فى حى الشجاعية، أعرق أحياء غزة، كان منزل القائد نائب القائد العام لكتائب القسام، أحمد الجعبرى. الذى اغتالته إسرائيل فى بداية عملية «عمود النار»، صور الشهيد تغطى جدران الحوائط، ويزين اسمه اللافتات التى تستقبلك قبل المنزل بمئات الأمتار، تتغنى الألسنة بقدراته العسكرية، ونجاحه فى تحرير الأسرى فى صفقة «وفاء الأحرار» مقابل الأسير الإسرائيلى الفرنسى، جلعاد شاليط، أفرج عن أكثر من 100 أسير فلسطينى.
«ستة أيام فقط فصلت بين وصول والدى من الحج وبين اغتياله».. يتحدث معاذ، 17 عاما، عن الأيام الأخيرة فى حياة والده التى شهدت، على حد قوله «تباشير الاستشهاد»، إذ «لم تكن الابتسامة تفارق وجهه، يتحدث عن الإيمان بالله وعن ضرورة معاملة الناس بخلق حسن، والسعى فى حاجاتهم قدر الاستطاعة، وكان يوصينا بمقاومة العدو حتى نطرده من كل الأراضى المحتلة، ونحصل على حقوقنا كاملة».
يضيف «معاذ»: «خلال أيامه الأخيرة جمع أبناءه، (10 أولاد وبنتان) وأوصاهم بطاعة الله والحرص على الصلاة فى أوقاتها، كأنما كان يشعر بأن الموت قريب»، متابعاً: « تلقينا خبر الوفاة كالصاعقة، لكننا مؤمنون بقضاء الله وقدره ونتمنى أن يرزقه الله الجنة.. استشهد أبى بعد أن حقق أغلى أمانيه، كان دائماً يقول لنا (أريد تحرير الأسرى والحج إلى بيت الله الحرام)، وقد نالهما، ولله الحمد، قبل موته».
«معاذ» الذى التحق بقسم «الدراسات الشرعية» فى المرحلة الثانوية بدلاً من «العلمى أو الأدبى»، يصف حياة القادة العسكريين، فى القسام، بـ«غير النمطية»، قائلاً: «الجلوس فى المنزل برفقة الأولاد، والخروج معهم إلى المنتزهات وقضاء حوائجهم اليومية، أمور يعجزون عن أدائها فى ظل محاولات الاحتلال اغتيالهم.
يقول مؤمن، 18 عاما: «اعتدنا ألا نرى والدنا فترات طويلة، لانشغاله فى الجهاد، وفى دعم الكتائب وتطويرها، كنا نفتقده كثيراً، لكننا ندرك طبيعة عمله جيداً»، مضيفاً: «خلال عام 2006، وأثناء أسر جلعاد شاليط، لم نره لأشهر متتالية، وكانت عودته للمنزل تشكل خطورة بالغة عليه»، متابعاً: «حين ننظر إلى ما قام به والدى بعد انضمامه لحماس، عقب خروجه من السجن فى التسعينيات، نشعر بالفخر وندرك أن نصرة المقاومة واجبة علينا».
ويضيف عرفات، نجل شقيقة الجعبرى: «قبل أبو محمد لم تكن الكتائب بهذه القوة والتنظيم، وكان يتم استدعاء قياداتها ويتعرضون للحبس، وبعده أصبحت هى المتحكمة فى كل شىء فى القطاع»، متابعاً: «وقبل وفاته بأيام قليلة قال: (أنا مطمئن اليوم على القسام، ولا أخشى أن تدخل حرباً مع العدو)».
ورأى «عرفات» أن الجعبرى كان له الفضل فى تعليم الكتائب استراتيجيات أمنية جديدة، جعلتهم أكثر قدرة على مواجهة العدو مع تجنب الخسائر قدر الإمكان، مرجعاً ذلك إلى «ثقافته الواسعة وإجادته اللغة العبرية التى كانت تمكنه من فهم عقلية العدو»، مضيفاً: «كان يقرأ ويكتب بالعبرية ويعلمها أيضاً لزملائه فى السجن، وكان يردد دائماً أن من علم لغة قوم أمن مكرهم».