رأت صحيفة «جارديان» البريطانية أن الجيش المصري يظل هو الحاكم الأقوى في مصر، على الرغم مما يبديه من رفض الحصول على أدوار سياسية واضحة، حيث تستعد المؤسسة العسكرية دائمًا باقتناص القوة لكن من خلف الكواليس.
وقال إيان بلاك، محرر شؤون الشرق الأوسط في الصحيفة، إن دور الجيش بدأ منذ أطاح الضباط الأحرار ومعهم جمال عبد الناصر في أول ثورة مصرية حديثة بالملكية وتحولت مصر إلى الجمهورية عام 1952، وظهرت تحركات الجيش مرة أخرى في 2011 عندما سمح بسقوط مبارك دون سفك دماء جماعي، والآن يتحرك الجيش مرة أخرى «لإنقاذ» البلاد من سياسييها المتصارعين.
ولاحظ «بلاك» تهليل الجماهير في ميدان التحرير عندما انتشرت الأنباء عن بيان الجيش الذي اعتبره الجميع ردًا إيجابيًا على الاحتجاجات ضد الرئيس محمد مرسي، وهو رد فعل لم يكن ممكنًا على مثل هذا النوع من «الانقلابات العسكرية» التي حدثث في العالم العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، ومن جانبهم رأى مؤيدو مرسي وآخرون أن تلك الخطوة «ردة كارثية لما قبل الثورة».
وقال إن الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع، كان حذرًا للغاية فيما يقوله وما هو مستعد وغير مستعد له في البيان الذي أذيع على التليفزيون الرسمي للمصريين، فوضع خارطة طريق للمستقبل يختلف عن المطالبة بعملية شاملة تضع نهاية إجبارية للفجوة بين الإخوان المسلمين ومعارضيها، مشددًا على أن الجيش لن يدخل نفسه مباشرة في السياسة والحكم.
وقال «بلاك» إن ما حدث يعتبر تذكرة واضحة أنه رغم كل الدراما والتضحيات والطموحات الكبيرة للثورة المصرية، فإن الجيش يظل القابض الحقيقي على السلطة.
وقارن المحرر بين سيناريو الجزائر 1991 وبين مصر الآن، عندما قرر جنرالات الجيش الجزائري التدخل وإلغاء دورة الانتخابات الثانية التي كان يتوقع أن يفوز بها الإسلاميون، لكن الفارق أن مصر استكملت انتخاباتها التي فاز بها الإخوان المسلمون، والخوف الآن هو تعرض مصر لمستويات العنف التي شهدتها الجزائر بعد ذلك، في ظل مناخ من الاحتقان والانقسام الخطير.
وقال إن الإخوان المسلمين يشعرون بالغضب لأن تلك الخطوة جعلتهم يشعرون بالخيانة من الجيش الذي ظنوا أنهم قاموا بتحييده عندما تحرك مرسي العام الماضي بنعومة وبشكل نافذ وأقال جنرالات مبارك الذين حكموا بعده من خلال المجلس العسكري، وقام بتعيين السيسي لفرض سيطرة المدنيين على الجيش.
وتابع أن الإخوان والجيش استمرا في شراكة على المدى الطويل للفترة الانتقالية الفوضوية التي نقلت مصر إلى ديمقراطية مختلة، ولكن الجيش كان أيديولوجيًا مرتبطا بالمعارضة العلمانية، ومن جهة أخرى ظلت جماعة الإخوان الكيان المدني الأكثر تنظيمًا، وربما يرجع هذا لإرث طويل من عقود الاستبداد والركود السياسي والانتخابات المزورة.
واستمر الجيش في الحفاظ على امتيازاته ومصالحه الاقتصادية الضخمة بالإضافة إلى علاقته الاستراتيجية القوية بالجيش الأمريكي ووزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون»، وإذا كان الجيش معارضًا للاضطلاع بمسؤوليات حكومية أو سياسية فهو بالتأكيد سعيد للاحتفاظ بالسلطة خلف الكواليس، كلاعب سياسي له دور كبير لكنه يتحرك بشكل مستقل بذاته، والآن بعد خروج هذه الاحتجاجات الضخمة إلى الشوارع أصبح مصير البلاد في قبضة الجيش مرة أخرى.