وأنت ذاهب إلى لجنتك الانتخابية تذكّرها! اسمها «أم هند»، عاملة موسمية تعمل فى المستشفى الجامعى الذى أعمل به، واحدة من طابور الواقفات المستجديات! الجائعات العاريات! البائسات اليائسات! والعاملات الموسميات- لمن لا يعلم- هنّ عمالة غير مُثبتة، يُمنعن من التوقيع ثلاثة أيام فى الشهر، حتى لا يترتب لهن حق التثبيت. فحكومتنا الحنونة على المحظوظين، و«يصعب» عليها- يا حرام- أن يكون الأجر الشهرى خمسين ألف جنيها فقط، فتفتح أبواب الاستثناءات، هذه الحكومة ذاتها قاسية القلب على أم هند، وأمثال أم هند، فتمنحهن فى الشهر- ولا تسألنى كيف- تسعين جنيها!. اسمها أم هند، كل ما فيها قديم. ثوبها قديم، وجهها قديم، حزنها قديم! تأتى إلى العنبر فى الصباح الباكر، تحمل فقرها وحزنها، تدعك دورات المياه، تكنس العنابر، ترفع المخلفات، تنتظر الصدقات. المشكلة الوحيدة أن من يترددون على المستشفى الحكومى هم الآخرون ينتظرون الصدقات!. ولأن المصائب لا تأتى فرادى، فإنك تجد لمعظمهن ظروفا شخصية تهدّ الجبال! أم هند على سبيل المثال طلقها زوجها بعد أن أوسعها ضربا، وأخذ منها ما معها من مال!. لها ابنة مريضة بمرض عُضال. وثلاثة أطفال آخرون تعولهم بالكامل. السؤال المهم هنا: ما الذى جعل أم هند وملايين مثلها، يصلن إلى هذا الحال؟. السبب ليس نقص الموارد وإنما السياسات الظالمة التى أدت إلى غنى فاحش فى جهة يقابله فقر مدقع فى جهات. مليون عاملة موسمية فى تسعين جنيه يساوى تسعين مليون جنيه، مكسب أحمد عز فى بضعة أيام. من أجل زيادة أرصدتهم لآلاف الملايين أفقروا شعوبا من الفقراء! الفقر شىء رهيب يستنزف الكرامة، يجعلك شبه إنسان. والشىء الذى يُحيرنى شخصيا أنه لا توجد لهذه الأموال المتراكمة أى انعكاس على حياة أصحابها، بمعنى أنه بعد حد معين من الثروة، ولنقل خمسمائة مليون مثلا! يتحول الكسب إلى شهوة أرقام. مجرد رصيد فى البنك لا يعرف صاحبه مقداره بالضبط! لكنه لا ينعكس على رفاهيته، فللإنسان معدة واحدة وجسد واحد، ولا يستطيع أن يتواجد فى مكانين فى وقت واحد. أضف لذلك السؤال البديهى: ما هو الشىء الذى يشتريه الملياران ويعجز عن شرائه المليار؟. أستطيع أن أتصور لأم هند حياة بديلة مختلفة على طريقة الأفلام القديمة! هب أن سيدة بريطانية ثرية قد تبنتها ونقلتها إلى أوروبا. هب أنها تلقت تعليما ممتازا. هب أنها عوملت كإنسانة! ربما كانت ستحمل وقتها نفس الأنف الذى كتبته عليها الجينات. ولكنها بالتأكيد كانت ستصير إنسانة أخرى، ذات بشرة نضرة وكرامة وثقة واعتداد. ومن يدرى؟ ربما أصبحت طبيبة أو معلمة أو عالمة فضاء. أن تغتال حياة إنسان بالكامل، كان مرشحا لحياة سعيدة من حيث كونه إنسانا، فتلك هى السرقة التى لا تعادلها كافة السرقات. أم هند فى الغالب سيشترون صوتها فى الانتخابات! وربما أعطت صوتها لجلاديها. لكن أنت، أيها المتعلم، أرجوك أن تتذكر أم هند وأنت تفكر فى اختيار الرئيس القادم! تخيّر الرئيس الذى لا تؤدى سياساته إلى إنتاج أم هند بعشرات الملايين.
elguindy62@hotmail.com