ثقافة التظاهر من «ثورة 19» إلى «الاتحادية».. البداية «سلمية» و«العنف» يحكم

كتب: إسلام عبد الوهاب الأربعاء 26-06-2013 18:32

المطلب النبيل هو جوهر أى مظاهرة، وحين يكون المطلب حقاً مشروعاً مسلوباً يكون الهتاف هو الطريق لتحقيق هذا المطلب، لكن الأساليب القمعية والمبادرة بالعنف تدفع التظاهر إلى استخدام أساليب أخرى، وتكون المعادلة «العنف يولد عنفاً مضاداً».

«الاستقلال عن بريطانيا» مطلب الجماهير فى «ثورة 1919»، بدأها الطلبة وخرجوا إلى الشوارع، وحاصرهم الإنجليز فى ميدان السيدة زينب، وتضامن الأهالى معهم وألحقوا خسائر بالإنجليز، وأضرب «العمال» عن العمل، أبرزهم عمال الترام والسكك الحديدية، الذين أتلفوا محركات حركة القطارات، والفلاحون الذين قطعوا السكك الحديدية، واعتدت الجماهير على المحال التجارية وممتلكات الأجانب، وهاجموا أقسام البوليس، وشهدت مصر أول مظاهرة نسائية، وكانت سمة الثورة الوحدة الوطنية، فـ«القس» يخطب فى «الجامع الأزهر»، و«الأزهرى» يعلو منبر «الكنيسة».

«انتفاضة 1935»، بدأها «الطلبة» فى الجامعات والمدارس الثانوية، خرجوا فى مظاهرة سلمية كبيرة، فتصدى لهم البوليس، طالباً تفريق المظاهرة، وعندما رفضوا أطلق عليهم النار، وعقد «الطلبة» مؤتمرا عاما أعلن فيه حفل تأبين للشهداء، وتنظيم مقاطعة البضائع الإنجليزية، ونُظم إضراب عام حداداً على الشهداء، أغلقت فيه متاجر القاهرة واحتجبت الصحف وعطلت المواصلات، وفرض «الطلبة» على الأحزاب السياسية تكوين «الجبهة الوطنية» والتي نجحت في إعادة دستور 1923.

«العمال» كلمة السر فى مظاهرات فبراير عام 1968، والتى اندلعت بسبب الأحكام القضائية للمتورطين فى نكسة 67، من الطيارين والتى قضت المحكمة ببراءة اثنين والسجن 10 و15 سنة لاثنين آخرين، أوقف عمال القاطرات بحلوان الماكينات، وبادروا بالتحرك وانضم إليهم عمال المصانع الحربية ثم الأهالى، وفى اليوم التالى أعلن «طلبة» جامعتى «القاهرة» و«عين شمس» استمرار خروج المظاهرات حتى استجاب «عبدالناصر» للشارع وأعاد محاكمة قادة الطيران.

«علاوة 10%» مع «رفع الدعم عن السلع الغذائية»، هذا ما حدث فى 17 يناير 1977، وانتفض الشعب بطريقة عفوية فى القاهرة فى 18 يناير، بدأها عمال شركة «حرير حلوان» وطلبة جامعة «عين شمس»، وتصدت لها قوات الأمن، فتفرقوا إلى مجموعات أصغر واتجهوا جميعهم إلى ميدان التحرير، وفى الطريق انضم إليهم الأهالى، وهاجمت مجموعات أقسام الشرطة، كما حاولوا اقتحام مديرية أمن القاهرة، تحول الاحتجاج السلمى إلى موجات من العنف، وعجزت قوات الأمن عن مواجهة المظاهرات، أمر «السادات» الذى سماها «انتفاضة الحرامية» الجيش بالتصدى للمظاهرات، وإعلان حظر التجول، لكن الشعب انتصر حين ألغيت قرارات «رفع الدعم» حتى إن سقط منه قتلى ومصابون ومعتقلون.

«كفاية» وهى اسم الحركة التى أسست فى 2004، وتصدت لتوريث الحكم، بدأت أفراداً يحصون بالأصابع أمام دار القضاء العالى فى 2004، وكان الأمن يحاصرهم فى دائرة، لكن فى مطلع 2005 انضم إليها المئات من الشباب وكانت المظاهرات سلمية، وهتافها الرسمى «يسقط يسقط حسنى مبارك» ثم انضم الآلاف لمظاهرات «كفاية» فى ميدان التحرير، بعدها انتقلت إلى محافظات مصر، وأبرزها دعوات إضراب 6 إبريل 2008، والتى اشتعلت فى المحلة، وخرج «عمال» المحلة فى مظاهرات حاشدة، واشتبكوا مع الأمن وبادلوه إلقاء الحجارة رداً على إطلاق الغاز المسيل للدموع، وكانت الكلمة «كفاية».

25 يناير 2011، بدأت «سلمية» حتى ومع استخدام «الشرطة» أسلحتها التقليدية فى تفريق المتظاهرين، لكن فى 28 يناير تحول الأمر مع إصرار الشرطة على القمع وإصرار المتظاهرين على إكمال المشوار، إلى عنف مضاد فأحرقت أقسام الشرطة، وألقيت الحجارة، وحاول المتظاهرون اقتحام وزارة الداخلية، وسقط قتلى نتيجة استخدام الرصاص المطاطى والحى والخرطوش.

تغير كبير فى ثقافة التظاهر، فبدءاً من «موقعة الجمل»، انتشرت ثقافة المولوتوف وتصنيعه، و«الخبط» على الأسوار الحديدية كدليل على هجوم من البلطجية، وأيضا الحجارة، وجلبها من أرصفة الشوارع، واستخدام المتاريس، ووضع خطوط فى الكر والفر، فإذا سقط الخط الأول يصد الهجوم الخط الثانى، واحتلال أسقف المبانى للسيطرة على المناطق، ورد المعتدين، كانت «موقعة الجمل» حدا فاصلا فى ثقافة التظاهر.

فى 9 أكتوبر 2011 وقعت «أحداث ماسبيرو» والتى قتل فيها ما يقارب الـ27 شابا قبطياً دهسا بمدرعات الجيش المصرى وبالأعيرة النارية الميرى، ورد المتظاهرون بإلقاء المولوتوف على مدرعات الجيش، وفى أحداث «محمد محمود» والتى بدأت بمعارك مع الشرطة، استخدمت فيها أسلحتها التقليدية، وزادت عن الأمر التعمد فى فقء الأعين، بينما استخدم المتظاهرون المولوتوف، والحجارة، والشماريخ، والهتافات، وحين تدخل الجيش وفض الاعتصام أثناء الهدنة بين المتظاهرين والشرطة، عاد المتظاهرون للهجوم على الجيش بالحجارة والمولوتوف.

«موقعة الاتحادية» والتى اشتعلت فى 4 ديسمبر لعام 2012، غيرت مفاهيم التظاهر، وبالأخص أن الذين تصدوا لردع المتظاهرين «مواطنون» لكن مسلحين، وما كان من المتظاهرين سوى الرد بالحجارة والمولوتوف، وكانت هذه بداية فكرة أن تأخذ حقك بالعنف، وكان نتاج هذا كله أن موقعة «المقطم» حمل المتظاهرون فيها السلاح، لأول مرة لمواجهة الجانب الآخر «الإخوان المسلمين» الحاملين للسلاح من قبلهم.

فى 30 يونيو ستخرج المظاهرات سلمية كما بدأت، لكن إن جاء العنف فلن يهرب أحد، وسيكون الحل العنف المضاد. وينتهى الأمر.