قالت الدكتورة فوزية العشماوى، رئيس المنتدى الأوروبى للمرأة المسلمة، رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة جنيف إن الحركات الإسلامية مهمتها الأساسية هى الدعوة وليس حكم الدول، وأضافت أنه لا وجود للدولة الإسلامية فى التاريخ الإسلامى، فأول دولة أسسها الرسول كانت مدنية، وأشارت إلى أن الفشل سيكون المصير المحتوم لكل دولة فاشية تستغل الدين.
وأكدت «العشماوى» أن ظاهرة الإسلاموفوبيا تزايدت بصعود الحركات الإسلامية للسلطة فى دول الربيع العربى، وأن الخطاب الصوفى يعلى من شأن المرأة بعكس الخطاب الفقهى الذى يحصرها فى أمور النفاس والحيض، وقالت إنها أصيبت بالدهشة فى لقاءاتها بمعظم القادة العرب لضحالة مستواهم السياسى والثقافى، وأضافت أن الحجاب ليس ركناً من أركان الإسلام، وأنه عادة تقوم بها المرأة بسبب التأويلات الخاطئة للنصوص القرآنية.. وإلى نص الحوار:
■ ماتقييمك لحكم التيارات الإسلامية بعد الثورات العربية؟
ـ الحركات الإسلامية مهمتها الأولى الدعوة، وليس حكم الدول، لأنهم يعتقدون أن الحكم السياسى مثل التحكم الدينى أثناء سيطرة الإمام على المصلين فى خطبة الجمعة أو أثناء الصلاة، والسياسة كلها مكر ودهاء وخدعة وحنكة وخبرة، أما الدعوة فتكون بالحكمة والموعظة الحسنة، لذا فإدخال الدين فى السياسة يؤدى إلى فاشية دينية فشلت فى جميع دول العالم، ولا وجود لما يسمى الدولة الإسلامية فى التاريخ الإسلامى، فأول دولة أسسها الرسول كانت مدنية، والتاريخ يعطينا نماذج كثيرة لفشل الفاشية الدينية فى الحكم، وهذا سيكون مصير الحركات الإسلامية التى تطبق الفاشية الدينية.
والفشل سيكون المصير المحتوم لكل دولة فاشية تستغل الدين فى السياسة للسيطرة على المواطنين واستغلال إيمانهم وتقوم بخداعهم وتوهمهم بأن الحكام يمثلون الله على الأرض، وهذا خطأ فادح لأن الله ليس له مندوبون أو ممثلون على الأرض سوى الأنبياء والرسل فقط، ولقد انتهى عهد الرسل بخاتم الأنبياء والرسل سيدنا، محمد صلى الله عليه وسلم.
والخطأ الجسيم الذى وقعت فيه تلك الحركات الإسلامية التى اعتلت منصات الحكم فى دول الربيع العربى، أنها اعتقدت أن حكم الدولة مثل حكم المسجد أو الجماعة، وأن الشعب سيخضع خضوعاً تاماً للحاكم مثلما يخضع خضوعاً تاماً للمرشد، ونسوا أن الشعب واع ويستطيع أن يفرق بين ما هو صحيح ومناسب وبين ما هو مجرد سيطرة وتحكم وإخضاع باسم الدين.
■ من وجهة نظرك هل تمتلك الحركات الإسلامية المعاصرة خطة ومنهجاً واضحاً قادراً على التعامل مع الواقع ومتطلباته سواء فى الداخل أو الخارج؟
ـ بالطبع ليس لديها خطة إطلاقاً، وتريد أن تطبق معايير لا تتوافق مع الحياة المعاصرة، ونحن لسنا ضد الثوابت الإسلامية الراسخة والقيم والمبادئ الأساسية للدين الإسلامى، ولكن هناك تطورات فى العالم، واتفاقيات ومعاهدات دولية ونظم وقوانين تحدد العلاقة بين الشعوب والحكام وتفصل بين السلطات الثلاث، فمن غير المعقول أن يستخدم الإسلاميون التقنيات الحديثة ويرتدون الجينز تحت القفطان ولايقولون عنها أنها بدعة، ولكنهم لا يستخدمون المعايير والقوانين والديمقراطية وحقوق الإنسان ويعتبرونها بدعة.
■ طرحك هذا يؤكد وجهة النظر القائلة بأن الحركات الإسلامية يعتريها ضعف فكرى ظاهر فمن وجهة نظرك ما أسبابه؟
ـ السبب هو انغلاقهم على أمور العبادات فقط، وأنهم ينسون أن الدين عبادات ومعاملات وأن الرسول قال «الدين المعاملة» والتعامل مع الآخر سواء المسلم أو غير المسلم سواء أهل البلد أو الأجانب له آداب وأصول بالحسنى «وقولوا للناس حسناً» كما علمنا القرآن، ثم هناك أمور كثيرة يتجاهلونها كالثقافة العامة والانفتاح والتقدم واحترام المواثيق الدولية.
■ برأيك، هل تفاقمت ظاهرة الإسلاموفوبيا فى الغرب بصعود الحركات الإسلامية للسلطة، ومامدى هذا التأثير، وكيف؟
ـ بالطبع تأثر الغربيون بما يحدث فى دول «الربيع العربى» من تراجع ثقافى وإنسانى بسبب صعود التيارات الإسلامية المتشددة للحكم ومحاولتها إقحام الدين فى كل أمور الحياة حتى فى السياحة، لذلك ازداد الخوف من الإسلام والمسلمين، وتزايدت ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، وتحاشى الغرب الخوض مع المسلمين فى أى حوار ثقافى أو حضارى أو دينى، وتضاءلت وفود السياح خوفاً من العنف وعدم توفر الأمن فى هذه الدول.
■ يرى البعض أن المنظومة الفقهية فى بعضها قد ظلمت المرأة المسلمة، ما تعليقك؟
ـ أنا لا أحب اتباع هذه المقولة والشكوى المستمرة من ظلم الفقهاء الرجال للمرأة على مر العصور، لقد أفتى الفقهاء قديماً بما يتناسب مع التقاليد السائدة فى المجتمع الذى كانوا يعيشون فيه، أما الآن فيجب تغيير فقه المرأة دون المساس بالنصوص القطعية الدلالة، ولكن بما يتناسب مع معطيات العصر الحديث، وكفانا شكوى «وولولة» من ظلم الفقهاء لنا، وآن الآوان لكى تضطلع النساء الفقيهات الراسخات فى العلوم الدينية بدور فعال فى المنظومة الفقهية ليدلين بدلوهن فى هذا المجال، الذى كان حكراً على الرجال، والرجل بطبيعته ميال لفرض رأيه على المرأة من منطلق أنه قوّام عليها، ولكن هذه القوامة التى تعنى المسؤولية تنطبق فقط على الزوجة والابنة وليس على جميع النساء.
■ زعيم خنشلاوى، الباحث فى تاريخ الفكر الإسلامى والتصوف، قال فى أحد تصريحاته لصحيفة «الفجر» الجزائرية، إن الخطاب الصوفى يعلى من شأن المرأة بعكس الخطاب الفقهى الذى حصر المرأة المسلمة فى أمور الحيض والنفاس والمتعة، هل توافقينه الرأى؟
ـ نعم هذا صحيح، لأن الخطاب الصوفى يرتكز على الروحانيات والحب الإلهى وحب الرسول، ويسمو بالأحاسيس والفكر والتعمق فى الخالق وفى الكون، وكل ذلك يضع المرأة فى نفس مستوى الرجل فى الفكر والتعبد وهذه مساواة تامة فى العبادة كما أقرها الله سبحانه وتعالى.
■ مارأيك فى فتوى تحريم تهنئة المسيحيين بأعيادهم فى مصر؟
ـ فتوى مرفوضة، لأنها تتنافى مع سماحة الإسلام، وسماحة رسوله الكريم، الذى كان متزوجاً من «قبطية» وهى «ماريا القبطية»، وأنجبت له ابنه ابراهيم، وهى لم تسلم فلم يذكر لنا التاريخ ولا كتب السيرة أنها أسلمت فهل كان الرسول الكريم لا يهنئ ماريا القبطية بعيدها؟ ألم يقل لنا الرسول «افشوا السلام»، ثم إن القرآن يقول لنا «إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها»، وطول عمرنا نعيش مع جيراننا المسيحيين وفى أعيادهم وأعيادنا نتبادل التحية والتهنئة.
■ قلت فى تصريح لـ«سويس إنفو»، إن الحجاب ليس ركناً من أركان الإسلام أوشرطاً من شروط الإيمان، وأشرت إلى أنه إذا كان فيه خلل فى وضع المرأة فذلك مما جناه المجتمع عليها من تأويلات خاطئة للنصوص وضحى وجهة نظرك؟
ـ الحجاب ليس ركناً من أركان الإسلام، فكلمة «حجاب» لم تأت فى القرآن الكريم بالمعنى الدارج فى مصر حالياً أى قطعة القماش التى تضعها المرأة على رأسها لتغطية شعرها، الحجاب فى القرآن هو ستار «من وراء حجاب» أى الحديث مع نساء الرسول من خلف ستار أو حاجز، أما أركان الإسلام هى الشهادة، الصلاة، الزكاة، الصوم، الحج، وهى نفس الأركان للرجال والنساء، وبكل تأكيد هناك تفسيرات خاطئة مثل تفسير الآية الكريمة «يا نساء النبى لستن كأحد من النساء»، والآية..«وقرن فى بيوتكن»، فقال بعض المفسرين المتشددين إنها تنطبق على جميع النساء والحقيقة إنها لنساء النبى فقط كما جاء فى الآية نصاً واضحاً قطعى الدلالة.
■ قلت فى أحد تصريحاتك إن الرئيس الأسبق حسنى مبارك قد أحيط بمن عزلوه عن الحياة والمجتمع كيف كونت هذا الانطباع؟
ـ شاهدت ذلك بعينى حين قلدنى الرئيس الأسبق مبارك شخصياً وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى للعلوم والفنون عام 2008، عن مجموع أبحاثى الإسلامية، وكنت من المكرمين من وزارة الأوقاف، إذ تم التنبيه علينا، نحن المكرمين، بألا نوجه الحديث إليه أو نعطيه أى ورقة، ولكنه هو الذى كلمنى ووجه لى بعض الأسئلة التى دلت على انعزاله التام عما يجرى فى البلد حينذاك. وأنا لا أستطيع أن أذكر أسئلة حفاظاً على كرامة الرجل، ولكن كل الأسئلة التى وجهها لى كانت تبدأ بـ«قالوا لى»، مثل قالولى إنك سويسرية وغيرها من الأسئلة التى تبدأ بنفس الكلمة، وكأنه لا يعرف شىء إنما يملى عليه.
■ فى كتابك «أمواج العمر»، تحدثت فى فصل كامل عن أمواج المشاهير من الشخصيات العربية والمصرية والأجنبية الذين التقيت بهم ما انطباعاتك عنهم؟
ـ من الصعب أن ألخص انطباعاتى عن هذا الزخم من الشخصيات العالمية من رؤساء دول ووزراء ومثقفين وأدباء وزعماء ومفكرين أى أكثر من 100 شخصية مشهورة التقيت بها شخصياً على مدار 40 عاماً، بصفتى أستاذة علوم إسلامية بجامعة جنيف أو رئيسة جالية المصريين فى سويسرا، ولكن انطباعى الأساسى أن العديد من القادة فى عالمنا العربى والإسلامى عندما جلست معهم أصبت بالدهشة، لأننى شعرت بضحالة مستواهم الفكرى والثقافى وشعرت بأنهم لم يصلوا لهذه المراكز بالكفاءة وإنما بالمحسوبية والواسطة، بعكس القادة الغربيين، لذلك شعرت بالفرق وكذلك الآسى على حالنا فى عالمنا العربى.