كيف نختار رئيساً لمصر؟

منار الشوربجي الثلاثاء 01-05-2012 21:01

لست مع فكرة الرئيس التوافقى لسبب بسيط هو أنه لا يوجد أدنى استعداد عند أى من المرشحين، المعتبرين، للتنازل لغيره. ولا بأس فى أن يعتقد كل مرشح أنه الأجدر بالمنصب ما دمنا نحن المصريين سنخضعهم جميعاً طوال هذا الشهر لاختبارات عسيرة، إلى أن يقنعنا أحدهم بأنه الأصلح فعلاً لحكم مصر فى هذه اللحظة التاريخية. فالمسار الذى سنتخذه فى السنوات الأربع القادمة سيرسم شكل المستقبل ربما لعقود قادمة.

ومن ثم، تقع على عاتقنا كمواطنين مسؤولية جسيمة هى اختيار من يقود مصر فى هذه المرحلة. ولأن اختيار الرئيس قرار مصيرى، فلابد أن نأخذه بمنتهى الجدية. ولا يمكن للمرء أن يتخذ قراراً دون أن تتوفر له المعلومات الكافية. ومن ثم، فلنعتبر أننا خلال الأسابيع القادمة فى مهمة محددة هى الحصول على المعلومات التى لا تزال غائبة عن كل مرشح والضغط من أجل إتاحتها. ولنعتبر أنفسنا أيضا فى وضع المراقب الذى يعد على أولئك المرشحين أنفاسهم، وينتبه لكل ما يصدر عنهم من تصريحات وإيماءات.

ولعل نقطة البدء فى الحصول على المعلومات هى أن يقرأ المواطن البرامج الانتخابية للمرشحين، وإن كان لابد من توخى الحذر عند تقييم مدى أهميتها. فالبرنامج لابد أن يعامل باعتباره مجرد أداة من الأدوات التى يلجأ لها المواطن للمعرفة. وهى أداة قد تطلعنا على ملامح رؤية المرشح وأفكاره. لكن لا يجوز الاعتماد على البرنامج وحده كمعيار للحكم على المرشح. فمن السهل للغاية أن يجمع أى مرشح نخبة من أفضل الخبراء لتعد له برنامجاً عبقرياً، ثم إذا بنا نفاجأ حين يتولى الرئاسة بافتقاده المهارات التى تُمكّنه من تنفيذ حرف منه.

ولأن الأغلبية الكاسحة من برامج المرشحين تتبنى القضايا نفسها من الحرية والعدالة الاجتماعية لإصلاح التعليم والصحة، فإن العبرة ليست بالأكثر قدرة على تنفيذ هذه الفقرة أو تلك من البرنامج، وإنما بالأكثر قدرة على «القيادة». فالرئيس، بطبيعة منصبه، لا يتولى إنجاز التفاصيل وانما هو الذى يحدد الأولويات ويضبط إيقاع العمل ويوجه دفته بناء على رؤية واضحة يسهل من خلالها محاسبة المعنيين بالتفاصيل ومراجعة عملهم. ومن هنا، فالأهم من البرنامج عند اتخاذ قرارنا هو القدرات القيادية التى يتمتع بها كل مرشح. ولأن تلك القدرات كثيرة بعضها يصلح لزمن دون آخر، يلزم البحث عما تحتاجه مصر فى اللحظة الحالية من تاريخها. والحقيقة أن مشكلات مصر صارت من التعقيد بحيث لا يستطيع تيار سياسى بمفرده أن يتولى علاجها.

 فمصر اليوم ليست فقط فى حاجة لسواعد كل أبنائها وعقولهم، وإنما فى حاجة أيضا لتوليفة متكاملة من رؤى وأفكار التيارات المختلفة حتى تستطيع أن تقف على قدميها من جديد. وبناء على ذلك، فإن الاستقطاب السياسى الذى تعيشه مصر الآن هو أحد معوقات نهضتها، ولا سبيل للمضى للأمام دون وضع حد له. لذلك، فمن أهم مهارات القيادة على الإطلاق التى ينبغى توافرها فى الرئيس الجديد هى مهارة بناء التوافقات.

 فآخر ما نحتاجه هو رئيس تصادمى لا يجيد التعامل مع مخالفيه فى الرأى. فنحن نحتاج لمن يقدر على جمع الفرقاء حول مشروع وطنى جامع. نريد رئيسا يعرف الفارق بين الخصم والعدو، ومن ثم لا يعتبر منتقديه وخصومه، حتى الغلاظ منهم، أعداء ينبغى القضاء عليهم وإنما خصوما تجوز منافستهم وربما حتى هزيمتهم فى الانتخابات، ولكن يلزم أيضا التفاوض معهم.

والرئيس الذى لا يملك مهارات التوافق والقدرة على التفاعل مع خصومه السياسيين سيكون عبئا على بلادى. فهو سيأتى للحكم متصورا أن انتخاب الناس له معناه أنه من حقه أن ينفذ كل ما جاء فى برنامجه حرفيا، فى حين أن ما يحدث فى كل بلاد الدنيا هو أن ذلك البرنامج يصبح بمجرد تولى الرئيس موضع تفاوض مع خصومه، الذين يتولون مواقع قيادية أخرى للتوصل لحلول وسط.

وبإمكاننا التعرف على امتلاك المرشح لهذه المهارات عبر فحص تاريخه السياسى، لنعرف خبراته التوافقية وكيفية تعامله مع خصومه، وعبر مراقبة تصريحاته وحواراته الحالية، وكيف يتصرف حين يواجه بنقد شديد؟ هل يرغى ويزبد ويعتبر النقد تطاولاً على ذاته العليا؟

وهناك قدرات أخرى من المهم للغاية أن نعرف مدى توافرها لدى المرشحين لأنها تتعلق ببناء الديمقراطية. فهل لدى المرشح مثلا القدرة على الانعتاق من أسر دائرة مستشاريه والانفتاح على غيرهم، أم أن لديه الميل لأن يسجن نفسه وسط من يثق بهم فينعزل مع الوقت ويتحول مستشاروه إلى صناع القرار الفعليين والمصدر الوحيد للمعلومات والتحليل؟ وبإمكاننا معرفة ذلك عبر الإصرار على معرفة ما يقرأ المرشح، وما يطلع عليه من آراء خارج نطاق مستشاريه.

كل تلك وغيرها الكثير معلومات تساعدنا على الاختيار. لكن الأهم من كل معلومات الدنيا هو الذهنية التى نختار بها الرئيس. فهناك فارق ضخم بين أن نختار الرئيس ونحن نعتبره الفرعون الذى سيكون بيده كل شىء، وبين أن نختاره ونحن ندرك أننا ندفع راتبه. فاختيار فرعون يجعل معيارك فرعونيا وغير ديمقراطى، فتبحث عن «الأقوى ليمسك البلد». أما إذا فكرت بمنطق «صاحب المحل»، إذا جاز التعبير، فسيختلف معيارك تماما. فأنت حين تدفع راتب أجير لديك، فإنك تختبره قبل اختياره وتفحص سجله ومهاراته بدقة. ومتى بدأ عمله فإنك تراقبه وتحاسبه، فإذا لم يؤد الخدمة بكفاءة، فستقيله لا محالة وتبحث عن غيره. فيا أهل مصر، تذكروا، نحن «أصحاب المحل».