«سيد مكاوي».. مسحراتى المحروسة

كتب: ماهر حسن السبت 13-07-2013 16:30

هو من بسطاء هذا الشعب، وأحد تلاميذ مدرستى سيد درويش، التعبيرية، وزكريا أحمد، التطريبية وكان كثيرا ما يغنى ألحانهما سواء فى جلساته الخاصة أو حفلاته العامة، إنه سيد مكاوى، المولود فى 1928، بحى الناصرية بالسيدة زينب، لأسرة شعبية بسيطة، وكف بصره فى صغره، ما دفع أسرته إلى تحديد مسار حياته بما يناسب ظروفه الصحية، حيث قررت تحفيظه القرآن الكريم، آملة أن يكون قارئا للقرآن أو مبتهلا دينيا، أومؤذنا، وقد كان يقرأ القرآن ويؤذن للصلاة فى مسجدى أبوطبل والحنفى بحى الناصرية.

ما إن بلغ «مكاوى» مرحلة الشباب حتى انطلق ينهل من تراث الإنشاد الدينى عبر متابعته لأقطابه فى الليالى التى كانوا يقومون بإحيائها، ومنهم الشيخ إسماعيل سكر، والشيخ مصطفى عبدالرحيم، وكان يتمتع بذاكرة موسيقية قوية، فما إن يستمع للغناء حتى ينطبع فى ذهنه وكانت والدته تشجعه وتشترى له الأسطوانات القديمة من بائعى الروبابيكيا بالحى بثمن رخيص ليتعلم عليها، إلى أن تعرف على أول صديقين فى مسيرته الفنية وهما الشقيقان إسماعيل ومحمود رأفت، وكانا من أبناء الأثرياء ومن هواة الموسيقى، أحدهما يعزف على آلة القانون والثانى على الكمان، ويمتلكان فى المنزل آلاف الأسطوانات القديمة والحديثة من تراث الموسيقى الشرقية لعباقرة العصر أمثال داوود حسنى ومحمد عثمان وكامل الخلعى وغيرهم، وظلوا جميعهم يتعلمون عليها وكونوا ما يشبه التخت لإحياء حفلات الأصدقاء، وسعى «مكاوى» فى بدايته لأن يكون مطربا وتقدم للإذاعة فى بداية الخمسينيات من القرن الماضى، وتم اعتماده كمطرب بالإذاعة، وكان يغنى أغانى من تراث الموسيقى الشرقية من أدوار وموشحات على الهواء مباشرة فى مواعيد ثابتة شهرية، وبعدها تم تكليفه بغناء ألحان خاصة بعد تأكد نجاحه فى تقديم ألحان التراث وكانت أولى أغانيه المسجلة بالإذاعة من تلحين صديقه الملحن الناشئ -آنذاك- عبدالعظيم عبدالحق (الممثل القدير) وهى أغنية «محمد»، وثانى أغانيه من ألحان أحمد صدقى، وهى «تونس الخضرة».

وفى منتصف الخمسينيات بدأت الإذاعة تتعامل مع «مكاوى» كملحن إلى جانب كونه مطربا وأسندت إليه الأغانى الدينية، فقدم للشيخ محمد الفيومى، الكثير منها، مثل «تعالى الله أولاك المعالى» و«آمين آمين» و«حيارى على باب الغفران»، كما قدم أغانى شعبية خفيفة مثل «آخر حلاوة مافيش كدة» و«ماتيالله يا مسعدة نروح السيدة»، وكانت بدايته مع الفنان محمد قنديل، فى أغنية حدوتة كلمات الشاعر صلاح جاهين، وبعدها قدم العديد من الألحان الوطنية والشعبية للإذاعة، لمطربين مثل محمد عبدالمطلب فى أغنيتى « قلت لابوكى عليكى وقالى»، و«كل مرة لما أواعدك» والتى غناها سيد مكاوى فى الثمانينيات، ونالت شهرة واسعة ثم تأكدت شهرته من خلال الأغنية التى لحنها للمطربة شريفة فاضل، وهى «مبروك عليك يا معجبانى يا غالى» وأغنية «عبدالمطلب» «اسأل مرة على»، ثم «حكايتنا إحنا الاتنين»، للمطربة ليلى مراد، وقدم لشادية «همس الحب يا أحلى كلام»، ولشهرزاد «غيرك انت ما ليش»، ولنجاة الصغيرة «لو بتعزنى».

أقنع «مكاوى» مسؤولى الإذاعة بضرورة تطوير شكل المسلسلات التى تذاع عبر الأثير، بعمل مقدمات غنائية لها، فكان له الفضل الأول فى وضع هذه القاعدة، وقدم عشرات المقدمات الغنائية لمسلسلات شهيرة للفنان أمين الهنيدى ومحمد رضا وصفاء أبوالسعود، مثل مسلسل «شنطة حمزة» و«رضا بوند» و«عمارة شطارة» و«حكايات حارتنا»، وغيرها الكثير من المسلسلات الرمضانية التى أضفى عليها مذاقا مصريا خاصا بألحانه خفيفة الظل التى تتوافق والطبيعة الكوميدية لهذه الأعمال، حيث كانت الإذاعة دأبت خلال رمضان على تقديم حلقات المسحراتى، وأسندت ألحانها لأكثر من ملحن ليشاركوا فيها جميعا خلال الشهر الكريم، ومن الملحنين الذين شاركوا فى تلحين المسحراتى أحمد صدقى ومرسى الحريرى وعبدالعظيم عبدالحق، وفى أحد الأعوام أسندت الإذاعة لـ«مكاوى» تلحين عدد من حلقات المسحراتى، فاشترط أن يقوم هو بغنائها، وكانت دهشة المسؤولين بالإذاعة كبيرة، حين قرر الملحن الاستغناء نهائيا عن الفرقة الموسيقية وتقديم المسحراتى بالطبلة المميزة لتلك الشخصية، وقدم «مكاوى» 3 حلقات فقط مع باقى الملحنين وفور إذاعتها بأسلوبه الذى يقترب من صيغة المسحراتى الحقيقى حققت نجاحا كبيرا، ما دفع الإذاعة فى العام التالى إلى إسناد العمل كاملا لـ«مكاوى»، بالتعاون مع الشاعر فؤاد حداد.

ويعود لـ«مكاوى» الفضل فى تأسيس الأغانى الجماعية بالإذاعة، حيث كان أول من لحن أغانى المجاميع فقدم للشاعرالكبير محمود حسن إسماعيل، أغنية جماعية هى «آمين آمين يا رب الناس»، وللشاعر فؤاد قاعود، أغنية «عمال ولادنا والجدود عمال»، والأغنية الشهيرة «زرع الشراقى»، وبحس وطنى خالص اهتم بقضايا مصر والعرب وأثناء العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 قدم أغنية «حنحارب»، وفى حرب 1967 عقب قصف مدرسة بحر البقر لحن أغنية «الدرس انتهى لموا الكراريس»، للفنانة شادية وعقب قصف مصنع أبوزعبل قدم أغنية جماعية هى «إحنا العمال اللى اتقتلوا»، وهما من كلمات «جاهين»، كما قدم للشاعر فؤاد حداد «مصر مصر دايما مصر»، و«مافيش فى قلبى ولا عينيه إلا فلسطين».

ويظل مكاوى لحناً مصرياً خالصاً أعماله مميزه الطابع، ورغم رحيله فى 21 أبريل 1997.