«رجل المريخ».. هكذا يطلقون عليه في دوائر المعارف الغربية، وكان من الممكن أن يعمل «صاحب محل بقالة أو مدرسًا في السعودية أو في شركة معلومات مثل عدد من زملائه»، حسب قوله، وهم الذين درسوا معه في كلية العلوم بجامعة القاهرة، لكنه أصبح واحدًا من ٨ علماء في وكالة الفضاء الأمريكية، «ناسا»، مهمتهم استكشاف سطح المريخ، والتمهيد لنزول البشر عليه عام ٢٠٢٠.
عصام حجي، الخبير في «ناسا»، والذي اختير للعمل كمستشار علمي لرئيس الجمهورية المؤقت، المستشار عدلي منصور، يعتنق مبدأ «بناء العقول المصرية وتحسين أوضاعها إذا أردنا أن يكون لمصر مستقبل»، كما روى رحلته لـ«المصري اليوم»، في 30 مارس 2010.
بدأ «حجي»، الذي ولد عام 1975، حياته بصورة عادية مثل أي شاب مصري، مجموعه بعد الثانوية العامة كان يؤهله للالتحاق بواحدة من كليات القمة، لكنه فضّل دراسة يحبها طالما أن المحصلة النهائية واحدة بعد التخرج، بسبب انتشار «الواسطة والعشوائية».
تقدم «حجي» بأوراقه لكلية العلوم قسم الفلك في جامعة القاهرة، وتخرج عام ١٩٩٧، وعُين معيدًا براتب يبلغ ١٤٨ جنيهًا.
.. «أتذكر أن الإحباط كان يحاصرني في ظل أوضاع صعبة أعيشها أنا وزملائي الباحثون، فلا شيء نستطيع أن نقدمه أو نفيد به أنفسنا أو بلدنا، أعتقد أن الوصف المثالي لوضعنا في الكلية هو (طاقة معطلة)».. كلمات لخص بها «حجي» حال كلية العلوم، التي توقفت عن تتبع الجديد في أبحاث علوم الفلك والفضاء منذ الستينيات.
لعبت الصدفة دورًا مهمًا في حصول «حجي» على منحة لدراسة الماجستير، حيث راسل جامعة باريس بعدما رفضته كل جامعات الأقاليم، وقبلته فرنسا وهو عمره ٢٣ عامًا.
وسعى إلى دراسة التصوير بالأقمار الصناعية لاكتشاف الموارد الطبيعية للمياه، ضمن منحة مقدمة لدول العالم الثالث للبحث عن المياه، وأخذ هذا المشروع في التطور من محاولة اكتشاف المياه في الصحراء إلى دراسة هذه الإمكانية في كوكب المريخ، ثم في كواكب المجموعة الشمسية، لتتبنى وكالة «ناسا» هذا المشروع بأكمله في مرحلة لاحقة.
وانتهى من دراسة الماجستير، ووقتها عُرض عليه العمل في مركز الأبحاث الفرنسي وإعداد رسالة الدكتوراه، فوافق على الفور ونجح في الانتهاء منها عام 2002، وكان موضوع الرسالة يدور حول اكتشاف المياه في المناطق الصحراوية باستخدام تكنولوجيا التصوير بالرادار، التي يمكنها أن تقوم بمسح شامل على مساحات شاسعة.
.. «يمكنني أن أُلخص رحلتي في جملة المفارقات الغريبة، ففي الوقت الذي كنت أعمل فيه بمحطة المتابعة في (ناسا) ضمن مشروع إنزال العربة الفضائية Spirit على المريخ عام ٢٠٠٤، وهو ما حصلت عنه فيما بعد على جائزة التميز من وكالة الفضاء الأمريكية، في ذلك التوقيت فوجئت بوصول خطابات إنذار بالفصل من الجامعة على عنواني في مصر».
وواجه «حجي» قرار الإنذار بفصله من الجامعة في مصر بالضحك، فقد كان السبب يتلخص في عدم حضوره «امتحانات ملحق مراقبة في قسم الحشرات بالجامعة».
جامعة القاهرة لم تفاجئ «حجي» بذلك الإنذار فقط، بل استغرقت عامين للاعتراف بشهادة الدكتوراه التي حصل عليها بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وذلك بعد محاولات مضنية منه لإقناعها، وكان الرد عليه أنها «رسالة ضعيفة، ولا ترتقي لمستوى رسائل الدكتوراه الموجودة في القسم».
دراسة «حجي» تراها جامعة القاهرة «ضعيفة المستوى» نشرتها مجلة Science الشهيرة كواحدة من أبرز دراسات القرن الجديد، وترجمت عمليًا إلى أربع مركبات فضاء وصلت إلى المريخ والقمر.
يرى «حجي» أن «المنظومة لدينا ناقصة، ونجاح العلماء المصريين وتميزهم في الخارج دليل على الفشل وليس النجاح، الفشل في عدم تهيئة الظروف المناسبة لتأدية هذا الدور في مصر، حتى نتقدم يجب أن يتم ذلك بسواعد علماء الداخل وبمعاونة ومشورة العلماء في الخارج».
«نفق مظلم».. هكذا رأى حال مصر قبل اندلاع ثورة 25 يناير، لكنه بعد مظاهرات «30 يونيو» سيعمل على مبدئه الذي يعشقه وهو الاهتمام بالبحث العملي، لأنه «المخرج الوحيد أمامنا لحل المشاكل وصناعة المنتجات وتقديم الخدمات للمجتمع».
هو يؤمن بأن ما تحتاجه مصر بشدة في هذا الوقت العصيب من تاريخها هو الإيمان بقدرة العلم على حل المشاكل، معتبرًا أن العلم يحتاج لشباب، والشباب يحتاج إلى قيادات واعية تسمع أكثر مما تأمر، ويمكنها أن تشعل الحماس في نفوس هؤلاء الشباب.