أقباط شمال سيناء.. الحياة في ظلال الرعب (تحقيق)

كتب: أحمد رجب, محمد طارق الأربعاء 24-07-2013 19:53

«لماذا قرر كمال جون المسعف بهيئة إسعاف محافظة شمال سيناء عبور الشارع؟» ليست مسألة فلسفية، عبر «جون» الشارع لشراء لتر مياه غازية يقدمه لزملائه إلى جوار طبق حلويات شرقية، اشتراه أثناء عودته للعمل، بمناسبة نجاح نجله فى الثانوية العامة. «لماذا ظهر ملثم وطعن كمال جون المسعف بهيئة إسعاف محافظة شمال سيناء بسكين فى جنبه أثناء عبور الشارع؟»، الإجابة ليست سرا، فحسب تقرير لهيومان رايتس ووتش: «فى حوادث منفصلة فى شمال سيناء بتواريخ 5 و6 و11 يوليو، قام معتدون مجهولون بقتل ثلاثة أقباط، بينهم قس»، وبمد الخط على استقامته، يصبح «طعن كمال جون أثناء عبوره الشارع» حادثا طائفيا جديدا، حتى لو نفى ذلك «جون» نفسه خوفا من تضخيم الموضوع «مش عاوزين نضخم الموضوع إنت شايف حال البلد عامل إزاى».

قبيل منتصف الليل كان يتكئ كمال جون، المشرف العام على هيئة الإسعاف بمحافظة شمال سيناء، على سرير بدورين فى نقطة إسعاف الزهور بالعريش، فى انتظار صباح اليوم التالى للسفر إلى القاهرة لأخذ قسط من الراحة بعد الهجوم الذى تعرض له من قبل مجهولين نتج عنه طعنة فى جنبه الأيمن. قبلها بيوم واحد أخبرته أسرته بالقاهرة بنجاح أحد أبنائه فى الثانوية العامة، فأصر على الاحتفال وسط زملائه المسعفين بالمدينة بطبق من الحلويات الشرقية والكوكاكولا، فور عودته إلى نقطة الإسعاف مرت سيارة بجانبه نزل منها شخص ملثم طعنه فى جنبه ولحق مسرعا بالسيارة التى أقلته وغادرت مسرعة.

ينفى كمال فى شهادته لـ «المصرى اليوم» أن الحادث يحمل شبهة طائفية بحجة «مش عاوزين نضخم الموضوع إنت شايف حال البلد عامل إزاى»، لكنه لا يرى تفسيرا هو وزملاؤه لاستهدافه، خاصة بعد شهادتهم له بحسن سلوكه وحب الناس له طوال فترة عمله، ففضلوا انتقاله إلى القاهرة كى ينال قسطا من الراحة ويتلافى تكرار أحد محاولة لا يضمن أحد عواقبها، بحسب أحد العاملين بنقطة الإسعاف، الذى يتمتم بصوت منخفض: «محدش يضمن الظروف... المرة دى بسيطة مش هنستنى تحصل مرة تانية». تروى شاهدة عيان لـ«هيومان رايتس ووتش» حادثة مقتل الكاهن القبطى الأب مينا عبود فى 6 يوليو الماضى، بينما كان يقود سيارته قرب سوق مكشوفة «فى الواحدة والنصف أو الثانية مساءً، سمعت طلقات نارية فهرعت إلى الشرفة لاستطلاع ما يحدث. رأيت سيارة (فيرنا) بيضاء تتجاوز سيارة رمادية وتقطع طريقها. ترجل من السيارة رجلان ملثمان وكانا يطلقان النار على السيارة وكان ملثم آخر يقف على مقربة. فتحا باب السيارة الرمادية وأطلقا النار على الرجل الذى بداخلها ثم ألقيا به خارجها وأخذا سيارته ورحلا. صرخت من الشرفة وبدأ الناس يتجمعون حول الجثة. نزلت إلى أسفل ورأيته ممدداً على الأرض مصابا بالطلق النارى فى عنقه وصدره وساقه. استغرق الأمر كله أقل من 10 دقائق». تداعيات الصراع القائم هنا على سكان العريش وضعت الأقباط فى مأزق، برزت آثارها فى الطريق إلى مطرانية سيناء الشمالية بالضاحية فى العريش، فى الشارع المؤدى للكنيسة ذى الأبواب المغلقة تعترضك كتلة رملية بعد الحواجز الحديدية التى تعوق أى سيارة من الدخول إلى الشارع الذى تنتصب الكنيسة فى نهايته، لا يسكن بها إلا «جورج» حارسها.

بعد أن يطمئن نسبيا يشير «جورج» إلى إمكانية استئذان القمص كيرلس وكيل مطرانية الكنسية للحديث، رفض أحد الأشخاص فى البداية اللقاء من الأساس، قبل أن يرضخ للإلحاح ويسأل عن بطاقات هويتنا الإعلامية، وبعد أن اطمأن، أمر أحد أبنائه بالذهاب إلى القمص وسؤاله، بينما يسلى وقته بالحديث معنا عن عدم جدوى الحديث مع الصحافة بالإضافة إلى الضرر الذى يمكن أن يتعرض له، يستنكر ما يحدث فى المدينة لكنه سرعان ما يتجاهل الحديث عن الفاعل، «الكل تعبان مسلمين ومسيحين.. والطلقة اللى بتطلع مبتفرقش»، لحظتها يعود ابنه معلنا رفض القمص كيرلس الحديث.

كنيسة «مارجرجس» التى تعرف بالكنيسة الأقدم فى مدينة العريش تقع فى أحد الشوارع المتفرقة من شارع الأزهر. ويعرفها جيدا أهل العريش بصورة الرحلة المقدسة، التى تظهر الآن خلف قضبان البوابة الحديدية للكنيسة المجنزرة، وعلى جدرانها كتابات ممسوحة «ثورة إسلامية... إمارة إسلامية»، كتبها متشددون فى وقت سابق بعد تظاهرات 30 يونيو، يمر الآن عليها المارة فى الشارع دون الالتفات أو التركيز عليها، بينما تمر خلفهم عقب صلاة التراويح مسيرة للقوى الإسلامية بالمحافظة ترفع صور الرئيس المعزول محمد مرسى وأعلام رايات الجهاد، مرددين هتافات «إسلامية إسلامية»، و«الشعب يريد تطبيق شرع الله».