا يوميًا و3 كل ساعتين، ونوّه إلى وجود تراجع ملحوظ لنسبة الاحتجاجات التي نفذها الأهالي والمواطنون، حيث احتلت احتجاجاتهم المرتبة الثانية في ترتيب الفئات المحتجة، بعدما نفذوا 97 احتجاجًا بنسبة 9.2% من احتجاجات الشهر، تلاهم النشطاء السياسيون بنسبة 4.9%.
ورصد في تقرير صادر عنه، الثلاثاء، اتجاهًا واضحًا من كل القطاعات المجتمعية «لمنح فرصة ومهلة محددة للنظام الحالي قبل البدء في محاسبته أو مطالبته بكفالة العديد من الحقوق المنتهكة والحريات المفقودة»، موضحًا أن ذلك «يعكسه التراجع الجذري للعديد من الفئات المحتجة، وكذلك نسبة الاحتجاجات».
واستدرك بالقول إن «جماعة الإخوان المسلمين استطاعت ملء الفراغ الناتج عن عزوف باقي فئات المجتمع عن الاحتجاج، لكنها ملأته بشكل كمي وليس بشكل كيفي، حيث إن أعداد الاحتجاجات ربما تقاربت مع تلك التي شهدتها فترة الرئيس المعزول، لكنها كيفًا لا تعبر عن أعداد المحتجين ولا الفئات ولا المطالب، مما يعني أنها ملأته شكليًا وأفرغته مضمونًا».
وعلّق «المؤشر» بالقول إنه «بالأمس القريب وقت إدارة (الإخوان) للدولة، كانت كل قطاعات (الإسلام السياسي) تنفذ متوسط 20 احتجاجا شهريًا أغلبها لتأييد قرارات مرسي ومهاجمة خصومه حتى وإن كانوا القضاة، لكن خلال شهر أغسطس نفذ المنتمون لـ(الجماعة) وأنصارها 789 احتجاجا لدعم مرسي. وفي تحول مفاجئ من مواطنين انتموا لـ(جماعة) طالما طالبت بقمع المتظاهرين واتهمتهم وشوهتهم، لنموذج آخر من المواطنين الأنشط في تنظيم الحراك الاحتجاجي، الذي تصدروه بـ 74.2% من احتجاجات الشهر، والتي شملت في معظمها استخدام مظاهر العنف المختلفة».
ونوّه التقرير بأنه «على الحكومة الحالية تقديم ما يؤكد حسن نواياها فيما يخص كفالة حقوق المواطنين وحرياتهم، بما يحقق المزيد من الاستقرار وإلا فسوف تكون ردة الفعل الاحتجاجي من المواطنين أكبر من الماضي حتى وإن استخدمت ضدها كل وسائل القمع الأمني».
ورصد التقرير تضاعف عدد الاحتجاجات في النصف الثاني من أغسطس، الذي شهد 701 احتجاج، مقارنة بنصفه الأول الذي شهد 363، مفسرًا ذلك بأنه «كان لفض اعتصامي (رابعة والنهضة) رد فعل احتجاجي، عكسه خروج أنصار (الإخوان) والمنتمين لها في احتجاجات متضاعفة عما سبق».
كما لاحظ تصدر يوم 14 أغسطس، يوم فض الاعتصامين، المشهد الاحتجاجي، وذلك لأنه «شهد 135 حالة احتجاج، تلاه أيام الجمعة التالية للفض، حيث شهدت جمعة 16 أغسطس 67 احتجاجا، بينما شهدت نظيرتها في 23 أغسطس 61 احتجاجا، وشهدت جمعة 30 أغسطس 83 احتجاجا»، منوهًا بأن «هناك 4 أيام فقط من النصف الثاني لأغسطس شهدت 346 احتجاجا، أي ما يقارب كل الاحتجاجات خلال الـ13 يومًا الأولى من الشهر».
واشار التقرير إلى «انتهاج أعضاء (الجماعة) وأنصارها منذ بداية اعتصاماتهم وحتى 14 أغسطس، سياسة الاعتماد على بناء نموذج محاكاة للثورة المصرية من حيث التجمع في ميدان أساسي وهو (رابعة العدوية) وآخر فرعي هو (النهضة)، وتنفيذ مجموعة مسيرات من الميدانين لمناطق حيوية، لضغط على الدولة وعكس صورة عن بلد تمتلئ بالاحتجاج، وقد ساعد التنظيم الذي تتسم به (الجماعة) في تنفيذ تلك السياسة بشكل حرفي».
واستدرك البيان: «لكن بعد فض الاعتصامين عملت (الإخوان) على تنفيذ أكبر موجة حراك احتجاجي منظم، ينتهج في أغلبه احتجاجات اتسمت بالعنف المفرط كرد فعل لاستخدام الدولة القوة المسلحة في فض الاعتصامين، واستمرت سياسة المواجهات الأمنية والحرب الإعلامية بين الدولة و(الجماعة) حتى خسرت الأخيرة محليًا بشكل واضح العديد من مصادر التمويل وصناعة القرار بعد اعتقال قياداتها، ثم خسارة تعاطف الشارع، مما أفقدها قدرتها التنظيمية تدريجيًا».
ونوه التقرير بأن «الجماعة لازالت تصر، رغم خساراتها العديدة، على استمرار تنفيذ سياسة تطبيق نموذج محاكاة للثورة في يناير، معتمدة على تحركات قليلة طوال أيام الأسبوع تصل لمتوسط 20 احتجاجا يوميًا، ثم دعوات وتحركات مكثفة خلال أيام الجمعة تصل لمتوسط 70 احتجاجا».
وأضاف: «لكن المدقق سيلاحظ التناقص الواضح في القائمين بتلك الاحتجاجات حتى يصل للعشرات أحيانا ولبضعة آلاف في أكبر المظاهر الاحتجاجية، بشكل يعكس كمًا احتجاجيًا بدأ يفقد أثره ويتناقص بشكل واضح، لكنه يحاول تنفيذ كم واسع بتلك الأعداد القليلة، بشكل يشتت من التمركز الأمني المواجه لتلك الاحتجاجات ويعكس انتشارًا واسعًا للمتظاهرين، وكأن الدولة كلها تتظاهر».
ورصد التقرير استعانة «الجماعة» بأنصارها في النقابات المهنية المختلفة مثل «الأطباء، والصحفيين، والمعلمين»، عبر تأسيس روابط مهنية تسمي «روابط ضد الانقلاب، مثل صحفيون ضد الانقلاب.. إلخ»، معتبرة ذلك «يكمل أهداف (الجماعة) في رسم صورة لشعب يتظاهر، وليس لفصيل واحد».
وأضاف أن «الأخطر هنا هو ما سيأتي بعد تخطي تلك الأزمة، وبناء مثل تلك الروابط السياسية داخل التنظيمات النقابية، وهو بالفعل ما سيقابل سواء من الدولة أو القوى السياسية الأخرى بروابط مقابلة، بشكل يساعد على بناء صراع حزبي جديد داخل الكيانات النقابية، مما يمهد لانشغال تلك النقابات بالصراع الداخلي عوضا عن المشكلات النقابية الفعلية، وهو ما يهدد بشكل واضح التنظيم النقابي في مصر».
ولاحظ التقرير تراجع نسب الاحتجاجات العمالية بشكل «مثير للدهشة»، وقال إن «العمال نظموا في أغسطس 25 مظهرا احتجاجيا، بنسبة 2.27% من احتجاجات الشهر، مما حمل العديد من الرسائل والتي تتمثل أهمها في أن العمال ورغم الانتهاكات العديدة التي يتعرضون لها ربما يقومون بالسماح للنظام الجديد بمهلة كافية للعمل قبل المساءلة والخروج للاحتجاج».
وأشار إلى أن هذا التناقص «يأتي في ظل ملاحظات مهمة حول النشاط التشريعي الذي تقوم به وزارة القوى العاملة، والمتمثل في مناقشة مجموعة من القوانين التي طالما أحدثت جدلاً واسعًا، ومثلت مطلبا للعديد من العمال والمهتمين بشؤونهم كقوانين الحريات النقابية، وحديّ الأجور في ظل مناقشة قوانين التأمينات والمعاشات والتعديلات التي تجرى عليها، وهو ما عكس بعض النوايا الحسنة للوزراة الحالية للعديد من القطاعات العمالية، مما كرس مبدأ إتاحة الفرصة للنظام الحالي».
واستدرك «مؤشر الديمقراطية» في تقريره بالتساؤل حول الآلية التي ستقوم بها وزارة القوى العاملة بتطبيق الحدين الأقصى والأدنى للأجور «في ظل غياب تام لأية رؤي اقتصادية حقيقية تقدمها الوزارة أو المنظمات المدنية أو النقابية أو الأحزاب والقوى السياسية، وحيث عكس تاريخ الحكومات المتعاقبة فشلاً تامًا في معالجة تلك المشكلة بشكل أبقاها دومًا في خانة الوعود غير القابلة للتحقيق».
وحذرت من أن عدم تحقيق تلك الوعود «سيحولها لسيف مسلط على رقاب الحكومة الحالية والحكومات اللاحقة لها، ومحفز أساسي للحراك الاحتجاجي»، موصيًا بضرورة انتهاج وزارة القوى العاملة لسياسات من شأنها إيجاد حلول قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، عوضا عن أن تتحول الوعود لـ«مسكنات تنقلب لمحفزات للمزيد من الاحتجاج».