سيد محمود: «تلاوة الظل للشجر».. عندما تنجينا المعرفة

كتب: أحمد الفخراني الإثنين 05-11-2012 22:22

من رجل يرتدي الموسيقى، يناجي الله، ويعشق أم كلثوم، يخوض الشاعر سيد محمود غمار تجربة صوفية نحو «المعرفة» في ديوانه «تلاوة الظل للشجر».

في «تلاوة الظل للشجر» ثمة بديل عن الحقيقة، بديل لا يجعل النور شرطًا للمعرفة، بل العمى، حيث «الأعمى لم يعد يخاف» من «تعثره في الضوء»، الضوء الذي يقدم المعرفة، سرعان ما يتحول إلى حجاب، لا سبيل للخلاص منه إلا بعتمة النفق، تليها الرؤية من جديد.

من عنوان ديوانه نحن أمام نقيضين يتبادلان أدوارهما «الظل»: التابع، الذي لا يمكن إمساكه، أو تعقبه، الزائل، الوليد الهش للعتمة والضوء، ومع ذلك هو العارف، الذي يتلو على «الشجر»: الراسخ، المثمر، المتجدد، الذي يحمل المعرفة الكلية، والإجابات القديمة، إجابات الضوء.

تلك الثنائيات التي تتبادل الأدوار تتناثر على مدار الديوان: صوت الروح/ وصداه، الضوء/ العتمة، الماء/ العطش، السر/ إفشاؤه، الجذور/ الثمار، الزهرة/ العطر، الأنس/ الوحدة، يفصح كل نقيض عن نقيضه كانعكاس الصورة في المرآة.

تبدأ الرحلة على عكس العنوان، حيث يتلو الشجر للظل، فيتحدث الله/ النور «امنحها من نورك/ ما يجعلها منارة أو شمسًا», حتى منتصف المسافة وبداية المعرفة، فيبدأ الظل تلاوته للشجر، حيث الحياة تستطيع «مقاومة العطش بأغنية» الأغنية التى «تعلم قلبى الإنصات».

معرفة تتأمل ذاتها في مرآة امرأة، خيط الحب الصوفى السارى عبر الديوان كظل، للمرأة التى تمثل: معرفة «الشجرة» الروحية العميقة، التى طمست عبر السنوات، لصالح هيمنة «الذكر» الظل والشجرة فى هذا الديوان.

تبادل الأدوار بين الظل/ الضوء/ الشجرة، أتاح مساحة لثراء الخداع الفنى: الذكر «شمس ومنارة» والمرأة «ظل» لعناق الشجر والضوء، ثم ينقلب الدور فيجرى «الذكر» خلفها فى «حديقة مشيدة بالحكايات/ قلبك حارسها/ يشذب الزهور بالغناء/ كرة من الضوء تسرى فى دمنا».

الرحلة تعقب أثر، تقطير الظل الزائل «العطر/ الموسيقى»، تسريبها إلى «خزانة لا أسرار فيها»، فى مواجهة ما نظن أنه «الشجرة»، الفن والثقافة والحب كقوقعة حماية من الشجرة أو الحياة الصاخبة اللاهثة التى تحتقر الفن والثفافة والحب وهؤلاء الذين وقفوا لها «بالوعيد»، فالشجرة الراسخة فى العلم والمعرفة، قد تتحول من صديق إلى كابوس، عدو يطارد من يخالف رسوخه، قوة كاسحة وجب معها الاحتماء بالظل.

هو يحتمي بالمعرفة، المتصلة والقديمة، والتى يرى «فى ابتسامتها بوصلة نجاة»، فقط إذا كانت فى الجوار، أقرب إليك من حبل الوريد «قرب ساعة اليد/ ربما إذا ما شعرت بالعطش/ تقودك إلى الماء»، فقط حررها بالمجاهدة والاستعداد للتلقى من «عتمة نفقها»، فهى «تنام فى المغارات منذ سفينة نوح، تبتسم للأيقونات فى الكنائس» وهى أيضا «أول ما أدركه طفل» تعثر فى سورة الفاتحة يوم جمعته الأولى، هى التى «تريد أن تضيء كطائر متروك فى الحقل»، أو «كراكب وحيد يهزه القطار».

يدرك أيضا أن «قبلات» المعرفة، «الصافية كنبع» قد تكون «قاطعة كنصل الحديد»، فالمعرفة لا تتجدد إلا عبر قطيعة تفصلها، ولو مؤقتا، عن ماضيها.

عبر لغة الديوان الصادر عن دار العين، يدرك سيد محمود الفارق بين شاعر جيد وآخر، فاللغة هنا أداة تقمص، وليست غاية، فهى صافية، مكثفة، قدر محاولة «الإمساك» بالزائل للتمكن من «الخلود»، عبر الصورة الرئيسية للغلاف «صوفى يرتدى الموسيقى» يناجي «الله» ولو عبر عشقه لـ«أم كلثوم».

سيد محمود شاعر وصحفي بالأهرام، صدر له من قبل: تاريخ تاني، ديوان بالعامية صدر عن كتابات جديدة هيئة الكتاب 2000، مؤلف كتاب «حكاية كوبرى عباس» عن الحركة الطلابية فى الأربعينيات صدر فى طبعتين.