هيكل.. وحقيقة رأفت الهجان.. وشهادة صلاح نصر

حسنين كروم الثلاثاء 15-12-2009 23:04



مساء «الخميس» الماضى.. وبعد توقف عدة أشهر.. عاد أستاذنا الكبير محمد حسنين هيكل، ليُطل من شاشة قناة «الجزيرة» مستكملاً رائعته - تجربة حياة - وممهداً للطريق نحو 1973، ودائماً ما تثير أحاديثه وكتاباته العواصف، وينقسم المهتمون بها إلى فريقين.. الأول مُعجب به وبقدراته الهائلة فى جمع المعلومات وتقديم الوثائق وحجم اتصالاته ومتابعاته التى لاتزال مستمرة حتى الآن على أعلى المستويات، وعمق تحليلاته.. مع موقف سياسى لم يتزحزح عنه، والفريق الثانى مهاجم له بشكل شخصى دون أى رد على معلوماته ووثائقه، بمعلومات أو وثائق كتبها..
رغم أن هيكل كان يحرص دائماً على القول إنه يحكى فقط عما سمعه وشاهده، وشارك فيه واطلع وحصل عليه، ويُشير لمواقف يقول عنها «لم أكن حاضراً»، و«هناك آخرون أطراف فيها»، أى أنه يفتح الباب لروايات ووقائع لشهود آخرين، ومشكلة من يهاجمونه عجزهم عن الرد عليه بما ينفى رواياته التى ينكرونها.
وقام هيكل يوم «الخميس» الماضى بالرد بالوثائق على ما تعرض له من هجوم فى برنامج تليفزيونى من الفريق مرتجى، ورغم قوة الضربة التى وجهها بالوثائق، فقد كان بالغ الرقة والتقدير وهو يُشيد بمرتجى، كما أعاد التأكيد على ما سبق أن أشار إليه فى حلقة «الخميس» 28 مايو الماضى، من أنه لم تصل إلينا معلومات عن ضربة الطيران فى 5 يونيو 1967 من مصادر داخل إسرائيل لها قيمة، وأن الفريق محمد أحمد صادق، الذى كان مديراً للمخابرات الحربية وقتها،
أكد فى تقرير له عدم وصول أى معلومات، وكان هيكل قد قال فى حلقة 28 مايو إنه لم يكن لنا عملاء لهم قيمة داخل إسرائيل إلا فى المسرحيات والمسلسلات، وكان هذا تلميحاً إلى عملية زرع رأفت الهجان من جانب المخابرات العامة داخل إسرائيل، ثم ما تردد بأنه أرسل تحذيراً بوقوع الهجوم الجوى ضدنا فى 5 يونيو.
وفى حقيقة الأمر، فإن هيكل كان ولا يزال يبدى حرصه الشديد فى الإشادة بجهازين من أجهزة الدولة، هما القوات المسلحة والمخابرات العامة، بدليل أنه جدد الإشادة فى حلقة «الخميس» الماضى بهما. وبالتالى تبقى حكاية رأفت الهجان هى المعلقة وقبلها الإنذار بالهجوم الجوى الإسرائيلى.
وهل هو الذى أرسله، أم غيره؟ ومن البداية، لابد من الاحتياط للأمر بالتأكيد على أن هيكل لم يشر صراحة للهجان، وإنما لمسرحيات ومسلسلات، وبالتالى يصعب الجزم بأنه يقصده.. وفيما يختص بالعملية وبعيداً عن المسلسل، فقد أكدها من شاركوا فى إعداد «الهجان»، وزرعه داخل إسرائيل، سواء من ضباط المخابرات أو من وزير الداخلية الأسبق اللواء أحمد رشدى، كما أكدها قبل وفاته أمين هويدى - عليه رحمة الله - مدير المخابرات العامة وزير الحربية الأسبق.
وتبقى حكاية الإنذار بالهجوم وهل هو الذى أرسله للمخابرات العامة، أم غيره؟ ومن المعروف أن العملية بدأت واستمرت أثناء رئاسة المرحوم صلاح نصر، مدير المخابرات العامة الأسبق - عليه رحمة الله - والذى يعنينا الآن التأكيد عليه حقيقة أن المخابرات العامة بواسطة مديرها قد أرسلت تقريراً حذرت فيه من قيام إسرائيل بهجوم جوى فى الفترة من 2 - 5 يونيو، وأرسلته لعبدالناصر، وعبدالحكيم عامر، ومما قاله صلاح بالنص:
«ليس هناك إنسان يستطيع أن يقول إن إسرائيل ستضرب ضربتها يوم كذا، الساعة كذا، لقد كان يمكن أن تبدأ هذه الحرب يوم 4. كان يمكن أن تبدأ من 2 يونيو، وإنما يُقال إن إسرائيل ستشن الحرب فى بحر 24 ساعة، أو فى 48 ساعة، أو فى 72 ساعة، إذا فأنت فى حالة حرب منذ أن تتلقى هذا الإنذار، وهذا ما حدث.. لقد قلنا إن إسرائيل ستهجم فى مدة 72 ساعة، أى لابد أن نستعد ابتداء من هذه الفترة، وحتى الـ72 القادمة، ونكون فى حالة استنفار استعداداً لبدء الحرب».
ولقد حاولت وقتها الإلحاح عليه لمعرفة مصدر المعلومات لأنها إذا كانت جادة، فلماذا لم يستعد لها قائد الطيران المرحوم الفريق صدقى محمود، رغم حضوره الاجتماع الذى ترأسه عبدالناصر مساء «الجمعة» 2 يونيو وأخبره بالإنذار بالهجوم فى مدة 72 ساعة، فلم يجب، وإن كان بعد صدور الكتاب قد قال لى: «وصلتنا هذه المعلومات عن طريق المخابرات»،
وأشار إلى اسم دولة أوروبية غربية، ولكننى تشككت فى كلامه، لأنه يستحيل أن يكشف عن المصدر، فأراد التخلص من إلحاحى عليه، وإرضائى فى نفس الوقت وطلب أن يكون ذلك سراً بيننا!! المهم أنه كان ما كان من حدوث الهجوم صباح «5 يونيو»،
وقال عن هذا اليوم: «جاء إلى مدير مكتبى الذى أبلغته المخابرات الحربية عقب الهجوم الإسرائيلى بالنتيجة، وأبلغنى أن الطيران الإسرائيلى قام بضرب المطارات والطيران، وكما تعلم أن هذا كان فى الثامنة وخمسة وأربعين دقيقة، فاتصلت باللواء محمد أحمد صادق، مدير المخابرات الحربية لأعرف منه نتيجة الهجوم، فهذا من اختصاصه ولا أنسى التعبير الذى قاله لى فى التليفون:
- البقية فى حياتك فى الطيران.
وعلمت منه أن قوة طيراننا قد دُمرت، وضُربت جميع المطارات، وكان معى بعض مساعدىّ فى المكتب، وأحسست فوراً أننا خسرنا الحرب، فقد تصورت كيف ستقاتل قواتنا فى سيناء فى أرض مكشوفة دون مظلة جوية، وتخيلت الكارثة ولم أشأ أن أعبر عن مكنون نفسى لمساعدىّ حتى لا أؤثر على معنوياتهم، وكان عبدالناصر قد توجه إلى القيادة العامة للقوات المسلحة فاتصلت به هناك، وسألته إذا كان يُريدنى أن أتوجه إلى القيادة، ولكنه طلب منى أن أبقى فى مكتبى انتظاراً لأى تعليمات».
هذه هى رواية صلاح نصر، الصادرة فى الطبعتين الأولى والثانية المجازتين من المخابرات، أما بالنسبة للفريق صادق، فرغم تعرفى عليه فى بداية الثمانينيات ومقابلات كثيرة معه فى منزله بشارع «شجرة الدُر» بالزمالك، وكان قد عُزل من منصبه كوزير للدفاع فى أكتوبر عام 1972، ونشوء صداقة بيننا سمحت بأن يتطرق إلى موضوعات كثيرة، كان منها اجتماع القيادة يوم «الجمعة» 2 يونيو، وما دار بينه وبين قائد الطيران الفريق صدقى محمود، بعد انتهائه، ليس مكانها الآن - فإننا أمام موضوع آخر أثاره الأستاذ هيكل.