فى شهر يوليو الماضى، كتبت عن المبدع الحقيقى، الأستاذ وحيد حامد، الذى فقدته مصر كلها أمس الأول، بالرغم من عدم معرفتى الشخصية به، حيث لم ألتقِ به يومًا ما، ولكنى نشأت على أفلامه ومسلسلاته الرائعة، تأثرت بها، وشكّلت وجدانى. عرفت الكثير عن «شخص» الأستاذ، من أحد المُقرَّبين منه، فعشقته أكثر. ما أجمل أن يتسق الكاتب فيما يبدعه مع مبادئه وسماته، هكذا كان الأستاذ. كتبت عن وحيد حامد، الذى شعرت بأنه «صديقى على الورق»، الأستاذ الذى لم يتغير أو يتلوّن أو يتخل عن مبادئه يومًا ما فى أصعب الأيام، والذى خاض معاركه ضد الإخوان ولم يَحِدْ عن رأيه فيهم، حتى عندما بلغوا رأس السلطة، قالها صريحة: (إخوان اليوم هم إخوان أمس هم إخوان الغد)، وصفته بأنه واحد من أهم «ثائرى الحق» فى تاريخ مصر، وفى صباح يوم الاثنين 6 يوليو الماضى، كنت على موعد مع «صوت الأستاذ»، أسمعه لأول مرة تليفونيًا.
ولحسن حظى أننى تشرفت باتصاله على «تليفونى الصغير»، الذى اخترت إبعاده عن «النت» وبرنامج «التروكولر»، الذى قضى على «عنصر المفاجأة» فى معرفة شخصية المتحدث حال عدم حفظ رقمه، جاء صوته ضعيفًا منهكًا، ولكنه ودود رقيق: «أستاذة وفاء.. صباح الخير».. أجبته: «صباح النور يا افندم.. مين؟».. أجاب بذوق شديد: «أنا وحيد حامد»، وأقسم أننى فرحت فرحة الأطفال وشعرت بأن الزمن توقف بى، لأجيبه: «أهلًا وسهلًا أستاذنا العظيم»، ليكمل: «متشكر قوى على كلامك النهارده، كتّر خيرك»، لأقول بسرعة: «إحنا اللى متشكرين على كل كلمة حضرتك كتبتها وأثرت فينا»، توقعت أن صديقة مشتركة بيننا هى التى أعطته رقمى وطلبت منه أن يهاتفنى، ولكنى فوجئت بأنه حصل على تليفونى من الجريدة، وهو ما أسعدنى أكثر، لتفاجئنى صديقتى بأنه أكد لها أن سعادته الكبيرة بكلماتى لأننى لا أعرفه شخصيًا. مات الأستاذ الذى اختتم حياته بجملة «أنا حبيت أيامى»، مات الأستاذ الذى استوحى بعض قصص أفلامه من الصحف ومواقف شوارعنا.
مات الأستاذ الذى قال إن إغلاق صحيفة أو قناة تليفزيونية يُحزنه، مات الأستاذ الذى أكد أننا فى احتياج إلى الوعى وهذا لن يأتى إلا بإعلام حقيقى، مات الأستاذ الذى طالب بأن «كل واحد يشتغل شغلانته»، مات الأستاذ الذى حذر من تملُّك الإحباط من الناس، تُرى هل مات الأستاذ بعدما فقد متعته فى «الصحف الموحدة» الآن، ولم تعد هناك مواقف إنسانية فى الشوارع تُخرج إبداعاته، فتملَّك منه الإحباط، واكتفى بـ«حب أيامه»؟ أسئلة هو الذى يعرف إجابتها، ولكن ما نعرفه الآن أننا فقدنا «ضمير» الفن والإبداع والإنسانية، فى زمن استُبعد فيه المبدعون الحقيقيون.