فى السنوات الماضية، حظيت «وكالة البلح» بالنصيب الأكبر فى بيع الملابس المستعملة، حيث كان يتوافد عليها أهالى القاهرة الكبرى ومختلف المحافظات فى الأيام الأخيرة من شهر رمضان هربا من ارتفاع أسعار الملابس فى المحال، إلا أنه فى السنوات الأخيرة انتشرت محال الملابس المستعملة فى جميع الأحياء الشعبية والراقية بعد إقبال المواطنين عليها.
فى أحد الشوارع الجانبية بمنطقة بولاق الدكرور بمحافظة الجيزة، تكدس عدد من السيدات على سلة كبيرة خارج المحل تضم العشرات من ملابس الأطفال ما بين «تيشيرت، بنطلون، شورت، بلوزة»، تبدأ أسعارها من 7 جنيهات ونصف الجنيه، وتنتهى بـ 15 جنيها، يقف شاب لم يتجاوز العشرين من عمره يراقب الزبائن، يحثهم على التعامل برفق مع البضاعة، لتنتقده زبونه قائلة: «هنقطع إيه، دول مغسولين 100 مرة».
اعتادت «دعاء محمد» ربة منزل، شراء ملابس العيد لأبنائها من باعة الأرصفة، لانخفاض سعرها عن أسعار الملابس المعروضة فى المحال، إلا أن ارتفاع الأسعار واقتراب موسم الدراسة أجبر «دعاء» على شراء الملابس المستعملة، فهى ترى أن شراء بلوزة مستعملة أفضل من لا شىء - على حد قولها - وتقول: «كنت أذهب إلى شارع 26 يوليو لشراء ملابس العيد لأبنائى من باعة الأرصفة، إلا أننى فوجئت بارتفاع كبير فى أسعارها التى لا تختلف كثيرا عن المحال، فالبنطلون الجينز لا يقل ثمنه عن 45 جنيها، والتيشيرت بـ 30 جنيها، لذلك قررت الذهاب إلى محال الملابس المستعملة لشراء ملابس العيد لأبنائى، فأنا لا أستطيع شراء ملابس جديدة لهم، ودخلى لا يتجاوز 700 جنيه، كذلك لا أستطيع أن يأتى العيد بدون شراء ملابس».
وأشار أحمد فتحى، صاحب محل ملابس، إلى أن بعض المحال تقوم ببيع الملابس المستعملة تحت اسم «بواقى تصدير»، وهى لا تختلف عن الملابس المستعملة سوى فى ارتفاع أسعارها وجودتها، قائلا: تحرص بعض المحال على الخلط بين الملابس المستعملة والجديدة، ولا تنبه الزبون إلى ذلك، ما يعد غشا تجاريا، خاصة فى المناطق الشعبية، وفى موسم الأعياد، ويضطر الزبون إلى الرضوخ لأنه لا يستطيع شراء الملابس الجديدة».
وطالب «فتحى» بضرورة تشديد الرقابة على الملابس المستعملة من جانب جهاز الرقابة على الصادرات والواردات، خاصة أن جزءا كبيرا منها يحتوى على صبغات مسرطنة، ودخلت إلى السوق المصرية بطريق غير شرعى. انتشار محال الملابس المستعملة لا يقتصر على المناطق الشعبية فقط، فعلى بعد عدة أمتار من محيط قصر الاتحادية بمنطقة مصر الجديدة، وداخل جراج أحد العقارات الذى تحول إلى محل للملابس المستعملة، وقفت هناء رفعت، موظفة، تتفحص ملابس للأطفال، وتسأل عن أسعارها بين الحين والآخر، دقائق معدودة تنتقل فيها بين «استاندات» الملابس المستعملة، وتقول بلهجة ساخرة: «بلوزة مستعملة بـ 60 جنيه، طب لو جديدة تبقى بكام؟».
لا تجد «هناء» وسيلة لتوفير احتياجات أبنائها الأربعة من ملابس العيد سوى محال الملابس المستعملة، فهى لا تستطيع الاقتراب من محال الملابس الجديدة - على حد تعبيرها - لشراء ملابس لأبنائها وسط هذا الغلاء الفاحش، ورغم ذلك ترى أن أصحاب محال الملابس المستعملة انتهزوا فرصة إقبال المواطنين على شرائها ورفعوا الأسعار هذا العام إلى الضعف. ورفض أحمد هارون اصطحاب ابنتيه أثناء شرائه ملابس العيد منعا لإحراجه عند شراء ملابس مستعملة لهما، فالكبرى طالبة فى كلية الهندسة بجامعة الزقازيق، والأخرى فى إعلام جامعة القاهرة، لذلك فهو يقطع الرحلة وحده بدءا من المرور على المحال المستعملة، ثم الانتقال إلى محل «دراى كلين» لتنظيف الملابس وكيها، وشراء أكياس لمحال مشهورة من منطقة وسط البلد لوضع الملابس بداخلها. وأكدت ماجدة حسين، ربة منزل، جشع تجار الملابس الذين يستغلون مناسبة العيد لمضاعفة الأسعار، قائلة: «لم نفق من مصاريف رمضان الباهظة، لنجد أنفسنا أمام مصاريف ملابس العيد، ورغم أن غالبية الملابس المستعملة خامتها سيئة لأن أغلبها تم استيراده من الصين، إلا أن أسعارها مرتفعة ولا تختلف كثيرا عن الملابس الجديدة، إضافة إلى أنه توجد بها عيوب كثيرة نتغاضى عنها، لأنه لا يوجد أمامنا غيرها لإرضاء أبنائنا فى شراء لبس العيد».
ومن جانبه، أرجع إبراهيم فؤاد، صاحب محل ملابس مستعملة فى منطقة وسط البلد، ارتفاع أسعار الملابس المستعملة إلى تحكم المستوردين فى السوق، حيث يرفعون الأسعار، مشيرا إلى أنه يواجه مشكلة كبيرة فى حال الركود الذى تعيشه السوق الآن وعدم قدرته على تصريف كميات الملابس الموجودة لديه، ما يعرضهم لخسائر ضخمة، لذلك يبذل كل ما فى وسعه فى الأيام الأخيرة من شهر رمضان لتحقيق مبيعات أكبر من خلال استخدام الميكروفونات لجذب الزبائن، والحصول على قطعة من الملابس مجانية عند شراء أكثر من قطعة.