حصلت «المصرى اليوم» على مسودة، أعدتها وزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية، تتضمن تصوراً مبدئياً لخطة تطوير استراتيجية إدارة أراضى الدولة، مع تحديد توصيات وآليات تنفيذية وتشريعية ومؤسسية لتنمية أراضى الدولة والحفاظ عليها من التعديات.
أوصت وزارة الإسكان فى المسودة، التى أعدتها الشهر الماضى، بنقل ولاية أراضى الدولة «بخلاف المناطق الاستراتيجية والسيادية» والتى لم يتم تخصيصها بعد، وكذلك جميع الأراضى الخاضعة للهيئات القطاعية التى لم يتم تخصيصها حتى الآن، إلى وزارة المالية على اعتبار أن أراضى الدولة أحد أهم الممتلكات والأصول العامة التى من الممكن أن تسهم فى توفير موارد دخل للدولة.
وفيما يعد تطبيقا عمليا لمبادرة «المصرى اليوم» بإنشاء بنك للأرض، ذكرت الوزارة أن وزارة المالية ستقوم بدور الحارس أو القيّم على أراضى الدولة أو بدور «بنك أراضى الدولة»، الذى يتلقى الدعم الفنى والاستشارة من خلال المركز الوطنى لتخطيط استخدامات أراضى الدولة، على أن يتم إيداع جميع صكوك وأوراق أراضى الدولة خزانة وزارة المالية التى ستقوم بإدارة ومتابعة التخصيص بناء على السياسات والتوجهات التى يضعها المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية.
وأوضحت المسودة التى تم عرضها على عدد من الجهات المعنية، وعلى رأسها مجلس الوزراء، أنه يجب استصدار قرار من رئيس الوزراء بإعداد قائمة تفصيلية عن جميع الأراضى التى تقع تحت ولاية جميع الهيئات القطاعية، بحيث يتم تحديد الأراضى التى لم يتم تخصيصها بعد، وتلك التى تم تخصيصها بالفعل، على أن يتم تصنيفها إلى أراض تم إنشاء مشروعات استثمارية عليها أو جار إنشاؤها أو لم يتم إنشاء مشروعات عليها بعد.
وأفادت المسودة بأنه يتعين الانتهاء من إعداد تلك القائمة فى مدة تتراوح بين 3 و6 أشهر، مع دعمها بجميع الخرائط المتاحة.
وأوصت الوزارة بمراجعة قائمة الأراضى وسجل إداراتها بكل هيئة قطاعية من خلال جهة مراجعة متخصصة، ويفضل أن تكون من خلال مؤسسات خاصة لها خبرة فى هذا المجال، على أن تتم متابعتها ودعمها من خلال هيئة حكومية متخصصة فى إدارة المعلومات مثل مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، وتوفير نسخة من تلك القائمة والخرائط للمركز الوطنى لاستخدامات أراضى الدولة لكى يتولى بعد ذلك مسؤولية تدقيق وتحديث تلك البيانات بصورة دائمة.
وحددت المسودة السياسة الجديدة للتخصيص، سواء لهيئات قطاعية أو محافظات، بناءً على قيام كل جهة من تلك الجهات بتقديم خطط التنمية الاستراتيجية ودراسات الجدوى التى تدعم عملية اتخاذ القرار التى تعكس التكلفة الاقتصادية للأرض ومتطلبات وأهداف سياسة التنمية الاجتماعية للدولة، مثل مشروعات الإسكان لمحدودى الدخل وغيرها.
وأشارت المسودة إلى أنه سيتم وضع قواعد موضوعية لتسعير الأراضى ترتبط فى المقام الأول بطبيعة النشاط الاقتصادى، وضمان اتساق مستويات التسعير والنشاط الاقتصادى والموقع الجغرافى، مع عدم السماح بتغيير النشاط الذى من أجله تم تخصيص الأرض، وكذلك عدم السماح بترك الأرض دون استغلال لفترة زمنية محددة يتم بعدها إلغاء التخصيص.
وحددت وزارة الإسكان أسلوب تخصيص الأراضى بثلاثة أنظمة، الأول يشمل الأراضى الواقعة فى مناطق استراتيجية من وجهة نظر الجهات السيادية والأمن القومى ويجب أن تكون بنظام حق الانتفاع مع إعطاء الأولوية الكاملة للكيانات والشخصيات الاعتبارية المصرية فقط فى التعامل معها، مع جواز بعض الاستثناءات لبعض الجنسيات العربية وبموافقة المؤسسات السيادية، والثانى المشروعات الاستثمارية الكبرى التى لا تعد فيها ملكية الأرض عاملاً مؤثراً فى اقتصاديات المشروعات وجدواها على المدى البعيد ويمكن أن تتاح فيها الأراضى بنظام حق الانتفاع أيضا لمدد طويلة نسبيا، والثالث المشروعات المرتبطة بصورة مباشرة بالمواطن من حيث إتاحة المسكن أو الخدمات المحلية التى تمثل بالنسبة للمواطن المصرى العادى أهم سبل الادخار والاستثمار الشخصى، فيجب أن تستمر إتاحة الأراضى بها بنظام التمليك.
وأكدت «الإسكان» أن هذه التوصيات ضرورية فى ظل الخلل الحالى فى هيكل نظام إدارة أراضى الدولة فى مصر، الذى نتج عن تراكم العديد من السياسات والقوانين القديمة التى لم تعد ملائمة للمتطلبات الحالية التنافسية، مشيرة إلى أن هذا يفرض بالضرورة تطوير الأسلوب القطاعى فى إدارة أراضى الدولة بهدف تحسين أدائه على المدى القصير لترشيد الاستفادة من الحجم الكبير من الأراضى الخاضعة للهيئات القطاعية حاليا لضمان زيادة كفاءة عملية تخصيص الأراضى وتفعيل التنسيق بين هذه الهيئات على أن يتم التركيز فى المدى المتوسط والبعيد على معالجة هذه المشكلة الأساسية، من خلال وضع نظام متكامل لإدارة أراضى الدولة بما يتماشى مع التطبيق التدريجى لسياسة اللامركزية فى إدارة الأراضى وتخطيط استعمالاتها.
وأوضحت أن ذلك يتطلب تعزيز ومواءمة الإطار القانونى المشتت الذى يحكم إدارة أراضى الدولة، كما أن الأمر سيتطلب أيضا جهودا كبيرة لتوحيد طرق تحديد الأسعار بقدر الإمكان وتيسير عملية التخصيص وضمان أن يتم ذلك بصورة فعالة تعكس الطلب الحقيقى على تلك الأراضى.
وشددت الوزارة على ضرورة ترشيد التحكم فى أراضى الدولة من خلال كيان موحد غير قطاعى، بحيث يقوم ذلك الكيان بإدارة جميع التخصيصات الجديدة للأراضى سواء كانت لهيئات قطاعية أو محافظات، بينما يتم وضع سياسات تخصيص أراضى الدولة واللوائح والمبادئ الإجرائية من خلال جهة صنع قرار عليا من أجل ضمان الشفافية وكفاءة التوزيع وتحقيق المساواة والأهداف السياسية الخاصة بالتنمية الاجتماعية والتوازن بين الاحتياجات المركزية والمحلية للأراضى العامة.
وقالت الوزارة فى مقدمة المسودة إنه فى إطار جهود تنمية المساحة الكبيرة من الأراضى الصحراوية اعتمدت الدولة فى العقود القليلة الماضية على نموذج التنمية القطاعية الذى من خلاله تم تخصيص مساحات كبيرة من الأراضى الصحراوية للهيئات القطاعية التابعة لوزارات الزراعة والسياحة والصناعة والإسكان «خارج زمام الأراضى الزراعية»، وهو ما أدى إلى ظهور مجموعة من أسواق الأراضى المتفرقة والمنعزلة.
وأضافت أنه نتج عن ذلك تعقيد شديد فى الإطار المؤسسى لإدارة أراضى الدولة التى تتميز بالتزاوج بين أراض خارج الزمام تحت ولاية الهيئات الحكومية المركزية المنفصلة ويتم تقسيم الأراضى فيما بينها على أساس النشاط القطاعى وبين الإدارات المحلية بالمحافظات التى تستحوذ على أراضى الدولة داخل الزمام ويتم تقسيم الأراضى بينها على أساس الحدود الجغرافية، موضحة أن هذا الموقف غير التقليدى هو أيضا نتاج لتراكم العديد من التشريعات التى صدرت على مدار العقود الأربعة الماضية ونظرا لصدور تلك التشريعات على مدار زمنى كبير فقد اتسمت بالتعارض والتناقض فيما بينها، وهذا يؤكد فى الواقع غياب إطار سياسى مترابط خاص بإدارة الأراضى وعدم مراجعة السياسات الماضية فى ضوء التحديات الحالية ومتطلبات المنافسة.
ورصدت المسودة زيادة فى تعقد المشكلة مع عدم وضوح وتباين إجراءات وآليات توزيع الأراضى وتحديد أسعارها والتحكم فى تنميتها بالإضافة إلى عدم وجود نظام معلوماتى موحد لأراضى الدولة وعدم قدرة المستثمرين وغير المستثمرين على تحديد الهيئات التى تتحكم فى أراضى الدولة وفى أى مكان تتوفر تلك الأراضى، بالإضافة إلى مخططات استعمالات الأراضى غير الفعالة التى لا تعكس الطلب الحقيقى على الأراضى، وبالتالى تهمل جانب القيمة الاقتصادية الحقيقية للأراضى.
واعتبرت المسودة أنه رغم إنشاء المركز الوطنى لتخطيط استخدامات أراضى الدولة وإعداد خريطة استخدامات الأراضى حتى عام 2017 إلا أن العديد من مهام المركز لم يتم تنفيذها إلى الآن، كما أن الخريطة تم إعدادها بمقياس رسم 1 / 250000، وبالتالى تفتقر الدقة المطلوبة، وكذلك لم تحل التضارب على ولايات الأراضى بين عدد من الهيئات.
وأوضحت الوزارة أن الحصول على أراضى الدولة بغرض الاستثمار وبناء المساكن أو لأغراض غير استثمارية أصبح يمثل أهم تحديات التنمية التى تواجه الحكومة المصرية، خاصة أنه فى ضوء الزيادة السكانية المستمرة حتى عام 2050 سيصل عدد سكان مصر إلى 140 مليون نسمة بزيادة سنوية ما بين 1.3 و1.5 مليون نسمة، والمطلوب إتاحة أراض للتنمية بمسطح حوالى 35 إلى 40 ألف فدان سنويا لاستيعاب الأنشطة العمرانية والسياحية والصناعية والخدمية المطلوبة لهذه الزيادة السكانية بخلاف أراضى الاستصلاح الزراعى والمرافق السيادية.
وحذرت المسودة من أن عدم قدرة الدولة على توفير هذه الأراضى بصورة رسمية وبالمرافق المطلوبة لها سيكون البديل له مزيداً من التعديات على أراضى الدولة والنمو العشوائى وتحويل الأراضى الزراعية إلى أنشطة أخرى.
واقترحت وزارة الإسكان إنشاء جهاز مركزى تنفيذى لحماية أراضى الدولة يتولى الرقابة الكاملة على تلك الأراضى وإزالة أى تعديات عليها بصورة فورية وتكون له جميع الصلاحيات، على أن يكون تابعا لجهة سيادية.
وفيما يبدو أنه دعوة لتقليص صلاحيات ودور المركز الوطنى لتخطيط استخدامات أراضى الدولة اقترحت الوزارة فى المسودة التى تم عرضها على عدد من الجهات المعنية أن يصبح المركز الوطنى مركزا لمعلومات أراضى الدولة، بحيث يصبح دوره إعداد قائمة شاملة لأراضى الدولة وتحديثها بصورة منتظمة، على أن تتضمن خرائط تفصيلية مقياس 1: 20000 ، وتسجيل جميع أراضى الدولة فى مصلحة الشهر العقارى، والحفاظ على العقود وجميع السجلات الرسمية المتعلقة بأراضى الدولة.
واقترحت الوزارة أن يتولى وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية رئاسة مجلس إدارة المركز الوطنى لاستخدامات أراضى الدولة.
وأوصت بأن يكون المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية برئاسة رئيس مجلس الوزراء المسؤول عن تحديد أفضل استغلال لأراضى الدولة وطرق التصرف فيها.
واقترحت عدداً من الخطوات لتحديد أفضل قرارات المجلس المتعلقة باستخدامات أراضى الدولة، وعلى رأسها انتهاء الهيئة العامة للتخطيط العمرانى بالتنسيق مع المركز الوطنى لتخطيط استخدامات أراضى الدولة والوزارات المعنية من المخطط الاستراتيجى القومى للتنمية العمرانية لمصر، وكذلك مخططات تنمية المحافظات خلال عامين. وأضافت المسودة: «لحين الانتهاء من هذه المخططات وفى حالة وجود أى مشروعات عاجلة لدى الهيئات القطاعية أو المكانية أو المحافظات تتولى اللجنة النوعية لتخطيط أنشطة التنمية العمرانية الدراسة وإبداء الرأى ورفع توصياتها للمجلس الأعلى للاعتماد».
واقترحت الوزارة لتحقيق نظام متكامل لإدارة أراضى الدولة ولضمان تحقيق التنسيق الفعال بين الهيئات الحكومية المعنية، أن يقوم المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية من خلال أمانته الفنية واللجنة النوعية لتخطيط أنشطة التنمية العمرانية بمراجعة واعتماد كل عمليات التخصيص لأراضى الدولة المستخدمة لأغراض تنموية بناءً على مبدأ المنافسة بين الهيئات القطاعية أو المحافظات، وكذلك الهيئات المكانية مثل الهيئة الاقتصادية للمنطقة الحرة.
وتابعت: «يختص المجلس بمراجعة واعتماد طلبات نقل الولاية على أراضى الدولة بين الوزارات والهيئات القطاعية وبين المحافظات، وفض النزاعات القائمة حول الولاية على أراضى الدولة بين الهيئات القطاعية المختلفة وبين المحافظات ووزارة الأوقاف، وتشكيل لجنة متخصصة لوضع إجراءات تنظيمية تتسم بالشفافية لعملية تخصيص أراضى الدولة وتحديد أسعارها لمختلف أنواع المشروعات الاستثمارية وكذلك وضع آليات المراقبة والتقييم ومراجعة واعتماد مشروعات القرارات واللوائح قبل إصدارها، والإشراف على استكمال قائمة حصر أراضى الدولة التى تم تخصيصها لجميع الوزارات والهيئات القطاعية والمحافظات، بالإضافة إلى تشكيل لجنة لمراجعة قوانين إدارة أراضى الدولة من خلال تجميع التشريعات المتداخلة الموجودة حاليا وتحديد التعديلات المطلوبة تمهيدا لعرضها على البرلمان».
واقترحت الوزارة لتفعيل دور المجلس الأعلى للتخطيط العمرانى ولضمان تمثيل جميع الوزارات القطاعية فى اقتراح قرارات التصرف من أراضى الدولة، ضم كل من وزراء التجارة والصناعة، والزراعة، والسياحة إلى عضوية المجلس. وفيما يتعلق بالإطار القانونى لتطوير استراتيجية إدارة أراضى الدولة فى مصر فإنه سيتم تجميع وتنسيق جميع القوانين وقرارات رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء التى تنظم عملية التحكم فى تخصيص أراضى الدولة وملكيتها والتصرف فيها، لإجراء التعديلات المطلوبة على بعضها فى عملية التخصيص وحق الدولة والاستفادة من هذا المورد الاقتصادى المهم.
وأوصت الوزارة بأن تتضمن التعديلات تحديد أراضى الدولة وتصنيفها إلى ملكية عامة وخاصة، ويشمل ذلك نقل ملكية أراضى الدولة المخصصة للملكية العامة وأغراض ومعايير تخصيص أراضى الدولة للملكية الخاصة وإجراءات إعادة التصنيف بين الملكية العامة والخاصة بموجب قرارات عالية المستوى، وكذلك وضع الشروط العامة التى تحكم التصرف فى أراضى الدولة وتحديد استخداماتها، والجهات المؤهلة للإشراف والولاية على الأراضى والتصرف فيها، وكذلك تعديل طرق وإجراءات تخصيص أراضى الدولة لتبسيط الإجراءات التى تتناول الخطوات المطلوبة والوقت اللازم وعدد الموافقات المطلوبة والمعايير الخاصة بالملكية والحيازة.
وتضمنت التعديلات المقترحة أيضا إجراءات الموافقة على قرارات تخصيص أراضى الدولة بما فى ذلك مدى إمكانية طلب الموافقة عالية المستوى الصادرة عن المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية، فى حالة تخصيص مساحات ضخمة من أراضى الدولة المخصصة للملكية العامة، وأسس تثمين الأراضى طبقا للاستعمالات المختلفة مثل الاستثمار بأنواعه المختلفة وإسكان محدودى الدخل، وتعديل الإجراءات المتخذة لحماية أراضى الدولة من التعدى والعقوبات المفروضة، بالإضافة إلى تعديل الطرق والإجراءات المتبعة حاليا لتسوية النزاعات بين مختلف الهيئات أو الجهات.