قال الدكتور «ناجح ابراهيم»، القيادى بالجماعة الإسلامية والمفكر الإسلامى، إن الإسلاميين أضاعوا الفرصة الأغلى والأثمن، وفشلوا فى أول تجربة للديمقراطية، مطالباً بالإفراج عن الرئيس المعزول الدكتور محمد مرسى فورا، بحيث يكون فى مكان آمن خارج مصر، وعودة الحشود فى كل الميادين إلى منازلها مع ضمان عدم القبض عليهم، والإفراج عن كل المعتقلين من الإخوان أو السياسيين، فى إطار مصالحة وطنية شاملة. كما طالب«إبراهيم» بعودة القنوات الفضائية التى أوقف بثها بضمان دعوتها للإسلام مع ترك بث الكراهية والعداوة.
■ كيف رأيت ما حدث منذ 30 يونيو؟
- توصيفى لما حدث فى مصر هو أن كل الأطراف السياسية فى الحكم والمعارضة ومؤسسات الدولة فشلت فى أول تجربة ديمقراطية، مع ضياع الفرصة الرابعة من الإسلاميين وهى أغلى الفرص وأثمنها، وأعتقد أن كل طرف دفع الآخرين إلى اختيار أسوأ البدائل ضده فوقع الجميع فى كل ما هو سيئ حيث لم يتنازل أى طرف للآخر، فوصلنا إلى ثورة مخططة ضدنا أعقبها انقلاب عسكرى لحسم الأمر، وكان يمكن للجميع تجنب ذلك، ولكن الجميع راهن على أن الطرف الآخر سيتراجع فى آخر لحظة فلم يتراجع أحد فكانت الغلبة للأكثر تخطيطا والأقل تهديدا ووعيدا والجميع يتحمل المسؤولية.
■ وما حلول الخروج من الأزمة؟
- أرى أن الحلول تكمن فى عدة نقاط، وهى ملك للجميع لمن أراد أن يزيد أو ينقص فيها، وأهمها وقف كل أشكال العنف والتقاتل بين جميع الأطياف ووقف الحملات الإعلامية ضد الإخوان، فليس من الحكمة أن يتحول حكام الأمس إلى إرهابيين اليوم، والإفراج عن دكتور «مرسى» فورا بحيث يكون فى مكان آمن خارج مصر، وعودة الحشود فى كل الميادين إلى بيوتهم مع ضمان عدم القبض عليهم والإفراج عن كل المعتقلين من الإخوان أو السياسيين فى إطار مصالحة وطنية شاملة، وعودة القنوات الفضائية التى أوقف بثها بضمان دعوتها للإسلام مع ترك بث الكراهية والعداوة، وأطالب بألا يمارس الجميع السياسة بعقلية الألتراس الذى يريد النصر الكامل لفريقه والهزيمة النهائية للآخر، فلابد من الوصول إلى نقطة التعادل بين كل الفرقاء، وأن يدرك الإخوان أنهم خسروا السلطة والحكم مؤقتا، وهذا واقع مؤلم ولكن تجاهله أو إنكاره يضرهم، سواء كانت هذه الخسارة بثورة أو انقلاب أو شىء يجمع بينهما، وعليها الآن ألا تخسر المجتمع المصرى بالدخول فى معارك تكسير عظام مع الآخرين، وأن تدرك أن المجتمع المصرى الذى جاء بها إلى السلطة يستطيع بعد فترة إزاحتهم، وكل ما سبق لا ينفى ضرورة التحقيق الفورى والعاجل فى كل الدماء التى أريقت وأهمها ما حدث عند الحرس الجمهورى، وعدم إقصاء الحركة الإسلامية أو منع أحزابها أو دعوتها أو حرمانها من مساجدها، لأن ذلك كله يتنافى مع كل قواعد الإسلام والديمقراطية والمواطنة ويضر الوطن كله بلا استثناء ضرراً بالغا، ومشاركة الحركة الإسلامية بما يليق بمكانتها سياسيا.
■ فيم تفكر التيارات الإسلامية خاصة المحتشدة فى رابعة العدوية وميدان نهضة مصر بحسب رأيك؟
- هذه الجموع فى حالة غضب شديد وهناك حنق شديد منها على الذين أزاحوا «مرسى» والإخوان من كراسى السلطة، وزاد غضبهم القتلى الذين وقعوا منهم والجراحات التى حدثت فى إخوانهم والحرائق التى وقعت لمقارهم، وهذا الغضب منطقى ومبرر، ولكن على العقلاء أن يفرغوه بطريقة إيجابية حكيمة تفيد الحركة الإسلامية وتفاوضها الذى يحدث الآن مع الجيش ويصب فى مصلحة الوطن، وليحذر الإسلاميون جميعا قبل غيرهم أن يتحول هذا الغضب إلى عنف.
■ هل يمكن أن يلجأ الإسلاميون للعنف مرة أخرى لمواجهة ما يصفونه بالانقلاب العسكرى؟
لا أعتقد أن الحركة الإسلامية ستلجأ للعنف لأنه مدمر لها، وعليها أن تدرك أن القضايا العادلة يحولها العنف إلى قضايا خاسرة لا يتعاطف الناس معها، ولنا تاريخ طويل فى ضياع قضايانا العادلة بالحماسة الزائدة أو التصرفات الطائشة أو المغامرة بالعنف، أما الوسائل السلمية المتدرجة والمحسوبة والتى لا يترك زمامها للخطباء والمهيجين ولكن يقودها الحكماء والذين لا يستفز عقولهم ضياع منصب ولا يستخف عقولهم زوال سلطان ويحسنون اختيار أقل المفسدتين إن لم يكن هناك سبيل لدرئهما معا، وفى المقابل على خصوم الحركة الإسلامية ألا يضعوها أمام طريق مسدود، بحيث لا يكون أمامها سوى الخيارات السيئة والسلبية للجميع، وعليهم أن يفتحوا أمامها السبل الإيجابية التى تحفظ كبرياءها وكرامتها، وتضعها فى المكانة السياسية اللائقة بها وبتاريخها وكفاحها، وألا تغمطها حقها وألا تظهر الشماتة فيها أو تحول إيجابياتها إلى سلبيات فى غمرة الشعور بانتصارها عليهم.
■ هل القيادات الإخوانية والجماعة الإسلامية لديها أمل فى عودة الدكتور محمد مرسى؟
- أعتقد أنها فقدت الأمل فى ذلك ولكنها لا تصرح بذلك أمام جنودها حتى لا تنهار معنوياتهم من جهة وحتى يمكن تحسين شروط التفاوض مع الجيش بهذه الحشود التى تملأ الميادين حتى لا تخرج من مولد السياسة خالية الوفاض.
■ ما رأيك فى سياسة حزب النور تجاه عزل الرئيس؟
- حزب النور اختار البعد عن تحالف الإخوان، وهذا اختيار سياسى، سواء وافق البعض عليه أم اعترض والخيارات السياسية تخضع لقراءة كل فصيل للمصالح والمفاسد، ولا يمكن أن تخون فريقا أو تفسقه لاختيار سياسى معين كما يفعل البعض الآن، ولا يمكن أن تشتمه حتى لو أخطأ فى اختياره السياسى.
■ هل تتوقع أن يحدث صدام بين الجيش والإسلاميين على غرار ما يتردد بتكرار سيناريو الجزائر؟
- سيناريو الجزائر لن يحدث فى مصر لأسباب عديدة أهمها أن الحركة الإسلامية المصرية أعمق تجربة وأكثر خبرة وجربت العنف من قبل وعرفت نتائجه الكارثية وذلك بالمقارنة بالحركة الإسلامية الجزائرية 1992، حيث كانت حديثة النشأة قليلة الخبرة وتمر وقتها بمرحلة مراهقة فكرية، وكانت تظن أن العنف سيعيد المشروعية المسلوبة لها، ولكن قتل 100 ألف وجرح 180 ألفا ولم تعد الشرعية ولم تأت الشريعة ولم تحقن الدماء وسجنت وسحلت الحركة الإسلامية وعادت إلى المربع صفر، فى الوقت الذى رفضت فيه الإخوان هناك هذا المسلك وشاركوا فى العملية السياسية فحفظوا جنودهم من الهلكة وأرجو أن يستعيروا هذا الدرس الآن، كما أن الجيش المصرى غير الجيش الجزائرى فالجيش المصرى متدين ولا يحب الاصطدام بأحد، وليس جيشا أيديولوجياً أو علمانيا كالتركى أو الجزائرى، كما أن طبيعة الشعب المصرى ودودة ومسالمة وتختلف عن الطبيعة الشرسة للجزائرى، كما أن تضاريس الجزائر تساعد على العنف وحرب العصابات لأن فيها جبالا كثيرة يعيش فيها المسلحون، وهى أقرب إلى سيناء اليوم، ولكن الخطر فى مصر الآن هو ما حذرت منه مرارا وهو السيارات المتفجرة.
■ ما تفسيرك لما يحدث فى سيناء من أحداث عنف واعتداء على القوات المسلحة.. والمتهم فيها جماعات جهادية؟
- صدام الجيش والشرطة مع المسلحين فى سيناء قديم ولكن تسارعت وتيرته بعد عزل د. مرسى ولا علاقة للإخوان به، وهؤلاء تكفيريون يسمون أنفسهم السلفية الجهادية ولا علاقة للإخوان أو حماس بهم، ولهم امتداد فى غزة وهم كانوا يكفرون «مرسى» والشرطة والجيش واستغلوا عزله كذريعة للقتل، ودماء الجيش والشرطة المصرية مثل كل الدماء المصرية معصومة فى كل العصور سواء فى عهد مرسى أو قبله أو بعده، والأصل فى الدماء العصمة فى الفقه الإسلامى ولكن هؤلاء الأصل عندهم إزهاق الأرواح وهذه قضية فكرية فى الأساس وأمنية لمن يحمل السلاح وقد رددت مرارا أن التكفير يساوى التفجير.
■ وهل ترى أن حماس متورطة فيها؟
- حماس أعقل وأذكى سياسيا من أن تتورط فى معركة مع الجيش المصرى فلا هى تفعل ذلك فى عهد مرسى ولم تفعله فى عهد مبارك ولن تفعله الآن وينبغى علينا عدم الزج بحماس فى كل خلاف مع الإخوان.. فحماس هى امتداد لمصر.. ونحن امتداد لها ويجب أن تكون لكل القوى السياسية المصرية علاقات جيدة مع حماس وعلى حماس أن تفتح علاقات حسنة مع كل الأطياف السياسية المصرية.. ومع أجهزة الدولة المصرية وألا تقصر علاقاتها بالإخوان فقط.
■ ما رأيك فى وضع الجماعة الإسلامية ومواقفها الأخيرة؟
- الجماعة الإسلامية يقودها الآن الشيخ عصام دربالة وهو رجل فاضل وزاهد وهو قادر على تصحيح أى أخطاء أو خروقات تحدث ها هنا أو هناك وأتمنى له التوفيق، وأعتقد أن الجماعة لن تعود أبدا للعنف فعندها رصيد من التجربة والخبرة والحكمة يحول بينها وبين ذلك، ولا أعتقد أنها ستحل سواء هى أو جماعة الإخوان، وأتمنى لقادتهم كل التوفيق والخير لتجاوز هذه المحنة البسيطة.
■ وهل ترى من الأفضل أن تبقى جماعة اﻹخوان فى الشارع أم يتم حلها... وفى حال بقاء اﻹخوان هل اﻷفضل لها أن تكون جماعة دعوية دينية وتبتعد عن السياسة؟
- جماعة الإخوان جماعة عريقة ولها أياد بيضاء على الدعوة والتربية الإسلامية وربت عشرات الأجيال من الحركة الإسلامية، وكل الأخطاء التى تقع فيها هى أخطاء سياسية وإدارية، وهى خطأ اجتهاد، لا خطأ هوى وعناد، ويقع فيه كل الساسة فى كل التاريخ الإسلامى ولا يمكن أن نحل هذه الجماعة، وقادتها الكبار والأواسط هم الأقدر على عمل مراجعة لهذه الفترة ليكونوا فى الفرصة الخامسة أفضل وأحسن، وحل جماعة الإخوان فيه ضرر على الوطن لأن العمل فى النور أحسن للوطن وللإخوان من العمل فى الظلام، فآفات السرية خطيرة جدا على الحركة الإسلامية والوطن، ولكن ينبغى الفصل التام بين الجماعة والحزب ومؤسسات الدولة، لأن مشكلة فترة حكم مرسى الرئيسية هى تداخل هذه الثلاث مع بعضها تداخلا غريبا وعجيبا ومعيبا.
■ بم تنصح الحركة الإسلامية؟
- أقول لهم إذا ضاعت من الإسلاميين السلطة، فعلينا أن نحافظ على المجتمع فالكراسى تذهب وتأتى، ولكن المجتمع ورأيه العام هو الأهم والأبقى، وهو الذى أتى بالإسلاميين إلى السلطة، ويمكن أن يأتى بهم بعد ذلك، وهو الرصيد الاستراتيجى لهم، ولابد من مراعاة هذا الرأى العام كله مسلمين ومسيحيين، ويساريين واشتراكيين وليبراليين وعوام وفلاحين وعمالاً، كما فعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حينما رفض قتل زعيم المنافقين عبد الله بن أبى سلول مبررا ذلك بقوله «حتى لا يقال إن محمدا يقتل أصحابه» فاهتم بالرأى العام لغير المسلمين، واهتم بسمعته لديهم ورأيهم فيه.
■ ماذا تقول لعموم السياسيين؟
- لقد أضيرت الحركة الإسلامية والقوى السياسية المختلفة حينما أنزلت صراعاتها السياسية إلى الشارع، فلم يعد العقلاء والحكماء اليوم يتحكمون فيها، أو يعيدون هذه الصراعات إلى دائرة الحكمة أو دائرة النخبة العاقلة، فمليونيات الشارع لا تقبل الخطاب الحكيم والعاقل والحلول التى تدرأ المفاسد وتجلب المصالح، والكرة الآن فى ملعب الخطباء الحنجوريين والمزايدين والذين يدغدغون العواطف والمشاعر والإعلام المهيج، أما أهل الحكمة والعقل فلا مكان لهم اليوم.