كانت الساعة قد قاربت السابعة من مساء يوم الأربعاء الماضى عندما وقف كل من جلال أحمد على (30 سنة) وشهرته ايهاب وبيشوى ميخائيل (25 سنة) على ظهر السفينة السياحية «ميرميد» التى يملكها رجل الأعمال المسيحى صمويل ثابت زكى يشاهدون آلافا يخرجون من شارع كنيسة الأمير «تادرس» يتجهون إلى شارع الكورنيش بمدينة المنيا، فى أياديهم مئات الزجاجات من المولوتوف ويكبرون. يعبر المحتجون الشارع ويقفزون إلى السفينة لنهبها، يختبئ إيهاب وبيشوى داخل حمام السفينة، ينتظران أن يسرق المحتجون محتويات السفينة ويغادروها.
لكن ما حدث أن المحتجين ألقوا بكل زجاجات المولوتوف على السفينة بعد نهبها، فتح إيهاب باب الحمام ليجد النيران تحيط بهما من كل جانب لم يستطع الخروج، أمسك بيد بشوى وأغلقا الباب الذى لم يستطع حمايتهما من النيران فماتا سويا قبل أن يوثق عملية العثور على الجثتين المتفحمتين بعد حرقهما على قيد الحياة فيديو على موقع يوتيوب.
تأكدت «المصرى اليوم» من صحته عبر شهود، يظهر فيه إحدى الضحيتين ملقيا ما تبقى من رأسه على ما تبقى من صدر زميله.
لم يكن هذه المشهد الأليم هو نهاية القصة التى كانت بدايتها فى شارع الأمير تادرس والذى كانت فيه معظم الحرائق التى استهدفت ممتلكات وأماكن عبادة المسيحيين، ففى بداية الشارع بدأ المحتجون بالكنيسة العتيقة التى كانت تنتظر أن تصنف بأنها أثرية فى شهر أكتوبر المقبل، كان شرف جمال (29 سنة) عامل بكنيسة الأمير تادرس ومعه 3 عمال آخرون قد سمعوا هياج المحتجين خارج الكنيسة لكن الأبواب الحديدية الكبيرة طمأنتهم قليلا، سمعوا أحدهم يقول: «هاتولى عتلة» وأخذ يحاول فتح الباب بالعتلة حتى نجح، آلاف من البشر يجتاحون فناء الكنيسة ومعهم أنبوبة غاز ضخمة حصلوا عليها من المطعم المجاور إلى جانب زجاجات المولوتوف.
يدخل أشرف وزملاؤه إلى داخل الكنيسة ويغلقون الأبواب الداخلية المصنوعة من الخشب كمعظم بناء الكنيسة فيحرقها المحتجون ويتابعون هجومهم يستولون على كل شىء يقابلونه «أجهزة كمبيوتر، تكييفات، مراوح، شاشات إل سى دى». يفر العمال الأربعة الى أعلى الكنيسة محاولين الاستغاثة بمسلمين من جيران الكنيسة لمساعدتهم.
يقول أشرف: «كنا 4 أفراد أمام ألفى شخص على الأقل، طلعنا فوق السطح جريوا ورانا بعد ما باب الكنيسة اتصفى وبقى رماد، قفزنا من السطح على عمارة جيران مسلمين خبأونا عندهم، وطلبوا المطافئ لكنها لم تأت إلا بعد ساعة ونصف الساعة، وبعد السطو على الكنيسة وحرقها تماما اتجه المحتجون إلى مدرسة الأقباط الثانوية بنين فأحرقوها ومعها مدرسة الأقباط الابتدائية بنين المجاورة لها، على بعد خطوات من نفس الشارع الذى حصل على نصيب الأسد من هذه الأحداث، تقع مدرسة الراهبات التى مازال دخان النار التى ابتلعتها بالكامل يخرج من داخلها حتى كتابة هذه السطور.
على بعد خطوات منها تقع دار الكتاب المقدس التابعة للهيئة القبطية الإنجيلية، وفى الطرف الآخر من شارع كنيسة الأمير تادرس كانت المأساة حيث ملجأ للأيتام الأقباط، حرقه أنصار الرئيس المعزول وسرقوا كل ما فيه، على بابه بقايا سيارة مدير الملجأ التى أحرقت بالكامل، وفر 25 يتيما تتراوح أعمارهم بين 4 و15 عاما، تم تهريبهم من الباب الخلفى للملجأ قبل أن تلتهمه النيران بالكامل، حسب شهود عيان التقتهم الصحيفة.
فى نفس التوقيت كانت مجموعات أخرى من المحتجين تعمل فى شارع مواز لشارع الأمير تادرس، فى منطقة شعبية فقيرة تسمى أبوهلال، وداخل مسجدى عمر والرحمن المجاورين لكنيسة الأنبا موسى، كانت الصلاة مشحونة بالدعاء على المسيحيين الذين خرجوا يوم 30 يونيو، خرج بعدها أنصار الرئيس المعزول إلى الكنيسة المجاورة وأخذوا يرددون هتافات ضد المسيحيين والجيش، وظلت الشرطة تحمى الكنيسة حتى وصلت الأنباء بالهجوم على قسم الشرطة، فانسحبت القوات لتأمينه، حسب رواية أكثر من شاهد عيان، وبدأت بعدها عملية الهجوم والسلب لمحتويات الكنيسة على مدار ثلاثة أيام.
يقول رضا محمد ضاحى (30 سنة)، أحد شهود العيان ويسكن فى الجهة المقابلة للكنيسة: «الساعة 7 مساء بعد انسحاب الشرطة حضر من سماهم البلطجية، وضربوا الكنيسة بالمولوتوف ولما احترقت كسروا الباب ودخلوها وظلوا ينهبون محتوياتها حتى الرابعة عصر اليوم التالى، كانوا بيجمعوا المسروقات فى مكان مجاور وكنت شايفهم من البلكونة وكلمت النجدة، وواحد أعرفه فى قسم الشرطة لكن ماحدش استجاب وماكنتش اقدر أنا أتعرض لهم لأن أعدادهم كانت كتيرة جدا».
يضيف: «اللى قدرت عليه بصراحة إنى قلت لهم حرام السرقة، ردوا قالولى دى فلوس نصارى حلال سرقتهم»، حسب قول شاهد العيان.
المهندس نبيل بيشوى، أحد شهود العيان، أحد السكان المجاورين للكنيسة، يقول: «عندما اتصلت بالشرطة لنجدة الكنيسة، قالوا لى لو معاك سلاح احمى نفسك بنفسك».
عمليات استهداف الممتلكات سبقها على مرأى ومسمع من الجميع شعارات على أبواب وجدران محال ومساكن المسيحيين عبارة عن علامة إكس (x) الحمراء أو حرف (ميم) الأحمر لتمييز منازلهم، وأثبتت تلك العلامات أنها ساعدت المهاجمين على الاستهداف السريع لممتلكات المسيحيين، بعد أن أسفر الهجوم عن حرق ونهب خمس عشرة كنيسة، وجمعية الشبان المسيحيين، وملجأ للأيتام الأقباط، ومدرستين للأقباط، وجمعية الوادى، ومحال تجارية واستوديوهات وصيدلية مملوكة جميعها لمسيحيين.