صوت عظيم أنضجته ثورة 1919، مغرم بالإعادة فى تلاوته حتى إنه يظل أحيانا ساعة كاملة لا يقرأ سوى آيات قليلة، ولم يكن يلحن فى تلاوته وكان يصف تلاوته بأنها القراءة الشرعية الصحيحة، ويقرأ القرآن وكأنه يتحدث، عرف بأنه قارئ سعد زغلول الخاص، ومقرئ حزب الوفد، فلا يبدأ الحزب اجتماعه إلا بقراءته وتلاوته، هو الشيخ محمود البربرى، وكان سعد زغلول لا يرتاح لسماع أحد سواه، وكان الشيخ البربرى يلقب نفسه بـ«مقرئ سعد»، حتى إنه كان يصاحبه فى جميع المحافل السياسية، ومن كثرة تقربه ومرافقته لسعد طوال الوقت دارت حوله الشكوك من الإنجليز، خاصة أنه كان يخفى كل مساء وهو خارج من بيت الأمة آلاف المنشورات تحت ردائه الدينى الفضفاض، وذات مساء اكتشف الإنجليز السر عندما كان الشيخ البربرى يجتاز بوابة «بيت الأمة» ونسى إحكام إغلاق جبته وانهالت من داخلها مئات المنشورات على الأرض، وعرف وقتها أنه يعمل مع سعد ضد الإنجليز، فاعتقله الإنجليز بتهمة أنه صديق لسعد زغلول وأنه كان يؤدى له خدمات وطنية، وطلب سعد من الشيخ منصور بدار أن يحل محله، فلقب «بمقرئ الثورة».
وفى السجن حسبما ذكر الكاتب محمود السعدنى فى كتابه «ألحان من السماء»، كان الشيخ البربرى يجمع كل المسجونين حوله ويظل لساعات طويلة يقرأ لهم بصوته الشجى، حتى أقلق ذلك خاطر الإنجليز فحبسوه فى زنزانة منفردة، ولكن هذا لم يمنع الشيخ البربرى من مواصلة القراءة وهو داخل الزنزانة، بل زاد صوته قوة وعلوا حتى يتمكن كل من فى السجن من سماعه، وبعد أن خرج علم أن سعد زغلول نفى إلى مالطة، فقدم نفسه لسلطات الاحتلال طالبا نفيه مع الزعيم ليقرأ له القرآن هناك، وعندما وجد الإنجليز هذه إرادته، رفضت، ولم يكتفوا بهذا، بل راحوا يطاردونه فى رزقه، وكان المأتم الذى يسهر فيه تحيطه دائما مجموعة من جواسيس الإنجليز، واستغل الوطنيون الفرصة فكانوا يستدعون الشيخ البربرى- عدو الإنجليز- دائما فى مآتمهم، بل كانوا يقيمون أحيانا مآتم وهمية ليسهر فيها الشيخ نكاية فى الإنجليز، ومات الشيخ البربرى قارئ ثورة 1919 بمسلميها ومسيحييها حتى كان على رأس المشيعين لجنازته مكرم عبيد، فقد كان تلميذا له فى أيام الثورة، وكان مكرم عبيد من الذين بعد وفاة البربرى الذى يقرأ القرآن بطريقته، ولم يكن للشيخ تلاميذ سوى رجلين، أحدهما مكرم عبيد، والثانى الشيخ سعيد محمد نور الذى كان يقرأ القرآن فى جامع الخازندار بشبرا، وأصبح له قراءات مسجلة فى إذاعة جدة وإذاعة الكويت بنفس طريقة الشيخ البربرى.