مريم فى الولايات المتحدة

أيمن الجندي الثلاثاء 29-05-2012 21:32

لدىّ كم هائل من إبداعات السادة القراء شديدة التميز. معظمها من شباب غض يُفرح القلب فعلا. أستأذنكم أن أنشر خلال الأسابيع المقبلة أكبر عدد ممكن منها، لأننى أفهم جيدا ماذا يعنى النشر فى صحيفة ذائعة الانتشار بالنسبة لكاتب يبحث عن فرصته! وكيف يُمثّل له ذلك دفعة معنوية هائلة فى مواصلة الإبداع والكتابة. لا أريد أن أنسى أننى كنت ذات يوم قريب كاتبا مغمورا لا يسمع عنه أحد، وكان منتهى أملى أن يُنشر لى مقال واحد فى «المصرى اليوم»، أوسع الصحف انتشاراً! ولكن ربك الرحمن يُعطيك حتى يُدهشك!.

وموعدنا اليوم مع «مريم مصطفى». وهى فتاة مصرية فى السابعة عشرة من عمرها المثمر إن شاء الله. تقيم حاليا فى الولايات المتحدة. أرسلت لى هذه الرسالة المميزة، وتتمنى أن يُقدّر المصريون قيمة بلدهم ويخافوا عليها، لأنه لا أحد يشعر بقيمة مصر إلا من احترق بنار البعاد عنها.

تقول الرسالة: «كان كل شىء هادئا ويسير كما هو مُخطط له. لم تشعر بالندم أو الخوف أو الرهبة أثناء سعيها لإنهاء إجراءات السفر. لكن عندما صعدت سلم الطائرة وجلست فى مقعدها أدركت لأول مرة أنها ستترك كل شيء: الشوارع التى كانت تسير فيها، والمحلات التجارية والأغانى والأفلام وضحك الصديقات وحكايات الجيران وزيارات الأقارب! كل هذا سيتوقف!.

شريط الذكريات الجميلة استعادته فى أقل من دقيقة. تذكرت أنها لم تود السفر لبلاد الفرنجة قط! كانت دموعها تنهمر كلما شرع أهلها فى الحديث عن إمكانية سفرها.

صدقت داليدا: «كنا بنقول إن الفراق ده مستحيل! وكل دمعة على الخدين كانت بتسيل». مثلها كانت تحسب أنها ستبقى طوال العمر فى بلدها رغم الظروف الصعبة.

لحظة الوداع كان جيرانها وصديقاتها يبكون بحرارة. قبل أن تنهمر دموعها أثناء إقلاع الطائرة تذكّرت كلام والدتها: «لسنا ذاهبين لنبقى هناك للأبد. نحن فى مهمة. تُكملون دراستكم ثم نعود فورا! فحياتنا هناك وكل من نحب هناك، ينتظروننا لنعود لهم مرفوعى الرأس».

هدأ كلام والدتها من روعها، لكنها لم تستطع منع دموعها التى انهمرت كقطرات الندى الرقيق على أوراق الشجر. نامت من ملل الرحلة، ولم تكن تستيقظ إلا لتأكل. حينما أعلنت المضيفة عن الوصول إلى مطار بلاد العجائب، وهبطت الطائرة بسلام بعد رحلة طويلة ومرهقة. وبعد إنهاء الإجراءات خرجت ورأت الشوارع. أدهشها أنها لم تنبهر رغم الأضواء والنظافة! لم يرق لها النظام الزائد عن الحد من وجهة نظرها.

مرت الأيام وذهبت إلى المدرسة. كوّنت أصدقاء وتعرفت على أشخاص جدد. مرت بمواقف لم تكن تتخيل أن تمر بها! ولكن كانت فى العمق العميق دائما تحن لبلدها! لبيتها! لصديقاتها! لمدرستها القديمة! لشوارع تفتقد النظام ولكنها تضمّ ذكرياتها. لكنها فى نفس الوقت كانت تمتلئ بمعنى الآية الكريمة: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ}، والسبب أنها شعرت بقيمة بلدها، والأهم أنها بدأت تسعى لتحقيق حلمها، والمؤكد أنها مرت بتجربة لن تنساها ولا تنوى أن تُكرّرها.

aymanguindy@yahoo.com