«أعطوا الإسلاميين فرصة ليكتشف الناس أن الشعارات وحدها لا تكفي».. قالها الدكتور محمد البرادعي الذي فوضته قوى المعارضة للتحدث باسمها لرسم خارطة المرحلة الانتقالية الثانية، بعد ظهور مؤشرات استحواذ القوى الإسلامية على البرلمان في ديسمبر 2011، بعد أسابيع قليلة من معارك محمد محمود وأثناء المذابح التي شهدتها أحداث مجلس الوزراء، بينما تجري الانتخابات البرلمانية على قدم وساق.
بعد أشهر قليلة من مقولة البرادعي، سيطر الإسلاميون وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين على غرفة البرلمان الأولى، ثم غرفة البرلمان الثانية، وسرعان ما وجد الإسلاميون أنفسهم تحت الأضواء الكاشفة للإعلام والسخرية الشعبية اللاذعة التي طالت أداءهم البرلماني، مما كاد يطيح بفرص المرشح الاحتياطي للجماعة «محمد مرسي» في الفوز بمقعد رئاسة الجمهورية، بعد أن استحضر منافسه «أحمد شفيق» كل خطايا التيار الإسلامي في البرلمان لينقض بها على منافسه مرشح ذلك التيار، لكن مساندة عدد من شباب القوى الثورية لمحمد مرسي على حساب منافسه وإضفاء صفة مرشح الثورة عليه، أسهمت في حشد التصويت.
ونجحت الجماعة بالتعاون مع القوى الثورية والتيارات الإسلامية بالوصول بابنها البار إلى مقعد الرئاسة ليلقي خطابًا حماسيًا في ميدان التحرير وسط احتفالات عمت الميدان وميادين أخرى لفوز ما رأى البعض أنه مرشح الثورة.
خطا مرسي على طريق مشروع مغاير لمشروع النهضة الذي استخدم في الترويج له «ليه انتخب شخص لما ممكن انتخب مشروع»، لتأتي جمعة الحساب في الحادي عشر من أكتوبر 2012 وتشكل أول مواجهة دامية بين مؤيديه ومعارضيه ويظهر بوضوح انفصال الإخوان المسلمين والقوى الإسلامية بشكل نهائي عن قوى الثورة التي زاملتها في الأيام الأولى بعد محاولات لرأب الصدع خلال اللقاء الذي سمي باتفاقية فيرمونت، والتي اتخذت بعض القوى الثورية بعدها قرارًا بمساندة مرسي ضد مرشح «الثورة المضادة».
في تلك الجمعة الباردة من شهر أكتوبر، قررت جماعة الإخوان المسلمين مزاحمة المتظاهرين المعارضين في ذات مساحة تظاهرهم احتجاجًا على فشل الرئيس مرسي في الوفاء بخطة المائة يوم الأولى لحكمه، والتظاهر في المقابل تأييدًا للرئيس، مما أدى لاشتباكات دامية استمرت لعدة ساعات وانتهت بانسحاب الجماعة من الميدان ودعوتها للتظاهر في مليونية بميدان نهضة مصر تأييدًا للرئيس، واستخدام لفظ الشريعة للمرة الأولى في المليونيات التي توالت تأييدًا لمرسي طوال الأشهر التالية.
وعندما خرج الرئيس المعزول بخطاب لمؤيديه أمام الاتحادية قائلاً «أهلي وعشيرتي» صارت تلك الجملة علامة على فترة حكمه القصيرة التي انتهت بعزله، والتي رسخ بحسب رؤية معارضيه ومنظرين وباحثين غربيين لحكم دولة بحجم مصر لصالح فرقة واحدة من المقيمين على أرضها.
توالى مسلسل تراجع الشعبية السريع الذي لم يطل محمد مرسي وحده، بل ظلت صورته والفيديوهات المسربة له، والتي تكشف عن كونه «جندي مخلص ومطيع» في إطار تراتبية جماعة الإخوان المسلمين، في تقديم صورة تبين أنه ليس الحاكم الفعلي للبلاد، مما جعل تبعات قراراته تنعكس على الجماعة وصورتها لدى قطاعات مختلفة من الشعب المصري، خاصة مع استمرار الإخفاق الاقتصادى وتدهور علاقات مصر الخارجية التي سلمت مفاتيحها لمدير ملف العلاقات الخارجية بالجماعة عصام الحداد، ليكون إخلاص الرئيس المعزول محمد مرسي للجماعة بشكل مطلق مفتاحا لاحتراق شهاب الرئيس في جسد الجماعة التي تلقت أكبر ضربة لشعبيتها منذ نشأتها على يد حسن البنا قبل 85 عامًا.