«آلاف من الجنود من فرق القوات الخاصة، يطلق عليها الميليشيات الشبح، تعمل بشعب سرية بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سى آى إيه)، وميدان عملهم أكثر من 100 دولة حول العالم، ويمولون بميزانيات سوداء خفية لا يستطيع أحد رصدها».. ما سبق هو مضمون «إعلان أمريكى بشن حرب خفية على العالم» رصده الصحفي الأمريكي جيرمى سكاهيل فى كتابه (الحروب القذرة: العالم ساحة المعركة) الصادر عن دار (نيشن) الأمريكية فى 23 إبريل الماضى.
ويعود «سكاهيل»، بهذا الكتاب، الذى يتصدر المبيعات على موقع الكتب العالمى «أمازون» لممارسة هوايته بكشف فضائح الإدارة الأمريكية بعد أن تصدر كتابه السابق «بلاك ووتر» المبيعات حين صدوره، وكان قد كشف فيه عن جرائم الميليشيات الأمريكية الخاصة.
ومن أفغانستان إلى اليمن والصومال وحتى مالى على الساحل الأفريقى يكشف «الحروب القذرة» الآثار المترتبة على إعلان أمريكا العالم ساحة المعركة، حيث يغوص فى أعماق ما يسميه «آلة القتل الأمريكية» قبل أن يقفز إلى الخطوط الأمامية فى معاركها السرية، التى تدور رحاها فى الخفاء بعيدا عن الإعلام، ودون رقابة الكونجرس.
والكتاب انتقال وسائطى لفيلم وثائقى لنفس المؤلف بنفس العنوان رصد فيه بالصوت والصورة الحروب القذرة وضحايا الغارات الليلية والسجون السرية، وهجمات صواريخ كروز وهجمات الطائرات دون طيار.
يقول سيمور هيرش، الصحفى الأمريكى البارز: «الحروب القذرة التاريخ الأكثر شمولا وحجية عن أسباب وعواقب الصراع فى أمريكا بعد 11 سبتمبر، وعلى مدى أكثر من عقد من الزمان، وقد زار مؤلف الكتاب مناطق الحرب العلنية والسرية، وأجرى مقابلات مع الجنود، والأشباح، والجهاديين، والضحايا، ونظر بعينيه ثمار حمى الحرب الأمريكية، لقد خاطر بحياته مرات عديدة على مدى سنوات لكتابة هذا الكتاب، والنتيجة هى تحفة من الحقيقة، والصحافة، والوطنية الحقيقية».
الإطراء نفسه قدمه كريس هايز، الصحفى الأمريكى اللامع: «الحروب القذرة ليس تاريخاً لعقد كامل من الحرب فقط، ولكنه يأخذنا إلى داخل البيت الأبيض إلى الجانب المظلم لديك تشينى، نائب الرئيس الأمريكى السابق، ويخبرنا بتفاصيل مقنعة ومعلومات جديدة كثيرا، عما تم إنجازه باسم أمريكا منذ 11 سبتمبر».
وفى لقاء تليفزيونى استضافه البرنامج الإخبارى الأمريكى المستقل «الديمقراطية الآن»، الذى تقدمه الصحفية إيمى جودمان كشف «سكاهيل» حقيقة البيت الأبيض، ودوره فى الحرب القذرة، وقال عُرف جورج بوش بأنه شديد التطرف شديد اليمينية، وكان إمبراطوراً للحروب فى العراق وأفغانستان، وقبلهما أعلن الحرب على الإرهاب، وأنشأ معتقل جوانتانامو، فى حين ظهر خلفه باراك أوباما كحمل وديع صاحب وجه تصالحى، ولكن فى الكتاب تظهر الحقيقة الدموية لباراك أوباما، التى تفوق عهد بوش بمراحل.
الجدير أن فرق الاغتيالات فى عهد بوش، كان عددها لا يتجاوز 5 آلاف، ولكن فى عهد أوباما أصبحت 25 ألفا، وفى اليوم الذى ألقى فيه أوباما خطاب تنصيبه فى يناير عام 2009 قال إن السلام فى العالم لا يتطلب شن مزيد من الحروب، وذكر العراق وأفغانستان، ولكنه لم يذكر الحروب الخفية والهجمات السرية، التى تشنها الطائرات دون طيار، التى ارتفعت فى عهده إلى نحو قياسى شمل عدة آلاف من الهجمات.
ويقول «سكاهيل» إن أوباما عزز صلاحيات «سى آى إيه»، وفرق العمليات الخاصة لتعمل خارج البلاد، ورفع القيود عن ضربات الطائرات دون طيار، وأصبحت الحرب الخفية مفتوحة على كل ساحة فى العالم.
ويكشف صاحب كتاب «الحروب القذرة»، عن أن الجنرال الأمريكى جون برانون، العقل المدبر لبرنامج القصف باستخدام الطائرات دون طيار، وأمثاله يجلسون فى مقاعدهم فى البيت الأبيض كل ثلاثاء فى اجتماع يطلقون عليه «ثلاثاء الإرهاب» ليقرروا من يعيش ومن يموت على كوكب الأرض، حسب تعبيره.
وفى هذا الاجتماع يضعون لائحة بالأهداف المحتملة، ويضعونها على كروت لعبة البيسبول، ثم يحددون من يريدون قتله، ويضعونهم على قائمة الاغتيالات الأمريكية، وتلك القائمة فى ازدياد مستمر، وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 كان على هذه القائمة 7 أشخاص فقط، ثم ضمت القائمة قيادات بالعراق وأفغانستان، ولكن هذه القائمة الآن فى عهد أوباما تحوى آلاف الأسماء، وتضم مواطنين أمريكيين، ولا أحد يعلم عنهم شيئا، وبالفعل تم الإعلان مؤخرا عن 3 قتلى أمريكيين فى هذه الغارات فى اليمن.
ويكشف الصحفى الأمريكى عن فظائع تشير إلى كوارث الحرب القذرة، ومنها روايته بالصوت والصورة عن مقابلة قام بها مع عائلة أفغانية من ضحايا الميليشيات الأمريكية الشبحية، حيث قتل 5 أشخاص، بينهم 3 نساء، اثنتان منهن على وشك الولادة، نتيجة معلومات مضللة قدمت إلى فريق العمليات الخاصة، الذى داهم منزل العائلة قبل أن يتضح أن الضحايا أبرياء، وقامت القوات الخاصة بانتزاع الرصاصات من أجساد الضحايا، وأخرجوا كاميرات الفيديو، وصيغت رواية جديدة تقول إن ما حدث كان نوعاً من جرائم الشرف.
ويرسخ ذلك المعنى المقصود إذن، حسب المؤلف، أن العالم الآن أصبح ساحة للحرب الخفية الأمريكية، حيث تستطيع الولايات المتحدة أن توجه ضربة لأى دولة فى العالم تشك أو تشتبه فى قيامها بنشاط إرهابى.
وهذا ما يطلق عليه «الهجوم وفقا للنمط»، حيث أصدر أوباما قرارات بشن هجمات على أشخاص فى اليمن وباكستان لا يعلم عنهم شيئا، وتقوم سياسة «الهجوم وفقا للنمط» على تحديد أشخاص بناء على معلومات عن العمر والموقع الجغرافى والنوع، وتنفيذ الهدف دون أن تتوافر معلومات حول الشخص المستهدف أو فكره أو الإرهاب الذى قام به، ولمجرد أنهم اتصلوا بأشخاص معينين، أو سافروا إلى مناطق معينة تعتبرها الولايات المتحدة مشبوهة بالإرهاب، يصدر البيت الأبيض أوامره لاتخاذ إجراء وقائى ضده، وهذا الإجراء الوقائى يعنى اغتياله عن طريق استخدام الصواريخ.
يقول مؤلف الكتاب: كل هذه الاغتيالات تتطلب تصريح أوباما، ولكن مؤخرا وسع الرئيس الأمريكى صلاحيات «سى آى إيه»، وطلب منها تنفيذ هذه العمليات حتى دون إبلاغه، وهذا بحسب ما علمت من مصادرى فى «سى آى إيه».
«الحروب القذرة» يكشف مئات من العمليات السرية الخاصة بدعم من البيت الأبيض تقوم بها وحدات سرية نطاق عملها اتساع هذا الكوكب، ولديها مئات من القوائم بالأهداف حول العالم، وهناك أيضا ضحايا كثيرون يتم قتلهم بالخطأ. ويختم «سكاهيل» حديثه بقوله: «لقد خلقنا قوة مدمرة ستظل تبحث عن أهداف لاصطيادها، وسيستمر ذلك لأجيال وأجيال».