«أنا» و«أنا الآخر» خيال علمى

أيمن الجندي السبت 19-05-2012 22:57

حينما يتوغل الليل، ويهدأ صخب المدينة، وأسمع أنفاس الناس تتردد فى الليل الصامت، وقتها فقط أنظر إلى القبة السماوية المرصعة بالنجوم، وأتساءل فى عجب: هل كان ما مررت به حقيقياً؟!

ولادتى كانت فى بيت جدتى. فى الغرفة المطلة على الحديقة الخلفية. منذ البداية كنت أبدو مختلفاً وغير طبيعى. لماذا أخالف قومى فى كل شىء: أرفع الملعقة بيدى اليسرى، وأسير إلى الخلف بدلاً من الأمام، وانطق الحروف بالعكس فتكون الكلمات شاذة غير طبيعية.

أخذتنى أمى إلى أطباء التخاطب، الذين حولونى بدورهم إلى أطباء المخ. قالوا إن الفص الأيمن فى مخى، المسؤول عن الجانب الأيسر من جسدى، طاغٍ ومسيطر على باقى مخى بعكس الطبيعى. منذ ذلك الحين عرفت أننى مختلف، وحياتى ستكون سلسلة من المتاعب. وفجأة جاءنى الفهم كومضة. كنت أتأمل انعكاسى فى المرآة حين فكرتُ أنه قد يكون هناك عالم مماثل لنا فى كل شىء، فى ناسه، وسياراته وشوارعه ومبانيه، يفعلون نفس ما نفعله فى نفس اللحظة، ولكن فى الاتجاه المعاكس. هناك يستخدمون- مثلى- يدهم اليسرى، ويسيرون إلى الخلف، وينطقون الكلمات بترتيب حروفى؟ لو صح هذا الظن فهذا معناه أنه قد حدث شىء أثناء ولادتى جعلنى أذهب إلى العالم الخطأ!

كاد رأسى يدور وأنا أفكر فى أنه فى الجانب الآخر، على مسافة خطوات فقط، يوجد «أنا آخر»، يشبهنى فى كل شىء: يكابد ما أكابد، ويعانى ما أعانى. يستخدم يده اليمنى فى عالم يستخدم اليد اليسرى، ويمشى إلى الأمام فى عالم يتحرك إلى الخلف! كلانا، «أنا» و«أنا الآخر»، غريب بين أهله وخلانه!

كدت أُجنُّ من التفكير. التفسير الوحيد أن مكان ولادتى كان -بمحض الصدفة- على الحدود الفاصلة بين العالمين. ثغرة بينهما سمحت بمرورى فى الاتجاه الخطأ لأعانى بقية حياتى. لم أتردد فى تصحيح الخطأ. ليس من أجلى فقط ولكن من أجل «أنا الآخر». الحل الوحيد أن أذهب إلى الحجرة التى وُلدت فيها فى بيت جدتى وأحاول أن أعبر الثغرة وأعود إلى عالمى الحقيقى. هكذا تسللت ذات ليلة هادئة إلى بيت جدى. ولم أكن أشك أنه يفعل الشىء نفسه، أليس هو بمثابة انعكاس صورتى فى المرآة!

بيت جدتى صار يعمره سكان آخرون. برغم ذلك جازفت. من حسن الحظ أننى كنت أحتفظ بالمفتاح معى، فهل لم يغيروا المفتاح أم أن الباب يتواطأ معى!. دخلتُ ولم يكن يراودنى شك أن «أنا الآخر» يفعل نفس الشىء فى العالم المعاكس. تسللت فى هدوء متحسساً طريقى إلى الغرفة التى شهدت ولادتى. عند هذا الجدار بالذات تقع الثغرة بين العالمين الأيمن والأيسر.

لم أكن أعرف هل سأستطيع! أتفكك إلى جزيئات وذرات! أتسلل عبر الفراغ الكائن بين الإلكترونيات! أعبر إلى الاتجاه الآخر. وبالتأكيد كان «أنا الآخر» يفعل مثلى، مغمض العينين، متوهج الروح، باحثاً عن الخلاص. وفجأة، فى لحظة ما، شاهدته كان نصفى هنا ونصفى هناك. وكان نصفه هناك ونصفه هنا. ابتسمنا لبعضنا البعض، فى لحظة خاطفة، منتزعة من الأبدية، قبل أن يدلف كل منا إلى عالمه المناسب.

aymanguindy@yahoo.com