أكد الأديب والروائى الكبير «بهاء طاهر» أن بدايته الأدبية كانت من خلال مدرسة الجيزة الابتدائية التى كان تلميذا منتظما فيها، وذلك عندما كتب إحدى القصص فى موضوع التعبير والتى أعجب بها مدرس اللغة العربية بشدة، إلى الدرجة التى جعلت ناظر المدرسة يستدعيه فى طابور المدرسة الصباحى وسط مئات الطلاب ليشيد بقصته المتميزة، وليقره كموضوع «إملاء» على مختلف فصول المدرسة. وحكى طاهر خلال الندوة التى عقدت مساء أمس الأول بمعرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الثانية والأربعين، خلال سلسلة «الشهادات»، أن هذه الواقعة كانت بمثابة أجمل تكريم حصل عليه فى حياته.
واسترجع «طاهر» خلال جزء كبير من الندوة التى استمرت لمدة ساعة، وبدأت متأخرة عن موعدها بـ15 دقيقة، ذكرياته المختلفة عن مراحل دراسته الثانوية والجامعية، وذلك عندما كان يرأس «الجمعية التاريخية» فى مدرسته السعيدية الثانوية، لأنه كان يعتقد أن التاريخ شىء مهم بالنسبة لأى كاتب، وعندما كان يسأله المحيطون به «ماذا تريد أن تكون فى المستقبل؟»، كان يرد على الفور «عايز أدرس تاريخ».
وقال «طاهر» بنبرة يملؤها الحنين إلى الماضى «قديما كانت كلية الآداب بأقسامها المختلفة بؤرة للتجمع الثقافى والأدبى للشباب الذين يطمحون فى أن يكون لهم دور مهم، ولم تكن فقط مجرد كلية لتخريج المدرسين».
وأشار طاهر إلى «مصاريف المدرسة» التى لم تكن باهظة وقتها، لكنها كانت «كبيرة» بالنسبة لظروف المعيشة وقتها، لذلك كان دخول الجامعة مجانا لمن ينجح فى امتحان «المسابقة»، فدخل بالفعل امتحان مسابقة «التاريخ» ودخل الجامعة مجانا عام 1952، فى نفس العام الذى قامت فيه ثورة يوليو التى أحدثت انقلابا.
وعن مشاعر جيله حول ثورة 23 يوليو، قال طاهر إنها كانت مشاعر «حب وكره» فى الوقت نفسه، بسبب المشاعر المضطربة التى سادت أبناء هذا الجيل فى التعامل مع الثورة، فعلى الرغم من فرحهم الشديد بها وتحمسهم فى بدء قيامها بسبب قضائها على الحكم الملكى فى مصر، إلا أن هناك مساحة من الحرية كان مسموحا بها وقت الملك، ومنعتها الثورة، مثل القدرة على القيام بالمظاهرات والهتاف ضد الملك ورئيس الوزراء، فلم يعد مسموحا بعد قيام الثورة بالهتاف ضد أى مسؤول، ومن يقوم بذلك يتعرض لأنواع من العذاب لم يسمع أحد بها.
وقال «طاهر» عند حديثه عن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، إن الشعب بأجمعه تمسك به رئيسا لمصر بعد وقوع نكسة يونيو 1967، فلو كان ناصر قد تنحى قبل أن تقع هزيمة يونيو لكان من الممكن أن يقول له البعض «مع السلامة»، لكن النكسة جعلتنا أكثر تمسكا به. واستعرض طاهر خلال الندوة التى أدارها محمد صابر العرب رئيس الهيئة العامة للكتاب ورئيس دار الكتب والوثائق القومية، المشكلات التى تعرض لها كتاب جيله لنشر إبداعاتهم قائلا «عندما بدأت الكتابة كان النشر معجزة»، واستشهد طاهر بقصة زميله «أحمد هاشم الشريف» والذى كتب قصة وحيدة بعنوان «اللصوص»، ونشرت وقتها بجريدة الأهرام لكن دون الإشارة لاسمه، وعندما طلب «اعتذار» قيل له إن «الأهرام لا تعتذر».
ورأى طاهر أن فرص الجيل الحالى فى النشر، ليست أفضل من الجيل السابق، لأن الكتاب حاليا يدفعون أموالا لدور النشر مقابل نشر كتاباتهم. وحذر طاهر كتاب الجيل الحالى من مصطلح «الكتاب الشباب» قائلا «فضلوا يقولولنا جيل الشباب لحد ما شابت رؤوسنا، وأحذر الجيل الجديد من هذا المصطلح، لا تنخدعوا به ، لأنه يقصد به أن تظلوا فى أماكنكم».
وردا عن أسئلة أحد الحضور حول رأيه فى الكتابة باللغة العامية، قال طاهر «أنا ضد الكتابة العامية، وأرى أنها ليست فى مصلحة الكاتب والأدب»، وتساءل «ما الذى تقدمه العامية، وتعجز الفصحى عن تقديمه ؟»، وأضاف «أنا عمرى ما كتبت بالعامية، ولا أعرف ما الذى يجعل كاتباً يحدد قراءه فى من يجيدون اللهجة العامية فقط، بدلا من أن يوجه كتاباته لمواطنى جميع الدول العربية من المحيط إلى الخليج، فمن العناصر التى جعلت نجيب محفوظ مقروءا فى الوطن العربى كتاباته باللغة العربية الفصحى، فما الذى يجعلنى أرفض القارئ العراقى أو المغربى».
وعن النصائح التى يقدمها للجيل الحالى، اعتبر طاهر أنه «لا أهمية للنصائح»، ويجب على كل شخص أن يعيش تجربته الفريدة كما قدرها له الله طبقا لظروفه، لكن المهم أن يكون الكاتب «صادقا مع نفسه»، ولا يقلد الآخرين، أو ينبهر بنجاح وشهرة الآخرين. وأنهى طاهر ندوته بأن الكاتب غير منوط به أن يقدم حلولا لمجتمعه بشكل واضح، فالكاتب يوحى بالمساوئ التى يراها، لكن لا يحلها بشكل مباشر.