فى مكتبه بالدور السادس بالأهرام الشهير تاريخيا بطابق العمالقة، يجلس بهاء جاهين، يبدو استحضار روح صلاح جاهين فى شخصه، هو الأمر البديهى، لكن تأثير فؤاد حداد به كان عميقا فى شعره، يقول بهاء الأشبه فى جلسته وهدوئه ولحيته البيضاء بحكيم يتأمل أحوال العالم «عندما كان عمري 22 عاما، كنت أرغب في قراءة الشعر الفرنسي، لم يفكر أبي كثيرا، وذهب بي إلى فؤاد حداد، وجدت طفلا بريئا، وسرعان ما تصادقت مع ابنيه أمين وسليم، كان فؤاد حداد يفخر كثيرا بأن صلاح جاهين أرسل له ولده ليتعلم الشعر».
علاقة صلاح جاهين بفؤاد بدأت مبكرا، كما رواها بنفسه من قبل، وكما كررها بهاء، عندما قرأ تلك الأبيات «في سجن مبني من حجر/ في سجن مبنى قلوب السجانين/ قضبان بتمنع عنك النور والشجر/ زى العبيد مترصصين».
كانت تلك الأبيات تحديدا تمثل تصور صلاح جاهين عما ينبغي أن يكون عليه شعر العامية، موديل يحررها من الزجل ويدفع بها إلى أرض أرحب، فتعرف على فؤاد حداد، الذى قرأ عليه أيضا الشعر الفرنسى، والتى تبدى أثرها واضحا فى قصيدة «شاى باللبن كما لاحظ بيرم التونسى الذى تعرف عليه وقتها».
كان فؤاد حداد واحدًا من أصدقاء عديدين لجاهين الأب، أوردوا المعتقل فى عام 1959، كان من المفترض أن يكون واحدا منهم، يتابع جاهين الابن «كان اسمه على قوائم المعتقلين دائما، لولا أن عبد الناصر كان يحبه شخصيا».
أثر ذلك الموقف كثيرا على جاهين، كان يشعر أن مكانه معهم خلف القضبان، وظهر ذلك على عدد من القصائد ومنها غنوة برمهات، التى أرسلها إلى فؤاد حداد فى المعتقل، ورد عليه فؤاد حداد ردا شعريا، لم ينشر بعد، وفقا لحداد الابن.
تقول غنوة برمهات، فى أحد المقاطع (بتصرف) والتى يخاطب فيها ساكنى الصفيح (الزنازين) «صاحبكم اتلطم كتير/ اصفحوا/ ياساكنين البيوت الصفيح/ أنا مانيش المسيح/ الدنيا كدب فى كدب وانتوا بصحيح».