بدأت مسابقة فينسيا الـ70 بداية قوية مع عرض الفيلم الإيطالى «شارع كاستيلانا بانديرا»، إخراج إيما دانتى، وهو عمل فنى أصيل وكبير، ومن الأفلام الجديرة بالفوز بإحدى جوائز المهرجان، أو جائزة «لويجى دى لورينتس»، المخصصة للفيلم الطويل الأول أو الثانى لمخرجه، فهو أول فيلم تخرجه إيما دانتى (ولدت عام 1967)، التى تعتبر من أهم مخرجات المسرح والأوبرا فى إيطاليا، وعلى المستويين الأوروبى والعالمى.
كتبت إيما دانتى سيناريو الفيلم مع جورجيو فاستا ولوسيا إيمينتى عن أول رواية صدرت لها بنفس العنوان عام 2009، ومثلت أحد الأدوار الرئيسية الثلاثة فى الفيلم. ورغم الأصل الأدبى، والخبرة المسرحية، جاء الفيلم سينمائياً بامتياز، فلا توجد «قصة» بالمعنى التقليدى، وإنما موقف فى شارع أغلب الفيلم (90) دقيقة، ولا يتحول الشارع إلى مسرح مصور، ولا حتى فى اللقطة الأخيرة التى تدور فى الساحة التى ينتهى إليها الشارع، وتستمر عدة دقائق من دون مونتاج ولا حركة كاميرا.
هذا فيلم كلاسيكى الشكل، واقعى المضمون، يلخص مجتمعا، ويعبر فى نفس الوقت عن رؤية شاملة للحياة، ولا يخلو من شعور عميق بالعبث. أما الكلاسيكية فتتمثل فى وحدات أرسطو الثلاث: الزمان: الذى لا يتعدى دورة شمس واحدة من ظهر يوم الأحد إلى فجر الاثنين، والمكان: وهو مدينة باليرمو عاصمة جزيرة صقلية فى إيطاليا، كما تبدو من خلال شارع كاستيلانا بانديرا، والموضوع: وهو مجتمع صقلية، وأما الواقعية فهى فى تحليل العلاقات بين الناس سكان هذا الشارع.
يبدأ الفيلم تحت الماء فى البحر أثناء قيام أسرة كالافيورى برحلة إلى الشاطئ فى يوم من أيام الصيف الحارة، ثم نرى الجدة سميرة (إيلينا كوتا) تزور قبر ابنتها، وعلى شاهد القبر أنها ولدت عام 1970 وتوفيت 2008، وتطعم الكلاب الضالة بين المقابر، وفى المشهد الثالث تقود روزا (إيما دانتى) سيارتها وبجوارها صديقتها الرسامة كلارا (ألبا راوثر) فى الطريق لحضور حفل زفاف صديقة لهما. وربما كان المشهد الأول نقطة الضعف الدرامية الوحيدة فى الفيلم، كما كان من الأفضل أن يأتى مشهد المقابر قبل العناوين، ويبدأ الفيلم فى المشهد الثالث.
تتوه روزا وتدخل شارع كاستيلانا بانديرا فى نفس الوقت الذى تدخله سيارة أسرة كالافيورى، وتقودها سميرة فى الاتجاه المعاكس، وتتوقف كل سيارة أمام الأخرى فى الشارع الفقير الضيق، وتصر كل من روزا وسميرة على عدم التراجع، وكلما مضى الوقت يزداد العناد، ورغم أننا وحتى النهاية لا نعرف من منهما فى الاتجاه المعاكس، أم أن الشارع اتجاهان. يتجمع السكان للفرجة على الموقف، ويختلفون فى مناقشاتهم، وتتحول المناقشات إلى عنف يصل إلى حد أن يبقر أحدهم بطن آخر بعنق زجاجة، وتختلف كلارا مع روزا، وتترك السيارة إلى ملهى بعيد للشباب، وندرك أن الشارع مغلق لأنه ينتهى إلى هاوية، وتبقى سميرة داخل السيارة وتغلق أبوابها ونوافذها، فتتحول إلى مقبرة عندما ينفد الهواء وتموت. وفى الفجر تعود كلارا إلى روزا، وتعود سميرة إلى منزلها فى المشهد الوحيد المصور بالكاميرا الحرة، والذى نستمع فيه إلى صوتها لأول وآخر مرة فى مونولوج داخلى على شريط الصوت، وعندما تتحرك روزا بسيارتها وتغادر، نرى سميرة مرة أخرى داخل سيارتها التى تندفع نحو نهاية الشارع (الهاوية)، ولكن بدلاً من أن نرى سقوط السيارة، نرى سكان الشارع وهم يهرعون للفرجة.