رحلة ساندويتش (3)

أيمن الجندي الأحد 06-05-2012 21:00

لم أكن أعرف شيئاً عن جسم الإنسان حتى هذه اللحظة! وفجأة غمرنى فيض من علم، فعرفت كل شىء عنه.

يا إلهى! كم هى دقيقة هذه الموازين التى تحكم جسد الإنسان! لماذا اشتهى أن يأكلنى؟ هو لا يعرف، لكننى أعرف! حان موعد الطعام، أدركتْ المجسّات الدقيقة نقص نسبة السكر والدهون فى الدم، تقلصت جدران المعدة! أرسلت الإشارات إلى مركز الجوع فى المخ لتنبيهه، فأحس بالجوع.

كانت هذه هى أول مرة أشاهد تركيب فمه من الداخل. تقلصت عضلات الفك فراح يلوكنى، ويحركنى من جانب إلى جانب. وفجأة شعرت بالمطر يتساقط! أنا أعرف المطر! عرفته قمحا وعرفته دجاجة! لكن كيف تمطر السماء داخل فمه؟! كان هذا هو السؤال الذى يحيرنى. وفجأة عرفت أن فى فم الإنسان ثلاثة أزواج من الغدد تُمطر اللعاب، ليس لتُرطّب به الطعام فحسب، وتُسهّل ابتلاعه! بل تبدأ به عملية الهضم فعلا: فى اللعاب أنزيمات هاضمة تحوّل الكربوهيدرات والدهون إلى صورة أكثر بساطة!

كانت اللقمة قد تحولت الآن إلى كرة مستديرة مبللة! دفعها اللسان إلى الخلف بطريقة آلية. كان هو منشغلا بمشاهدة برامج الحوار التافهة عن ملاحظة المعجزة الربانية التى تحدث له. أما أنا فقد أصبحت الآن فى البلعوم. ألقيت نظرة عابرة فأصابنى الهلع. كان مجرى الطعام مغلقا، ومجرى التنفس مفتوحا. فعرفت أننى سأسقط فى الحنجرة وأسدّها، فيموت هذا الإنسان من الاختناق حين يبتلعنى. وودت أن أصرخ لأحذره، لكن ما حدث يفوق قدرتى على الوصف، ويتعدى بيانى.

بمجرد أن لمست الحلق نشطت مراكز البلع فى المخ، فنزلت بنعومة شديدة وأنا أرتجف! ها أنا ذا على وشك الدخول إلى جهازه التنفسى وإنهاء حياته. أثناء نزولى لمست فى رفق بالغ قطعة صغيرة اسمها «لسان المزمار»، بمجرد أن لمستها تحركت إلى أسفل وأغلقت فتحة الحنجرة! بالضبط قبل وصولى إليها. هكذا انسد الجهاز التنفسى، وانفتح طريقى إلى المرىء، ونجا المسكين من الاختناق.

كنت أرتجف من عظمة المعجزة التى حدثت أمامى! وأذوب فى عشق هذا الخالق المجيد! وشرعت أفكر: كم من ملايين المرات يبتلع فيها الإنسان طعاما أو شرابا، ولا يفطن إلى حجم المعجزة.

كنت من قبل أظن أننى أحب الله حبا لا مزيد عليه. حباً بدفء الشمس وهى تُنضج القمح، وبطعم القمح والدجاجة تأكله، ورائحة الخصوبة فى الحقول المُمطرة. لكنى، بعد أن شاهدت يدى القدرة الربانية وهى تعمل، وددتُ لو يتوقف الزمان لأظل ساجدة إلى يوم القيامة. سبحانك يا رب، أشهد أنك الخالق الواحد، والمحبوب الواحد. أحبك يا إلهى! أعبدك يا إلهى.

■ ■ ■

واصلت رحلتى إلى أسفل، كانت عضلات المرىء تنقبض وترتخى لتساعد هبوطى. لحظة نزولى إلى المعدة تراخت العضلة العاصرة عند التقاء المعدة بالمرىء كى تسمح بمرورى. هذه العضلة التى تسمح بذهاب الطعام فى اتجاه المعدة، وتمنع العصارة المعدية من الصعود للمرىء، وإذا ضعفت تسرب الحامض إلى المرىء، والتهب غشاؤه الرقيق، فيشعر الإنسان بالحموضة.

«غداً نكمل رحلة الساندويتش إن شاء الله».

aymanguindy@yahoo.com