في صعيد مصر وعلى الشاطئ الغربي للنيل تقع قرية «الحواتكة» إحدى قرى مركز منفلوط في محافظة أسيوط، حيث ولد الشيخ ياسين التهامي يوم في السادس من ديسمبر عام 1949م، في منزل بجوار مسجد التهامي صاحب أعلى مئذنة بالوجه القبلي بالصعيد .
نشأ الشيخ ياسين في أجواء دينية خاصة لأسرة تعتنق الصوفية وما بين كتبها وحلقات الذكر تعلقت روح الفتى بالإنشاد، ولكن والده أصر أن يتلقى تعليمه بالمعاهد الأزهرية حتى وصل إلى السنة الثانية في المرحلة الثانوية الأزهرية، وكان ذلك عام 1970 م.
وانقطع «التهامي» عن الدراسة لظروف أسرية خاصة ، لكنه لم يتخل عن شغفه بالشعر الصوفي ومتابعته لدرجة أنه انقطع عامين بعد أن ترك الدراسة أشعار المتصوفة الكبار من أمثال : عمر بن الفارض، ومنصور الحلاج، والسهروردي، ومحي الدين بن عربي وغيرهم من أقطاب الصوفية الكبار، لتتشكل روحه على نظم بيوت الشعر الصوفي والحب الإلهي.
ومن عباءة سلطان المداحين الشيخ أحمد التوني ابن نفس القرية، خرج الشيخ ياسين التهامي في منتصف السبعينيات بعد أن حفظ القرآن بأكمله خلال دراسته الأزهرية، وتمكن جيداً من اللغة العربية، وحفظ ألاف الابيات من الشعر الصوفي، ليتربع على عرش الإنشاد لما يزيد عن ثلاثين عاماً، بعدما نجح في المزج بين الإنشاد الديني الشعبي باللغة العامية وأروع ابيات الشعر الصوفي في الحب الإلهي، كما مكنه إداركه وحسه الموسيقي العالي، إلى التنقل السلس بين المقامات وهو ما يمس روح جمهوره.
وقد غني الشيخ ياسين في العديد من الدول الأجنبية لدرجة أن الصحافة الإسبانية اطلقت عليه «ياسين العظيم ظاهرة الشرق»، وكأن صوته الذي يحمل حرارة الصعيد وجفافه ورجولته، وخير النيل وصبر الوادي قد سحروا الغرب .
يراه المقربون دائماً يردد: «وعذلت أهل العشق حتى ذقته فعجبت كيف يموت من لا يعشق»، ويعشق من يشدون الرحال غلى صوته تلك الحالة الروحية الراقية التي يعيشونه مع إنشاده، ويطربون، بينما يطرب الشيخ منذ كان صغيراً بأصوات وديع الصافى وصباح فخرى وفيروز وأم كلثوم التي يعتبرها معلمته ودليله.
ويشرح الشيخ ياسين التهامى قدر الصوفية عنده قائلاً: «الصوفيون يعبدون الله كأنهم يرونه، فإن لم يكونوا يرونه فهو يراهم، ولذا يمن الله عليهم بالشفافية والروحانية والفطنة والفراسة»، ورسول الله قال «اتق فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الإيمان»، و«كلمة تصوف مكونة من أربعة حروف، التاء تقوى ولا أجمل منها فى هذا الكون ورب العزة يقول اتق الله تكن عبدًا ربانيًا تقل للشىء كن فيكون، أما ثانى حرف وهو الصاد فيعنى الصفاء حيث لا حقد ولا حسد ولا غيرة ولا كراهية ولا ضغائن ولا شرور ولا مجاملات ولا زيف، والصفاء يعنى أن تنزع من نفسك كل ما يلوثها أو ما يسىء إليها، أما الواو فهو الولاء لعهد الله وكتابه وسنة رسوله، ولا حياة بدون كتاب الله وسنته وعترته، أما الحرف الأخير فهو الفاء ويعنى الفناء فى ذات الله تعالى وهذه المرتبة لا يقدر عليها إلا الخلصاء، وتعنى أن يتحرر الإنسان من كل الماديات بما فى ذلك حاجاته البشرية».
ومازال الشيخ ينشد وما زالت الأرواح تطرب وترتقى.