عتاب إلى القاضى «الغريانى»

أيمن الجندي السبت 16-06-2012 12:15

من أصعب الأشياء فى هذه الظروف المتغيرة، أن تكتب مقالا عصر الخميس ليُنشر يوم السبت. لكن يمكننى أن أقول إن أكثر ما ضايقنى - فى حكم المحكمة الدستورية - أن الإجراءات بدت وكأنها مُقدمة على جوهر العدالة. وكأن اللوائح تحكمنا مع أننا الذين نضع اللوائح. تذكرت العبارة الحكيمة لسيدنا المسيح، عليه السلام، أن الله جعل السبت للإنسان، ولم يجعل الإنسان للسبت. وتصورت بعين الخيال أيضاً أنه لو كان عمر بن الخطاب يسعى بيننا، لعلا المتخاصمين بدِرّته الشهيرة، وبعد أن (يرنّ) الجميع علقة محترمة، يصدر قرارات سريعة يحقق بها جوهر العدالة.

إذن فقد تم حل مجلس الشعب، والإبقاء على فرصة شفيق فى المنافسة. الطريف أن مجلس الشعب كان متوجسا من حكم الحلّ، فحاول أن يناوش المحكمة الدستورية بتغيير التشريع الخاص به. ولكن كما غنى عبدالوهاب «تيجى تصيده يصيدك»!

مثلما يحدث فى صراع الديناصورات، ذات الأوزان الثقيلة، دُهست الكائنات الضعيفة الرقيقة، الخرفان والماعز التى تثغو، ولا تريد من هذا العالم القاسى سوى أن تأكل العشب الأخضر. يتناطح الديناصوران ولا يباليان بالضحايا الذين يُداسون بالأقدام.

كالعادة سيسترزق الإعلاميون! وسينشط رجال الأعمال! ويعمّ الرخاء البلطجية، ويزداد الفقراء فقرا! البسطاء الودعاء، سوف تزداد حياتهم تعقيدا، وهم وحدهم من سيدفعون الثمن.

لو تمت الانتخابات اليوم، سنختار بين مرسى وشفيق. لو فاز مرسى ستناوئه أجهزة الدولة «لا أتصور مثلا أن المخابرات ستعطيه الأسرار العميقة للدولة!»، ولو فاز شفيق ستعم البلاد الفوضى ويهتاج الثوار.

فى هذه اللحظة لا أستطيع أن أمنع نفسى من عتاب القاضى الجليل «حسام الغريانى»، قاضى القضاة، رئيس محكمة النقض، الذى قال الإخوان إنهم حاولوا معه كثيرا ليقبل الترشح لرئاسة الجمهورية. كم كنتُ أتمنى فى هذا الموقف الدقيق أن أؤشر على اسمه الكريم مختارا، هو المشهور بنزعته الإصلاحية، والذى كان أنسب رئيس يدير المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية الحقيقية، بضمير قاض وقلب عاشق لهذا الوطن.

لكنه لم يقبل! ولا أدرى لماذا لم يقبل! برغم أنه كان أنسب الجميع لهذا المنصب، كونه شخصية وسطية لها قبول عند الأطراف المتنازعة. على الأقل كان سيقضى على مافيا المصالح التى أنهكت الفقراء.

هناك أوضاع معينة لا يجوز فيها الاعتذار عن الخدمة العامة، وليسمح لى سيادته أن أحكى له قصة صديقى أستاذ الكبد المشهور فى طنطا، والذى أعرف جيدا أن عيادته رائجة! ومع ذلك فوجئت به بعد الثورة، والأوضاع هائجة مائجة، والتطاول على الرئاسات أشد ما يكون، فوجئت به يقبل وظيفة «مدير المستشفى الجامعى»، برغم أنها بلا أجر تقريباً، وكلها «وجع دماغ».

ولما كنت أعلم نزاهته، وأنه يستحيل أن يستغل المستشفى لترويج عيادته الرائجة أصلاً، فقد سألته عن سبب القبول، والذى سيترتب عليه، وقد حدث فعلا، أنهم سيمطرونه بوابل من المشاجرات والمهاترات ليل نهار.

قال صديقى بصدق: إنه فى البداية ود لو ينأى بنفسه عن وجع الدماغ، لكنه حين فكر قليلاً، قال لنفسه إنه لو فر الجميع من الخدمة وآثروا راحة البال، فمن لمصر؟ ومن للإصلاح؟.

aymanguindy@yahoo.com