قال الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الرى الأسبق، إنه فى حالة الإصرار الإثيوبى على الاستمرار فى مخطط إنشاء سد النهضة فإنه يجب العمل على التوصل إلى اتفاق مع السودان لمقاطعة السد وعدم شراء الكهرباء الناتجة عنه لتعطيل مخطط إنشائه حيث لا يتوفر لإثيوبيا البنية الأساسية والشبكات اللازمة لاستيعاب أو نقل معظم كهرباء هذا السد، ولا يوجد مستخدم آخر لهذه الكهرباء إلا من خلال نقلها عبر أراضى السودان أو مصر. واقترح الوزير الأسبق إعداد كتيب عن تقرير اللجنة الثلاثية الدولية عن سد النهضة وإرسال نسخ منه إلى الجهات المانحة والقوى السياسية والمنظمات الدولية، وإلى نص الحوار:
■ كيف ترى موقف مصر الحالى تجاه سد النهضة؟
-الحقيقة الموقف الحالى لمصر نحو سد النهضة ليس جيداً على الإطلاق ويزداد سوءاً مع مرور الأيام، وذلك نتيجة لأسباب عديدة أهمها عدم الاستقرار الداخلى وأعمال العنف المنتشرة فى المجتمع والتى تهدد استقرارنا الاجتماعى والاقتصادى وسوء أداء الحكومات المتعاقبة بخصوص هذا الملف منذ قيام ثورة يناير 2011 وحتى قبل ثورة 30 يونيو 2013 والتواطؤ الدولى الذى نراه جليا على مصر.
وقد استغلت إثيوبيا هذه الظروف أسوأ استغلال فى فرض أمر سد النهضة على مصر والاستمرار فى إنشائه والمماطلة فى البدء فى أى تفاوض جدى حوله.
وحقيقة الأمر أن الوقت ليس فى صالحنا وأنه لا سبيل أمامنا إلا النهوض سريعاً من مشاكلنا الداخلية والبدء الفورى فى التعامل الجاد مع هذا التحدى الاستراتيجى والمصيرى.
■ ماذا تعنى بسوء إدارة حكومات ما بعد ثورة يناير؟
-أبدأ أولاً بالتذكير بأنه كان قد تم وضع حجر أساس هذا السد فى 3 إبريل 2011 بعد أسابيع قليلة من ثورة 25 يناير المصرية فى تصرف انفرادى ومفاجئ من قبل إثيوبيا فى استغلال سيئ لظروف مصر السياسية وانشغال أهلها فى ذلك الوقت بأمورهم الداخلية.
وكانت كل من مصر والسودان قد أبدتا انزعاجهما وتخوفاتهما من التأثيرات السلبية الكبيرة المحتملة لسد النهضة الإثيوبى على أمنهما المائى، ولكن أثيوبيا زعمت أن السد سيفيد الدول الثلاثة وأنه لن يتسبب فى أية أضرار لأى من مصر والسودان.
واتفقت الدول الثلاثة فى نهاية عام 2011 على تشكيل لجنة ثلاثية لتقييم فوائد السد وتحديد آثاره السلبية المحتملة على دولتى المصب، وتضم هذه اللجنة مندوبين اثنين عن كل دولة بالإضافة إلى 4 خبراء دوليين فى مجالات الموارد المائية، والهندسة الإنشائية للسدود، والبيئة، والآثار الاقتصادية والاجتماعية.
وأثناء فترة حكم المجلس العسكرى ثم أثناء حكم الرئيس المعزول د. محمد مرسى استمرت إثيوبيا فى بناء السد، بينما اكتفت الحكومة المصرية فقط بالمشاركة فى اجتماعات اللجنة الثلاثية والتى انتهت فى يونيو 2013.
■ ما تفسيرك لموقف حكومة «الإخوان» من سد النهضة؟
- قبل آخر اجتماعات اللجنة بأيام قليلة قامت إثيوبيا بتحويل مجرى النيل الأزرق للبدء الفعلى فى إنشاء جسم السد وذلك فى عدم اكتراث باجتماعات اللجنة الثلاثية ونتائجها، ولم يكن لمصر رد فعل مناسب، وأتذكر فى هذا الشأن اجتماع الرئيس السابق مع بعض النخب السياسية والذى تمت إذاعته على الهواء وتم فيه تبادل عبارات عدائية لإثيوبيا سببت لنا بعض المشاكل السياسية بدلاً من حث إثيوبيا على وقف بناء السد.
باختصار الإدارة السابقة فشلت فى التعامل مع هذا الملف ولم يكن لها أجندة واضحة للتحرك حياله ودرء مخاطره.
■ ما أسانيد حكومة «قنديل» فى التعامل مع المشروع الإثيوبى؟
-استندت التصريحات الحكومية والرئاسية إلى أن الحكومة الإثيوبية تعهدت بعدم الإضرار بحصة مصر المائية، بينما فى الأصل لا تعترف إثيوبيا بهذه الحصة، هى وبقية دول منابع حوض النيل، وساهمت تصريحات المسؤولين المصريين فى تطميع الجانب الإثيوبى فى مصر بل وزادت من طموحاته.
أما بعد ثورة 30 يونيو فعامل ضغط الوقت والأحداث المصرية الداخلية لها تأثيرات سلبية على ملفاتنا الخارجية بصفة عامة وعلى هذا الملف بصفة خاصة، وكما نرى لم ننجح فى عقد اجتماع لوزراء الرى للدول الثلاثة بالرغم من محاولاتنا ذلك خلال الأسابيع القليلة الماضية، وجدير بالذكر أنه كان هناك أيضا هناك بعض السلبيات المؤثرة فى صلاحيات اللجنة الثلاثية وفى إطار عملها.
■ ما السلبيات التى أشرت إليها فى صلاحيات اللجنة الثلاثية لتقييم سد النهضة؟
-من حيث المظهر نجد أن تشكيل اللجنة الثلاثية كان خطوة إيجابية تسمح لدول حوض النيل الشرقى الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا بتبادل وتقييم البيانات الأساسية للسد للوصول إلى تفهم مشترك لآثار السد الإيجابية والسلبية، ولكن كان هناك العديد من السلبيات التى قد لا يعلمها الكثيرون من المصريين والتى قد تؤثر على مسار المفاوضات المستقبلية بين الدول الثلاث. أهم هذه السلبيات أن إثيوبيا أصرت على أن ينص فى الإطار التنظيمى لهذه اللجنة على أن سد النهضة تحت الإنشاء، وذلك لفرض حقيقة بناء السد كأمر واقع غير قابل للتغيير على كل من مصر والسودان، وللأسف رضخت الدولتان لهذا التعنت الإثيوبى، ونجحت إثيوبيا أيضا فى أن يخلو الإطار التنظيمى لهذه اللجنة من أى نص يضمن الحقوق المشروعة للدول التى قد يثبت تضررها من السد (دولتى المصب)، أو حتى أى إجراءات لتجنب أو تقليل الأضرار المحتملة على دولتى المصب.
وقد تشمل هذه الإجراءات وقف إنشاء السد، أو التفاوض حول حجم السد أو التفاوض حول بدائل هندسية أخرى.
■ ما علاقة تشكيل اللجنة بتأثيرها على الموقف المصرى؟
-تشكيل اللجنة بهذه السلبيات التى قبلتها مصر والسودان ساعدت إثيوبيا على فرض سد النهضة كأمر واقع على دولتى المصب وساعدت إثيوبيا فى خداع العالم كله بأنها دولة حريصة على جيرانها وعلى احترام القانون الدولى. والحقيقة فى الواقع أن إثيوبيا أفرغت الإطار التنظيمى للجنة الثلاثية من أى مضمون قانونى أو مؤسسى للتفاوض أو للتوصل إلى حل مرض لأطراف النزاع لتصبح لجنة أكاديمية أكثر منها من أن تكون لجنة تحكيمية.
■ كيف تستفيد مصر من تقرير اللجنة الثلاثية؟
-تقرير اللجنة والذى تم إصداره منذ ما يزيد على شهرين لم تعلنه أى من الدول الثلاث بالرغم من عدم سريته، وأسباب عدم النشر قد يكون مفهوما من قبل دولة إثيوبيا لأن التقرير يعريها تماماً أمام شعبها وأمام العالم، أما عدم نشره من قبل الدولة المصرية فذلك يمثل علامة استفهام كبيرة يجب أن يسأل عنها المسؤولون المصريون.
وأنا أرى استثمار هذا التقرير سواء على المستوى المحلى لشرح الحقائق للرأى العام، وعلى المستويات الإقليمية لدول حوض النيل والقرن الأفريقى والدول العربية وخاصة دول الخليج والتى لها استثمارات كبيرة فى إثيوبيا، وذلك لشرح الموقف المصرى من سد النهضة، وكذلك على المستوى الدولى للقوى السياسية الدولية والجهات المانحة.
■ لماذا لم تقم السودان بنشر نتائج هذا التقرير؟
-يعود ذلك للفوائد المباشرة التى ستعود على السودان من سد النهضة الإثيوبى والتى تتمثل فى تقليل المواد الرسوبية فى سدودها على النيل الأزرق وإطالة عمر هذه السدود وتقليل تكاليف صيانتها، وزيادة تقدر بحوالى 10-15% فى إنتاج سدود السودان من الكهرباء، وفى توفير مياه النيل الأزرق طوال العام بدلا من موسم الفيضان فقط مما يمكنها من زراعة الأرض الزراعية طوال العام، بالإضافة إلى الحصول على الكهرباء من إثيوبيا والتى تحتاجها بشدة خاصة بعد انفصال جنوب السودان ومعه جزء كبير من البترول السودانى. ولكن هناك أيضا آثارا سلبية على السودان من سد النهضة تتمثل فى تقليل شحن مخزونها الجوفى فى منطقة النيل الأزرق وتأثر خصوبة الأراضى الزراعية نتيجة لنقص كميات الطمى وآثار بيئية سلبية خاصة على الثروة السمكية. ولكن أهم الآثار السلبية على السودان تتمثل فى اقتسام النقص الناتج فى إيراد النهر بينها وبين مصر كما تنص اتفاقية 1959بين البلدين إلا إذا كانت السودان لا تنوى الالتزام باتفاقية 1959.
■ بماذا تنصح الحكومة المصرية بخصوص التحرك بشأن هذا الملف الشائك؟
- التصريحات السياسية الأثيوبية توضح إصرارا كبيرا على عدم وقف إنشاء سد النهضة ولو حتى أثناء فترة التفاوض، ويحيط بردود أفعال القيادة السياسية الإثيوبية تعنت وعدم مرونة وذلك فى تصريحاتها حول المطالب المصرية الخاصة بتقليل حجم سد النهضة لتقليل آثاره السلبية، والتحرك المصرى فى هذه المرحلة مهمة شائكة وصعبة فى ظل ظروفنا الداخلية وفى ظل أن إثيوبيا سبقتنا فى التحرك على الصعيدين الدولى والإقليمى بأكثر من عامين كاملين .
■ ما الحل إذا استمرت إثيوبيا فى تنفيذ المشروع؟
- فى حالة الإصرار الإثيوبى على الاستمرار فى مخططاتها فإنه يجب علينا العمل على التوصل إلى اتفاق مع السودان لمقاطعة سد النهضة الإثيوبى وعدم شراء الكهرباء الناتجة لتعطيل مخطط إنشائه حيث لا يتوفر لإثيوبيا البنية الأساسية والشبكات اللازمة لاستيعاب أو نقل معظم كهرباء هذا السد، ولا يوجد مستخدم آخر لهذه الكهرباء إلا من خلال نقلها عبر أراضى السودان أو مصر.
ولذلك فإننى أرى ضرورة إعداد كتيب عن تقرير اللجنة الثلاثية الدولية عن سد النهضة وآخر حول نتائج الدراسات المصرية المتوفرة عن السدود الإثيوبية وتبعاتها السلبية على دولتى المصب وتوزيع نسخ منه على الجهات المانحة والقوى السياسية والمنظمات الدولية، ووضعه على المواقع الإلكترونية لوزارتى الرى والخارجية وهيئة الاستعلامات.