أهم من أن تكسب الانتخابات أن تكسب نفسك! لذلك أحلم أن يراجع الإخوان المسلمين مواقفهم. لو كنتُ مكانهم لقلتُها بملء الفم: «شكرا لك يا أحمد شفيق، لأنك وضعتنى أمام حقيقتى، وأخرجت المكنون من مشاعر الناس نحوى».
كيف أصبح الفارق بين مرسى وشفيق مائتى ألف صوت فقط؟. وصلتنى خطابات كثيرة، واستمعت إلى آراء كثيرة. اختلفتْ آراء الناس واتفقتْ! لكن المُجمع عليه من الناس العاديين أن الإخوان المسلمين «مصلحجية»، يتوددون إليك إذا كانوا فى حاجة إلى صوتك! لكنهم بعدها يتجاهلونك، ويستأثرون بالمغانم لأنفسهم، ويضربون مثلا بالانتخابات البرلمانية الأخيرة، وكيف استأثر أعضاؤهم بالوظائف المرموقة!
لو كان الإخوان المسلمين يظنون أن معظم مؤيدى شفيق من الفلول، فهم فى مشكلة! لأننى أعلم يقينا أن كثيرا منهم كانوا من مؤيدى الثورة. فقط هم يخشون إذا أمسك الإخوان بكل مفاصل الحكم، أن تصبح المناصب القيادية حكرا عليهم.
هذه لحظة الحقيقة. اليوم أدرك الإخوان أنهم فى أشد الحاجة إلى أصوات الشعب المصري. فهل أدركوا أيضا أننا لسنا أداة استخدام! ولن يقبل الشعب أن يظل «مفعولا به» إلى الأبد!؟
كان انحيازهم لبعضهم البعض مقبولا على المستوى الإنسانى فى فترة المحنة! ولكن تغيرت الظروف!. إذا كان الشاعر الوثنى يقولها فى شمم: «أغشى الوغى وأعف عند المغنم»، فماذا عن أهل التوحيد المتطلعين إلى ثواب الآخرة؟
أنا لا ألومهم على أنهم ينتمون لبعضهم البعض أكثر مما ينتمون إلينا. ولكن الحب شىء والمحاباة شىء آخر. لو وقر فى قلوبنا تواضعهم، وفى عقولنا عدالتهم، لكانت نحورنا اليوم فداءهم.
وأنا استمعت إلى تعهدات الدكتور مرسى. ولكن المسألة ليست فى تعهدات يقدمونها، وإنما فى تغيير حقيقى فى طريقة تفكيرهم. أقولها بحكمة رجل شارف الخمسين، توجد لحظات فارقة فى حياة الإنسان، يُقرّ فيها أنه مخطئ، وأنه يجب أن يتغير، وأن الكون لن يُغيّر نواميسه لمجرد إرضائه، وأن الناس ليسوا أباك وأمك!.
ربّ إنسان عاش ومات دون أن يواجه نفسه مرة واحدة. لا تكونوا مثل مبارك الذى ظل لآخر لحظة يعتقد أنه الوحيد الذى على حق، وحتى اللحظة ما زال يعاند.
أعظهم، وأعظ نفسى، أن يتأملوا فى هذا الكلام مليا، وألّا يغضبوا. فالإنسان مفطور على الانحياز لنفسه والغضب لذاته والاعتقاد فى سلامة مواقفه وصحة أفكاره.
أعرف جيدا أنهم ضحايا الغرف المغلقة على خلّانٍ لهم يشاركونهم نفس المشرب! وضحايا ثقافة الحصار التى وضعهم فيها النظام السابق، وضحايا الردود النفسية الدفاعية التى حتّمت عليهم الإعلاء من قيمة أنفسهم، ولكن تبقى الحقيقة التالية: الانحياز للنفس لا ينطوى على أى بطولة، وأبسط الناس قادرون على ذلك!
أما المتعطشون إلى البطولة، المتطلعون إلى العظمة، فهم وحدهم القادرون على فتح نوافذ الحقيقة واستنشاق الهواء النقى. المرضى يهابون فتح النوافذ، ويستسهلون استنشاق الهواء الراكد. أما من يفتح الشباك، فى عنفوان العواصف، فتلك علامة الصحة المتوثبة، ودليل مؤكد على قدوم العافية.
يفوز الإخوان المسلمين أو لا يفوزون، ليست تلك هى القضية. وإنما أن يراجعوا أنفسهم، ويعترفوا بأخطائهم، فما يزيدهم الاعتذار إلا عزاً.