أزمة الوزارة.. «الثقافة» لحم مصر المر (ملف خاص)

كتب: إسلام حامد الأربعاء 12-06-2013 20:35

كان الصديقان لا يفترقان، أحدهما ولد كفيف، والآخر مبصر، يعيشان فى شارع تحفه الأشجار والمنازل الأنيقة الملونة، والأرصفة المزينة بالزهور، والتخطيط الأنيق، لكن فى آخره توجد أرض ترابية جرداء بها نخلة وحيدة لا تطرح، وسور رمادى مهدم. كان الصديقان يقطعان الشارع سوياً كل يوم عشرات المرات.

فى يوم، مرض المبصر، فاضطر الكفيف أن يسير بمفرده فى الشارع، وعندما وصل عند الأرض الترابية، عاد إليه بصره للحظات رأى خلالها تفاصيل الأرض بنخلتها وسورها وترابها، ثم عاد إليه ظلامه. قابل الكفيف صديقه فى اليوم التالى، وروى له ما حدث، ففرح المبصر وسأله: «هل رأيت الزهور على الرصيفين»، فرد الكفيف: «نعم، فهى ذات ساق بنية اللون وطويلة وآخرها فروع خضراء باهتة»، فقال المبصر: «هذه النخلة»، ثم سأله: «هل رأيت الشارع وتخطيطه الأنيق؟»، فرد الكفيف: «نعم، وأرضه يملؤها التراب»، فقال المبصر: «هذه الأرض الجرداء»، ثم سأله: «هل رأيت المنازل الملونة الزاهية؟»، فقال الكفيف: «نعم فهى رمادية اللون، وبها أجزاء مهدمة»، فقال المبصر: «هذا السور، يبدو أنك لم تبصر سوى الأرض الجرداء، ولم تر الشارع الزاهى المبهج».

هل يعرف الإخوان تفاصيل الثقافة المصرية؟ هل شموا عطر زهورها، وتعدد ألوان مبانيها، وأناقة خطة نشرها التى وضعها ونفذها «ثروت عكاشة» أبو الثقافة الجماهيرية؟

هل يعلمون أن قرى مصر فى الستينيات كانت بها دور عرض سينمائى، وكل حديقة رئيسية فى المحافظات كانت تحتضن «كشك موسيقى» تعزف فيه فرق الموسيقى للمواطنين أيام الأجازات؟ هل قرأوا طه حسين، ونجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، وجمال حمدان، وأمل دنقل، وخالد محمد خالد، ونجيب سرور؟ هل شاهدوا لوحات حامد عويس ومحمد ناجى وسيف وأدهم وانلى ونازلى مدكور وإنجى أفلاطون وراغب عياد؟ هل سمعوا موسيقى أبوبكر خيرت وفؤاد الظاهرى؟ هل جلسوا «جماعة» للاستماع لأغنيات أم كلثوم وعبدالوهاب وسيد درويش ومحمد فوزى؟ هل شاهدوا أفلام عز الدين ذوالفقار وفطين عبدالوهاب وكمال الشيخ وتوفيق صالح وشادى عبدالسلام؟ هل وقفوا وهم أطفال يشاهدون عروض الأراجوز وخيال الظل ويسمعون راوى السيرة؟ هل غنوا بعد الإفطار «وحوى يا وحوى»، وقصوا زينة رمضان ولصقوها بعجينة النشا وهم يغنون «رمضان جانا وفرحنا به»، هل يعرفون أن البهجة والسعادة والفرحة وحتى الحزن مرتبطين بالغناء والموسيقى، فلا زراعة ولا بناء ولا صيد ولا تربية أطفال ولا زفاف دون غناء؟ نعم، الثقافة المصرية مريضة، تعانى من التدهور منذ رحل صاحب «العين تسمع والأذن ترى»، وظلت محبوسة لأعوام فى قبضة أمنية، لكنها مازالت تستحق الدفاع عنها، وعن تنوعها وعن تنوعنا، فلا يوجد تعريف دقيق للمصريين لكنهم معروفون بأكثر شعب يهضم الحضارات والتيارات المختلفة فى العالم، ولا يمكن حصره فى «نخلة وسور مهدم وأرض جرداء»، فالثقافة هى «الجزء المر» فى لحم جسد مصر، ومن يحاول التهامه يخسر كل تاريخه وحاضره، وربما مستقبله.

المزيد