تعتبر قضايا العرق والأقليات والديانة من العوامل المحورية لحسم نتائج الانتخابات الأمريكية، فقبل 4 أعوام، وصل الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض بفضل خليط متنوع من الناخبين، من شباب ونساء وسود ويهود وأمريكيين من أصول لاتينية. وبينما أظهرت استطلاعات الرأى مؤخراً تقارباً واضحاً فى نسب تأييد كل من أوباما ومنافسه الجمهورى ميت رومنى، يبدو جلياً أن تلك الكتل التصويتية ستلعب دوراً بارزاً فى حسم المعركة الانتخابية لصالح أحد المرشحين.
ومع نسبة مشاركة تاريخية فى 2008، صوت 95% من السود لصالح «أوباما»، كما حصد 67% من أصوات الناخبين من أصول لاتينية، وصوت له ثلثا من تقل أعمارهم عن 30 عاماً، وكذلك 56% من النساء، لكن مع اتهام البعض للرئيس الأمريكى المنتهية ولايته بعدم الوفاء بوعود قطعها على نفسه خلال فترة ولايته الأولى، تبقى نسبة مشاركة تلك الفئات فى الاقتراع الرئاسى لهذا العام عاملاً جديراً بالاهتمام.
ويعتبر تصويت الأمريكيين من أصل أفريقى (12% من الشعب الأمريكي) أمراً محسوماً لصالح أوباما، لكن بعد 4 سنوات من الحماسة التى أثارها انتخاب أول رئيس أسود للولايات المتحدة، يتساءل مخططو حملة الديمقراطيين عما إذا كان السود سيتوجهون بكثافة هذه المرة أيضاً إلى صناديق الاقتراع، خاصة فى ظل اتهامات بعض المراقبين لأوباما بأنه «خيب آمال» قسم من الناخبين السود، مع معاناتهم من ارتفاع نسبة البطالة، فضلاً عن صدمتهم من مواقف الرئيس حول بعض المسائل الاجتماعية، مثل زواج مثليى الجنس. وتصويت الأمريكيين المنحدرين من أصول أفريقية يصب تقليدياً فى صالح الديمقراطيين، وقد أظهر استطلاع للرأى أجراه معهد «بيو» فى أكتوبر أنهم سيصوتون لأوباما بنسبة 92% مقابل 3% لرومنى، لكن فى سباق متقارب جداً ما يهم هو نسبة الامتناع عن التصويت، مع العلم بأن مشاركة السود قد تحدث فارقاً فى ولايات أساسية مثل فلوريدا وأوهايو وفرجينيا.
وفى المقابل، أظهر استطلاع نشرت نتائجه صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية الأسبوع الماضى أن دعم الناخبين أصحاب البشرة البيضاء لأوباما تراجع بشكل ملحوظ، حيث جاء بعد رومنى بمقدار 21%، بعد أن كانت تلك النسبة 8% فقط قبل 4 أعوام خلال هذه المرحلة من السباق الانتخابى بين أوباما والسيناتور جون ماكين، مما يشير إلى إمكانية أن تلعب الاتجاهات العرقية دوراً كبيراً فى انتخابات 2012 أكثر من أى سباق انتخابى شهدته البلاد منذ عام 1988.
وعلى الرغم من أن المرشح الديمقراطى يحظى بدعم 71% من الأمريكيين من أصول لاتينية، بينما يعجز رومنى عن تجاوز نسبة الـ20%، بحسب دراسة أجرتها مؤسسة «لاتينو دسيجنز»، فإن مشاعر الاستياء من أوباما تغالب بعض اللاتينيين، معتبرين أنه لم يف بوعده بإصلاح ملف الهجرة، فيما يتبنى خصمه الجمهورى سياسة قاسية تجاه المهاجرين غير الشرعيين. أما الأمريكيون من أصول آسيوية، الذين تم تجاهلهم كثيراً فى الانتخابات الماضية، فأصبحوا الآن أسرع مجموعة عرقية نمواً فى الولايات المتحدة (5% من الشعب الأمريكى)، وإذا صحت التوقعات فإنهم سيعززون موقع أوباما الذى فاز بثلثى أصوات هذه المجموعة فى 2008، الأمر الذى يرجعه مراقبون إلى أن تلك المجموعة تميل بقوة إلى الديمقراطيين حول عدة قضايا، مثل حقوق النساء والضمان الصحى والهجرة.
وعلى الرغم من أن الإسرائيليين لا يخفون أملهم فى فوز المرشح الجمهورى الذى يعتقدون أنه قد يكون صديقاً أفضل للدولة العبرية، وذلك بالنظر إلى علاقات إدارة أوباما المتوترة نوعاً ما مع حكومة بنيامين نتنياهو، يبدو أن يهود أمريكا لهم رأى مغاير، حيث أظهر استطلاع للرأى أجراه معهد «جالوب» أن 70% من اليهود الأمريكيين يعتزمون التصويت لصالح أوباما فى مقابل 25% لرومنى. وأظهرت نتائج استطلاع للرأى بثتها صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية أن أغلب الأمريكيين المقيمين فى إسرائيل (85%) سيصوتون لصالح رومنى، وأوضحت الصحيفة أن مستقبل القدس ومفاوضات السلام تأتى فى مقدمة أولوياتهم. أما عن الناخبين المسلمين، فإن المدير التنفيذى لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) نهاد عوض توقع أن تسهم أصوات تلك الفئة فى حسم السباق الانتخابى، فى وقت تمثل فيه أصوات المسلمين (حوالى مليون ومائة ألف ناخب) كتلة انتخابية أكثر تجانساً. ورجح عوض أن يصوت غالبية المسلمين لأوباما، مدفوعين بعدد من القضايا العامة وأخرى تخصهم، موضحاً أن الأحداث الأخيرة المتعلقة بالإعلانات التى تحض على كراهية المسلمين، ستجعل المسلمين أكثر ميلا لتأييد أوباما.
وبعيداً عن الديانات، تعتبر النساء القاعدة التى يمكن أن ترجح كفة الانتخابات الرئاسية (53% من الناخبين)، وهى حقيقة يدركها جيداً المرشحان ، ما دفعهما خلال حملاتهما الانتخابية إلى اجتذاب أصوات النساء عبر مسائل مثل الصحة أو الإجهاض.
وفى عام 2008، حصل أوباما على دعم 56% من أصوات النساء، ولكن هذه المرة، بدا الفارق بين المرشحين ضيقاً جداً، حيث أظهرت بعض الاستطلاعات أن أوباما لم يعد يتقدم على رومنى سوى بفارق 3 نقاط، الأمر الذى يجعل الفوز بأصوات تلك الكتلة الانتخابية أحد المفاتيح الأساسية لدخول البيت الأبيض.
وصار أوباما أول رئيس أسود فى تاريخ الولايات المتحدة عام 2008 ساعيا طوال فترة رئاسته لتبديد الاعتقاد السائد لدى البعض بأنه مسلم. وبعد عامين فقط تزايدت نسبة الأمريكيين الذين أعربوا عن اعتقادهم بأن أوباما يعتنق الدين الإسلامى، إذ أعرب واحد من بين كل 5 أمريكيين عام 2010 عن مثل هذا الرأى مقابل واحد من 10 عام 2009، وصدق ثلث الذين شملهم الاستطلاع تأكيدات أوباما المتكررة بأنه مسيحى.
وسبق لأوباما أن أصدر فى سبتمبر2010 بيانا مخصصا للرد على اللغط الدائر حول معتقداته الدينية فقال: «أنا مسيحى بإرادتى الخاصة، ولم تكن عائلتى من النوع الذى يذهب إلى الكنيسة كل أسبوع، ولذلك توصلت إلى إيمانى المسيحى فى فترة متقدمة من حياتى»، وعلى ضوء محاولات أوباما المستمرة للتنصل من ادعاءات إسلامه كسب أوباما ثقة الناخب الأمريكى وأصبح الهاجس من «ديانته» أقل بكثير إذا ما قورن بمنافسه الجمهورى ميت رومنى، حيث يستقبل ناخبون كثيرون معتقدات رومنى بدرجة أكبر من القلق والتوجس بحكم جهلهم حتى اليوم بالمبادئ المطبقة فى الكنيسة المورمونية التى يتبعها رومنى، إذ يعتقدون أنها لاتزال تبيح تعدد الزوجات، علماً بأن رومنى رد بحزم على تلك النقطة فى مقابلة مع برنامج «60 دقيقة» عندما قال: «لا يمكننى أن أتصور أمرا أبغض من تعدد الزوجات».
وينبع القلق من احتمال إقحام رومنى لمبادئ وفلسفة الكنيسة المورمونية فى الشؤون السياسية، إذ يرى أتباع هذا المذهب أن قادة الكنيسة هم «أنبياء» بالإضافة إلى أن هذه العقيدة لا تقدس الصليب ولا ترفض نبوة سيدنا محمد وتحرم الخمر والقهوة والشاى والقمار والإجهاض والتدخين وترى الجنس خارج الزواج زنا من أكبر المحرّمات، وعذرية الفتاة والشاب مقدسة لا يجب مسها إلا بزواج شرعى «مورمونى» أصيل.
وتزوج رومنى ببروتستانتية تصغره بعامين حين كان عمره 21 عاما ثم اعتنقت المورمونية، وأنجب منها 5 أبناء ذكور تزوجوا جميعهم من «مورمونيات»، ومن الغرائب التى قد تشهدها الولايات المتحدة حال فوز رومنى انتماء الرئيس الأمريكى إلى طائفة منبوذة من الكنائس التقليدية.