مع صعود الإسلاميين، وكثرة الاستشهاد بالتجربة الماليزية، أعتقد أنكم ستشاركوننى الاهتمام بهذه الرسالة التى أرسلها لى «د. محمد وجيه شلبى».
تقول الرسالة: «الكل ينظر إلى ماليزيا بانبهار! ويعتبرها نموذجا ينبغى أن تحتذيه مصر للنهضة، فهل هذا الكلام صحيح، أم به جزء من المبالغة؟ أحببت أن أساهم فى توضيح الصورة كونى أقمت فى ماليزيا لعدة سنوات وعرفت من أحوالها ما يستحق الكتابة.
فى بدايات القرن العشرين، كان اقتصاد ماليزيا يعتمد على استخراج القصدير وزراعة المطاط، وكان الشعب الماليزى فى ذلك الوقت ينتمى بأكمله تقريباً إلى عرق المالاى، حين اكتشف الإنجليز أنهم بحاجة إلى عمال يتميزون بالدأب والنشاط لاستغلال ثروات البلاد، فكان أن جلبوا مهاجرين من الهند والصين للعمل فى مناجم القصدير ومزارع المطاط.
جاء المهاجرون الفقراء من الصين والهند معدمين لا يملكون شيئا، لكنهم بدأبهم ومثابرتهم تمكنوا من السيطرة على كل المرافق الاقتصادية، وهكذا صارت ماليزيا خليطا من 3 أعراق رئيسية: المالاى وهم يمثلون 57% من السكان، والصينيين 25%، والهنود 5%.
وفى يوم لا ينساه الماليزيون أبداً، 13 مايو عام 1969، استيقظت البلاد على حرب أهلية بين العرق المالاوى الفقير والعرق الصينى الغنى، أسفرت عن مقتل الكثيرين، فكانت صدمة هائلة للمجتمع المسالم. فى ذلك الوقت كان مهاتير محمد يعمل طبيباً ويهتم بالسياسة ويمارسها، ألّف كتاباً شرح فيه أن سبب المشكلة يرجع للفقر وغياب العدالة الاجتماعية. لقد ثار المالاى أصحاب البلد الأصليون، لأنهم وجدوا أنفسهم فقراء مهمَّشين لا يملكون سوى 4% من ثروات الشعب، فى حين يمتلك الصينيون الوافدون «96%».
كان رأى «مهاتير» أن الحفاظ على السلام الاجتماعى يتطلب إقامة مشاريع ترفع مستوى دخل الفرد، ومنح الأغلبية المالاوية الفقيرة نصيباً أوفر من عائد المشاريع الجديدة لتحقيق العدالة الاجتماعية، وإعطاءهم الأفضلية فى البعثات التعليمية.
كان كتاب «مهاتير» صدمة جعلت الحزب الحاكم يقرر فصله من الحزب! لكنهم بعد ذلك، اكتشفوا أهمية ما قاله الرجل، فعينوه وزيراً للتعليم ونائباً لرئيس الوزراء، وهنا أتيحت له الفرصة كى يهتم بالتعليم باعتباره الركيزة الأساسية لأى نهضة حقيقية.
وفى عام 1981، أصبح «مهاتير» رئيساً للوزراء وصار مطلق اليد فى تشجيع الاستثمار بكل الطرق، فأقيمت مئات المشروعات وأعاد بناء البلاد، وكان دائم التشجيع للشعب كى تعادل ماليزيا دول أوروبا فى معدَّل دخل الفرد ومستوى التعليم والخدمات الصحية بحلول عام 2020، وكان شعارهم «ماليشيا بوليه بوليه»، أى «ماليزيا تستطيع تستطيع».
لا شك أن «مهاتير» حقق طفرة هائلة فى ماليزيا، لكنه وباعترافه لم يتمكن من تغيير الشعب كما يريد ويطمح، «لقد صارت ماليزيا بلاشك أكثر تقدما، لكنى أشك فى استطاعتها أن تصل إلى مصاف الدول المتقدمة عام 2020، وذلك لأن «مهاتير» عجز عن تغيير ثقافة الشعب وطريقة تفكيره بصورة كافية.. تماما مثلما عجز محمد على وعبدالناصر فى مصر.. فالتاريخ يعلمنا أنه يمكنك أن تحقق طفرة، لكن كى تستمر عملية التقدم فلا بد من تغيير ثقافة الشعب نفسه».
غداً الجزء الأهم من الخطاب الذى يحتوى على مفاجآت كثيرة.