قبل 10 سنوات أسس المهندس صلاح دياب جريدة «المصرى اليوم»، بدعم وترحيب ومباركة من كامل توفيق دياب، وجاء تأسيس الصحيفة لأكثر من سبب، أولها إحياء وتجديد لمسيرة صحفية رائدة لواحد من الرواد فى تاريخ الصحافة المصرية هو توفيق دياب، الذى أسس أكثر من صحيفة بين عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضى، وكان أكثرها شهرة وبقاء جريدة «الجهاد»، وثانيها رغبة المهندس صلاح دياب فى أداء رسالة اجتماعية وخدمية ومعرفية من خلال صحيفة يومية مستقلة مختلفة.
ومن المدهش أن دياب، طوال هذه السنوات، لم ينشر كلمة فيها، ولم تنشر عنه كلمة، ولم تنشر له إلا صورة واحدة، وحتى حين تعرض لهجمة شرسة من صحف قومية، فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، لم يلجأ إلى منبره الخاص للرد على هذه الحملة، ولذلك فقد تردد فى الموافقة على إجراء أول حوار له على صفحات الجريدة.
فى بداية الجلسة قلت له إننى سأجرى معه الحوار وكأنه لصحيفة أخرى، وعليه أن يتحملنى، لأن من سيقرأ حواراً له فى صحيفته، سيتوقع افتقاره أو خلوه من أى أسئلة اشتباكية، وأنه سيميل إلى المجاملة، غير أن هذا يجافى ما حدث بالفعل، ورغم أننا نحتفل بدخول «المصرى اليوم» عيدها العاشر، فكان من الطبيعى أن يكون مجمل الحوار أشبه بتحية للرجل على نجاح تجربته، إلا أن الحوار خرج عن هذا السياق، لدرجة دفعت المهندس صلاح دياب إلى أن يصف أسئلتى بأنها مستفزة و«غلسة»، بل وطريقة طرحها مستفزة أيضا، حيث لم نتجنب فى الحوار ما يمكن وصفه بأنه موضع حرج، إلا أنه فاجأنا بالإجابة دون مواربة أو دبلوماسية أو مجاملة لأحد، خاصة أنه- دياب- يكره المجاملة المهنية، ويعتبرها من مساوئ الصحافة، بل ويعترف بوجود بعضها فى جريدته، ويتمنى أن تتخلص منها تماما... وإلى نص الحوار:
■ قيل إن تجربة إصدار الجريدة ولدت فى وقت كانت به حالة ركود وثبات فى سوق الصحافة، وأنك استثمرت هذا المناخ لإصدار صحيفة مختلفة، بينما غاب عنك إحياء تجربة صحفية عريقة ورائدة هى تجربة جدك توفيق دياب التى كنت واقعاً تحت تأثيرها؟
- لم يكن حلم إصدار الصحيفة حلماً فردياً فقط، وإنما تم بدعم كامل وتمويل ومباركة كامل بك دياب، وأنا لا أنكر تأثير البيئة التى عشت فيها علىّ، مثل أى شخص ينشأ فى أسرة تمتهن الصناعة، أو التجارة، أو حتى النجارة، ولما كانت مهنة عميد أسرة دياب هى الصحافة وكان من روادها وأعمدتها وأصدر الكثير من الصحف، أشهرها وآخرها صحيفة الجهاد، كان من الطبيعى وأنا أنشأ فى هذا المناخ أن أتأثر به، خاصة أننى تربيت فى كنف توفيق دياب، وقد انتقل هذا التأثير إلى أسرتى كلها، فكان من الطبيعى أن تراودنا فكرة تأسيس صحيفة تستعيد وتكرس وتوثق وتمثل امتداداً معاصراً لما مضى، كما أن علاقاتى الحميمة بكبار الصحفيين، أمثال الأستاذ محمد حسنين هيكل، والأخوين على ومصطفى أمين، وغيرهم كثيرون، انعكست على قناعاتى، وكانت دافعاً لتأسيس «المصرى اليوم» فى نهاية المطاف، وحين أتيحت الفرصة لإصدار صحيفة استثمرتها، وكان هناك شخص فى جريدة الأهرام لديه ترخيص بصحيفة اسمها «الزمان» علمت أنه يعرضه للبيع، وكنت فى البداية متردداً فى شرائه لأحقق حلمى بإصدار الصحيفة، إلى أن تم الاستغناء عن الكاتب الراحل مجدى مهنا فى جريدة الوفد، فشعرت بينى وبين نفسى بأن الاستغناء عنه جاء على خلفية معلومات عن مشروعات انتقدتها فى حضوره ليكتب عنها مثل صفقة «ميدور» التى تخص رجل الأعمال حسين سالم، فكتب عنها سلسلة مقالات فى عهد حسنى مبارك قبل الثورة بزمن، وقد أعدنا نشرها فى «المصرى اليوم» بعد الثورة، وشعرت بعد الاستغناء عنه بتأنيب ضمير، فبادرت بشراء ترخيص صحيفة الزمان، وطلبت من مجدى مهنا- رحمه الله- أن يترأس تحرير الصحيفة التى أصبح اسمها «المصرى اليوم»، وبدأت أتساءل من الذى يستطيع تأسيس هذه الصحيفة بالمعايير المهنية والصحفية الحديثة بالمعنى المستقل، حتى وقع اختيارى على هشام قاسم الذى تتوفر فيه هذه الشروط، وهو الذى اختار أنور الهوارى كأول رئيس تحرير للصحيفة، والأخير هو الذى اختار فريق العمل المستمر بها حتى الآن، كما اختار مجدى الجلاد الذى كان الرجل الثانى بعده، ولذلك عندما ترك الهوارى الصحيفة، كان من الطبيعى أن يخلفه الجلاد، ولم يكن هناك ما يحول دون ذلك.
■ هناك أشخاص لهم وزنهم فى المهنة مثل الكاتب الصحفى الكبير صلاح منتصر، ومنصور حسن، وزير الإعلام الأسبق، وآخرون حذروك من مغامرة إصدار صحيفة، بل اعتبروا الأمر تهوراً وأنها ستفشل، ومع ذلك مضيت قدماً فى التجربة، فما مبعث إصرارك فى ذلك الوقت؟
- نعم حدث ذلك، لكننى كنت مصراً على تأسيس صحيفة مختلفة وتجربة مختلفة، وفى ذلك الوقت كانت كل الصحف الخاصة أو الحزبية تصدر أسبوعياً، ورأيت أن الجديد هو إصدار صحيفة مستقلة يومية لكى أحقق شيئاً جديداً وإضافة جديدة، ولذلك كانت «المصرى اليوم» أول صحيفة مستقلة يومية بعد جريدة الأخبار التى صدرت فى أول الخمسينيات «شوف بقى كم سنة»، وكان هذا مكمن الاختلاف، وقد بدأ حلمى بها متواضعاً فلم أحلم مثلاً بأن تكون أعلى الصحف توزيعاً فى مصر مثلما هى الآن، وإنما كان حلمى أن تبيع فى البداية من 3 إلى 5 آلاف نسخة، وأن يصل توزيعنا إلى مستوى توزيع جريدة الوفد التى كانت توزع 40 ألف نسخة، فإذا بنا نصل إلى 600 ألف نسخة مع بدايات الثورة.
■ وما مستوى التوزيع الآن؟
- رغم الانخفاض العام فى توزيع الصحف، فإننا مازلنا الأعلى توزيعاً، ونسبق الأهرام والأخبار، وهذا مقياس مشرف.
■ وما أسباب هذا النجاح فى تصورك؟
- أنها لم تكن صحيفة مجاملة، ولا توجد مجاملات فى الإدارة أو التحرير، ولذلك حافظت على هذا النجاح وظلت فى الصدارة.
■ الصحيفة واجهت مع بداية صدورها الكثير من الشائعات، ومنها أنك أصدرتها لـ «التخديم» على مصالحك كرجل أعمال... ما ردك؟
- حين أسستها كنت على علاقة بالكثير من المسؤولين، خاصة بعد أن شجع الدكتور كمال الجنزورى، رئيس مجلس الوزراء فى ذلك الوقت، كل رجال الأعمال على الاتصال بالدولة، وأيضاً كانت لى علاقات من قبله ومن بعده، وقبل صدور الصحيفة بـ10 سنوات، إذن لم تكن لدى مشكلة فيما يتصل بعلاقاتى، وكنت متحققا كرجل أعمال، بمعنى أننى لم أكن فى حاجة لما «يخدِّم» على مصالحى من خلال منبر إعلامى، ولم أستفد منها بأن استوليت على مصنع مثلا عبر الخصخصة، ولم أشتر شيئا من الدولة، بل لم أتعامل مع الدولة حتى الآن، والمرة أو المرتان اللتان تعاملت فيهما مع الدولة، كانتا من خلال مزادات علنية وعالمية، فلا الدولة خصخصت لى شيئا، ولا منحتنى حق انتفاع بشىء ما، والدليل على هذا أنه خلال السنوات التسع الماضية لم تنشر لى صورة فى الجريدة، ولم تجر معى حواراً، وهذا هو أول حوار تجريه معى وكنت متردداً بشأنه، ولم ينشر لى فيها تصريح واحد، وبالمناسبة مع الوقت تتطور المعايير والأهداف للمؤسسة، وأتمنى أن تتحول إلى مؤسسة لا تهدف إلى الربح، وسنتركها يوماً ما كمنبر للرأى المستقل الحر الذى يخدم كل المصريين، وأنا أعمل فى القطاع الخاص بما يحقق مصالحى ومصالح من يعملون معى، لكن فى نفس الوقت لا يمكننى إغفال الخدمة العامة والعمل العام، فهذه ضريبة يجب أن تؤدى، وقد بدأت فى الخدمة العامة منذ أكثر من 20 عاما حين أقمنا فى قرية سنهوت التابعة لمركز منيا القمح فى الشرقية 6 مدارس، ومعهداً دينياً، ومستوصفات، وجمعية استهلاكية كبرى، ومساجد، وجمعيات خيرية، ولم يصاحب هذا أو يعقبه السعى لدخول البرلمان، وإنما كان لوجه الله والوطن، وهذا النهج أريد أن أتبعه مع «المصرى اليوم» من حيث تطويرها وتحويلها إلى مؤسسة لا تهدف للربح، وهذا يوازى فى أهميته وربما يفوق أهمية ما أنجزناه من عمل أهلى، لأن للصحيفة دوراً اجتماعياً ومعرفياً وخدمياً، باعتبار أننا أسسناها لتكون فى خندق الشعب لخدمة المواطن البسيط أولاً.
■ لكن الجريدة نشرت لك صورة فى الصفحة الأولى فى أحد الأعداد؟
- نعم حدث ذلك مرة واحدة حين وجه لى اتهام من النيابة بشىء ما، وسألنى رئيس التحرير هل ينشر الخبر أم لا؟ فقلت له إنه من الطبيعى أن ينشره، وبالفعل نشره فى الصفحة الأولى، فهل هكذا «خدّمت على مصالحى».
■ وماذا عن اتهامها بأنها صدرت بدعم وتشجيع أمريكى، وما ساعد على هذا الاتهام زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، مادلين أولبرايت، لمقرها، كما نشرت جريدة الأهرام مقالات تتهمها باعتبارها إحدى صحف الاختراق؟
- أنا لا أملك الصحيفة بمفردى، وإنما هى شركة مساهمة وأنا متخوف منذ تأسيسها لمثل هذا الاتهام يوماً ما، ولذلك حينما كنا نرفع رأس المال فى أكثر من مناسبة، لم نكن نسمح لأحد بأن يضع 100 ألف جنيه نقداً داخل المؤسسة، وكل ما دخل المؤسسة كان بشيكات معلومة الأصل، وكل مليم له شهادة ميلاد ومعروف من دفعه، وعن طريق أى بنك، وكيف دخل، وأين، وميزانياتنا موجودة، وحكاية الدعم أو التمويل الأجنبى شىء مستهجن جداً، وأنت تقول إن ما عزز مزاعم الدعم الأجنبى هو زيارة مادلين أولبرايت، وأقول إن أولبرايت طلبت زيارة الجريدة لأنها كانت من أكثر الصحف تأثيراً، ومثلت كجريدة يومية مستقلة ظاهرة جديدة فى مصر، فهل نقول لها «لأ.. ماتجيش»، بالعكس سنرحب بها طبعاً إلا إذا كنا خائفين من أن تغتصبنا أو تتحرش بنا، وأقول إنه لا مادلين ولا غيرها يمكنهم اغتصابنا ولا نسمح لأحد بالتحرش.
■ ماذا تعنى بالتحرش؟
- «الدارج بتاع اليومين دول»، وما التهمة فى زيارة أولبرايت للصحيفة، لقد قابلت رؤساء أمريكيين فهل هذا عيب أو تهمة، وطالما ليس هناك تفريط فيما أراه وأعتقده وفى قناعاتى يمكن أن أقابل أى شخص فى الدنيا، ورغم ذلك أنا تحسبت لزيارة أولبرايت، ولذلك حرصت على دعوة عدد كبير من الكتاب الحكوميين والمستقلين والمعارضين، لحضور اللقاء، وحضر بالفعل مجدى مهنا، ومحمد سلماوى، وصلاح منتصر، وآخرون ليكون اللقاء، كما نشر اللقاء بتفاصيله فى الجريدة، ولم تكن هناك كواليس له خفية، ولو كان اللقاء يسىء للجريدة أو ينتقص من مصداقيتها، لدبرناه سراً.
■ الحديث عن اللقاء كان بهدف الحديث عن إمكانية فرض أجندة أمريكية على توجهات الجريدة؟
- هل رأيت أنت أو أى زميل فى الصحيفة تأثيراً على توجه الصحيفة نتيجة اللقاء.
■ نستخدم دائماً توصيف صحيفة مستقلة، رغم أن التعبير الصحيح هو صحيفة خاصة، هل توجد صحيفة فى مصر مستقلة 100%؟
- هناك توصيف أفضل من تعبير مستقلة هو أن الصحيفة منحازة تماما لمصلحة مصر والمصريين، و«المصرى اليوم» كان لها الفضل على كثيرين، فأنت مثلا وجدت مكانا تنشر فيه كتاباتك فهل حدث أن اعترض أحد على شىء كتبته، هل تم رفض نشر موضوع لك بحجة أنه يتعارض مع شىء ما، كما أنها صنعت نجوما وأسماء لم يكن أحد يعرفها قبل عملها فيها، وصنعت شبابا بديعا وجميلا وهذا فخر لها، كما كانت مصدرا أساسيا فى إعداد لبرامج كثيرة فى الكثير من القنوات، بل كانت اللبنة الأولى لشباب أصدروا صحفا أخرى سارت على طريقها، مثل الوطن، والتحرير، والشروق، وكل من ترك «المصرى اليوم» والتحق بالعمل فى صحف أخرى، لايزال يشعر بحنين ووفاء غريب جدا لها، تماما كالذين يتباهون بأنهم عملوا سابقا فى صحف كبرى كالأخبار والأهرام لأن هذا يمثل محطة مهمة فى تاريخهم، وليس هناك أحد دفع ضريبة نجاح «المصرى اليوم» سواى، وقد دفعت الثمن من مصالحى فى العهد السابق والعهد القائم وأتوقع أن أدفع المزيد فى العهد القادم.
■ كيف دفعت هذه الضريبة، وهل حدث أن تعرضت الجريدة لـ «قرصة ودن» من النظام السابق؟
- أنا الذى تعرضت، فالجريدة كيان معنوى «مالوش ودان، أنا اللى لى ودان»، لقد أوقفوا كل أعمالى التى تربطها علاقة بالدولة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة فإذا كنت أعمل فى قطاع الخدمات كانوا يجمدون كل استحقاقاتى، وإذا كنت أعمل فى مجال الزراعة كانوا يفتعلون كل المشاكل الممكنة وغير الممكنة لتعطيل أعمالى، هذا شىء، أما من الناحية المادية فقد دفعت الثمن أيضا فأنا من الممولين الرئيسيين فى الجريدة، وقد استنزفت ماديا، أما أدبيا فقد دفعت ثمنا مهولا حيث تخصصت صحف فى الهجوم علىّ ربما بشكل يومى ومنها روزاليوسف والدستور وكنت لسنوات أحتل «باسم الله ماشاء الله» الصفحة الأولى فيها ولم تأتنى الجرأة لكى أرد عليها فى «المصرى اليوم»، ولم أستخدمها حتى فى دفع ما اتهمت به من أباطيل وكانت تهماً غريبة فهى متحركة ومتغيرة تبدأ باتهامى بأننى عدو نظام مبارك ثم تغيرت بعد الثورة بأننى ممالئ له ومؤيد له وهذا شىء مضحك وهذا تحرش من أجل التحرش ولم أستخدم «المصرى اليوم» منبراً للتفنيد أو الدفاع، «وعشان أنا اللى لى ودان » ظهرت شائعة تقول إن «المصرى اليوم» ستنضم إلى «ON TV» وقالوا إنهما ستكونان قلعة إعلامية، ونشر مقال يحمل عنوان «وزير إعلام الظل» ثم تلا هذا فورا اجتماع على أعلى مستوى كانت نتيجته مجموعة من الإجراءات الرهيبة التى ذكرتها، وكانت تمس مصالحى بشكل مباشر مع الجهات الحكومية كلها.
■ من التهم التى طالتك فى تلك الصحف الاستيلاء على أراضى الدولة، والتعاون الزراعى مع إسرائيل الذى سمته الصحف التطبيع الزراعى، ما ردك؟
- «عمرى ما تعاملت مع إسرائيل»، بل كنت منافسا للسلع الإسرائيلية فى الأسواق العربية والأجنبية، وقد استوردت إسرائيل عنبا من أمريكا، ونحن أحضرنا نفس العنب وصدرناه، إلى أن توقف التصدير الإسرائيلى بسبب السلع المصرية، والإسرائيليون أحضروا موزا من مزارع «وليامز» ونحن زرعناه فى الصحراء المصرية، وهم كانوا يزرعون الفراولة ونحن زرعناها، وكانت مصر تستورد شتلات، ونحن الآن نصدر شتلات، وهناك من كتب ذات مرة أننى أقمت معسكرا لـ350 خبيرا إسرائيليا، وهو يقول هذا عن جهل لأنى لو كنت أؤسس مفاعلا نوويا لما احتجت لهذا الرقم من الخبراء، ويكفينى 3خبراء لكنه شىء من المبالغة العبثية، والزراعة ليست اختراعا، فكل ما نزرعه يزرعه كل فلاح فى مصر، والجميل فى تجربتنا الزراعية أننا أكبر مصدرين للفاكهة والخضروات الطازجة فى الشرق الأوسط، وما يسعدنى فعلا أننى أمثل 3%من الصادرات المصرية، و97% منها فاضت على ربوع مصر من الفلاح الصغير إلى الشركات الكبرى، يعنى حتى هذا يضرب فكرة الاحتكار وهذا من أسباب فخرى، ولو كنا نصدر 55% من المنتجات الزراعية لكنت شعرت بالخجل لأنه سينطوى على شكل احتكارى، لكن حين أبدأ الأمر بالزراعة الصحراوية تحديدا، وينتهى الأمر بى اليوم بأننى أكبر المصدرين وأننى أصدر 3% فإن هذا يعنى أن الخير عم على الجميع.
■ نعود للجريدة، ما هى أهم التحديات التى واجهتها؟
- أعتقد أن من أهم التحديات ما تعرضت له شخصيا، حيث كان الناس يراهنون ويتوقعون أن «أرمى الفوطة» بلغة المصارعة، وأسلم وأقول كفى الله المؤمنين القتال، وأغلق الجريدة، وأتفرغ تماما لأعمالى الأخرى، لكن لم أكن فى موقف يسمح لى بالتراجع لأننى لو تراجعت سيكون هذا فى مقابل شىء، وفى مقابل هذا الشىء سأخسر نفسى لو تراجعت.
■ وماذا عن التحديات الراهنة؟
- على «المصرى اليوم» أن تعمل مثل المؤسسات العالمية، وهذا أمر سهل، وعلينا أن نتأمل التجارب التى تسبقنا فى دول أخرى ونتأسى بها ونعرف ماذا حدث لها ونتوقع حدوثه عندنا وعلينا تطوير أنفسنا لتصبح مؤسسة إعلامية شاملة صحيفة وتليفزيونا وغيرهما.
■ لماذا لم تفكر فى إطلاق قناة فضائية أسوة بما فعل أقرانك من رجال الأعمال مثل المهندس نجيب ساويرس والسيد البدوى؟
- من أسسوا هذه القنوات كان لهم فضل علينا بأننا لن نكرر تجربتهم، فقد تعلمنا الدرس، فكل منهم خسر الكثير فى هذا الحلم، فكانت التجربة واضحة أمامنا، فكان علينا أن نكرس مالنا ووقتنا للارتقاء أكثر بـ«المصرى اليوم»، ثم نفكر فى برامج فضائية إلى أن يمكننا تحمل عبء تأسيس قناة تليفزيونية، وليس بالضرورة أو كشرط أن تمتلكها «المصرى اليوم»، وقد يكون بالتعاون مع من يملكونها وهذا موضوع نمضى فيه الآن بخطى مدروسة.
■ لكن المؤسسة أرهقت نفسها بإصدارين لم يحققا ربحا رغم تميزهما هما السياسى والإندبندنت؟
- أنا فخور بهاتين التجربتين لكن لم تتم معالجتهما جيدا إداريا وتسويقيا كما ينبغى، وإلى أن نستعد مجددا لخوض هذه التجربة مرة أخرى يجب ألا تأخذنى العزة بالإثم وأتمادى فى الخطأ، ومن المنطقى أن نتوقف لنعيد تأمل التجربة وتصويب الخطأ.
■ خلال مسيرة المؤسسة كانت هناك محطات كثيرة ما هى المحطة التى حققت قفزات أفضل فى مسيرتها؟
- الفضل فى أى قفزات يعود للمسؤولين عن التحرير، لكننى مثلا لا أنكر فضل هشام قاسم ولا أستطيع إنكار دوره، أيضاً هناك محطة انتخابات مجلس الشعب فى دائرة دمنهور بالبحيرة بين الدكتور جمال حشمت والدكتور مصطفى الفقى وشهادة المستشارة نهى الزينى، أثناء رئاسة تحرير مجدى الجلاد، وبمبادرة هشام قاسم الذى تنبه لخطورة القضية وتأثيرها على «المصرى اليوم» وغير ذلك.
■ لماذا ترك هشام قاسم الجريدة، هل كان بسبب خلاف إدارى أم على خطة التطوير أم ماذا؟
- هشام قاسم كما قلت له فضل فى التجربة ولا ينكر فضله غير فاقد الثقة فى نفسه، وقد تركها لأنه يريد أن يحقق مشروعه الخاص به من الألف إلى الياء، وأن يكون له الدور الأول والأخير وهذا من حقه أن يحقق حلمه.
■ لماذا لم يقدر لـ«المصرى اليوم» أن تصدر فى ظل رئاسة تحرير الراحل مجدى مهنا؟
- جهزنا أعدادا تجريبية «زيرو» لكنها كانت شبيهة بصحافة روزاليوسف، ولم يكن هذا يمثل جديدا، وكنا نريد أن ندخل السوق بصحيفة مختلفة شكلا ومحتوى وتوجها.
■ ما المحطة التى يمثلها أنور الهوارى فى مسيرة الصحيفة، ولماذا لم يستمر؟
- أنور الهوارى أسس الهيكل التحريرى للصحيفة القائم إلى الآن، وهذا جهد لا ينكر وكان يحضر للصحيفة يوميا فى السابعة صباحا، ويقضى بها اليوم كله، أما عن ملابسات تركه منصبه فأقول إنه كان ثائرا وفنانا، لكنه كان تصادميا بعض الشىء، وهو بالمناسبة صديقى جدا، ومازال على اتصال شبه يومى بى، وكذلك مجدى الجلاد.
■ أليست هذه إجابة دبلوماسية لكن «اللى فى القلب فى القلب»؟
- لا ليست دبلوماسية أما حكاية اللى فى القلب، فأقول أنا أتصرف وأتعامل مع الناس من قلبى، وأتصرف منطلقا من شعور حقيقى وليس بجهامة قلب أو عقل، وأنا أهتم جدا إذا عرفت مثلا أن أحد أفراد أسرة أحد كان يعمل معى مريض، لابد أن أسأل عليه بإحساس وليس بدبلوماسية، أما أنور الهوارى فكان خلافه مع هشام قاسم وليس معى، وكان خلافا منهجيا وإداريا ومهنيا، فهشام صاحب مدرسة صحفية غربية حديثة وكان يصدر مجلة أجنبية أما أنور الهوارى فكان يميل للصحافة الحماسية الخطابية من قبيل «رسالة إلى الوالى» فكان التصادم واردا وقد وقع.
■ وماذا عن ظروف ترك مجدى منصبه، هل طلب أكثر أم وجد عرضا أفضل، وهل أثر رحيله سلباً؟
- التوزيع هو الذى يحكم، و«أنت بتسأل بطريقة مستفزة وبتسأل أسئلة مستفزة ما تاخد المعلومات اللى انت عايزها دون استفزاز، هو لازم تعصبنى ولازم آخد دواء مهدئ بعد الحديث»، لكننى سأجيب وأقول إن مغادرة مجدى وصحبه لم تؤثر بالسلب على «المصرى اليوم» لأنها مؤسسة يحكمها نظام مؤسسى وتضم الكثير من الكوادر، ومن أخذهم معه ليستعين بهم فى بداية انطلاق صحيفة جديدة، تصدى لملء مكانهم أبناء «المصرى اليوم» وشبابها، وهم القطاع الأكبر بشكل مشرف مما أسعدنى جدا لأنهم ملأوا ما تركه مجدى وصحبه من فراغ، وأثبتوا أن «المصرى اليوم» مؤسسة وليست أفرادا هذا أولا، وثانيا وهذا مهم أننى أعتقد أن مجدى تردد فى قرار ترك «المصرى» لأن «المصرى» بيته الذى شارك فى بنائه ولم يعلن هذا بل كان حريصا على نفيه حرصا على الاستقرار فى المؤسسة، ولم يطلب مليما زيادة منا، لكن حقيقة الأمر أن مجدى بدأ براتب مدير تحرير وزاد بالشكل العادل وقد عرض عليه عرض لا يمكن رفضه وهو تقديم برنامج تليفزيونى مع نفس الشخص الذى سيصدر الصحيفة، يعنى الاختيار كان صفقة واحدة فكان أمامه أن يضحى بعائد بالملايين أو يبقى فى «المصرى اليوم» ومجدى لا يلام فى قبول هذا العرض فهذه فرصة لا يتعين عليه تبديدها والتفريط فيها.
■ وما رأيك فى «الوطن»؟
- جيدة
■ جيدة فى ماذا؟
- بها اجتهاد وعناصر جيدة وكتاب جيدون وبها أحمد محمود الذى يمثل مدرسة متميزة فى الإخراج الصحفى.
■ ما درجة رضاك عن «المصرى اليوم» حالياً؟
- لا أنظر للأشياء الجيدة فى الجريدة، لكننى أنظر للأشياء المعيبة التى يتعين علينا معالجتها.
■ وما هى الأشياء المعيبة؟
- كتابة المجاملات، فهذا يزعجنى جدا وأريد من يكتب فى «المصرى اليوم» أن يقال عنه إنه فاز بالكتابة فى «المصرى اليوم» كما لا أريد حوارات المجاملات التى تلفت النظر وأتمنى أن يكون لمجلس الأمناء دور فاعل ونافذ ومتطور، وأتمنى مجلس إدارة فنيا يساعد رئيس مجلس الإدارة على العمل، ولا يكون من الملاك أو من المساهمين وأن يتم تأسيس مجلس آخر للملاك يسمى «مجلس ملاك» أو مساهمين يجتمع مرة كل 6 أشهر ليقف على مجريات الأمور لنبعد الملكية عن الإدارة، العملية أصعب مما تتخيل لتحقيق تجربة بعيدة عن أى مآرب وأهداف خاصة، أنا لا أستورد أناسا من المريخ فـ«المصرى اليوم» انعكاس للمجتمع بكل ما فيه من مزايا وعيوب.
■ وما جدوى مجلس الأمناء؟
- هو المنوط به تعيين رئيس التحرير وكل أعضاء المجلس فوق الشبهات ووجودهم تكريم لـ«المصرى اليوم».
■ ألم تتدخل ولو لمرة فى المادة التحريرية؟
- حينما أتدخل أتدخل بصفة ودية على النحو الذى يمكننى القيام به مع صحيفة أخرى كـ«الشروق» و«الأهرام» و«الوطن»، ومثلما كنت أتحدث مع إبراهيم نافع أو فاروق جويدة وإبراهيم سعدة ولا أعتبر هذا تدخلا وأنا أعرف إبراهيم سعدة منذ أكثر من 30 سنة حينما اعترضت على شىء تضمنته إحدى مقالاته، فهل هذا تدخل منى فى المادة التحريرية؟ بل أعتبره تدخلا من قارئ له حق التعقيب.
■ هل كان مقال الدكتور عبدالمنعم سعيد تفسيرا وتوضيحا لمبررات استعانتك به فى رئاسة مجلس إدارة المؤسسة؟ وما هى الأسباب الجوهرية لاختيارك له؟
- أنا لا أذكر بدقة تفاصيل ما جاء فى مقاله.
■ هو ذكر أنك عرضت عليه هذا المنصب سابقا، ولكن الظروف حالت دون قبوله وأنه استجاب لقبوله مع زوال هذه الظروف؟
- نعم وأقول إننى أوظف كل المقومات التى تكفل للتجربة النجاح، والدكتور عبدالمنعم سعيد من الخبرات الصحفية الكبيرة فى مصر، وكان على أن أستفيد من خبرته فى إدارته واحدة من أعرق وأكبر الصحف فى تاريخ مصر وهى «الأهرام»، ولذا عرضت عليه الأمر ووافق.
■ ما هى نظرتك إلى المال وهل تعمل من أجله؟
- المال الذى منحنى الله إياه أعمل على توظيفه كمستخلف عليه، ولذلك فأنا رجل الأعمال الوحيد الذى لا يمتلك أى أرصدة فى أى بنوك فى العالم وكل أرصدتى مدينة لأن الله حين ينعم على بالمال ينعم على به لأوظفه وليس لأكنزه، والله وظف لى الكثير من الناس ليفتحوا هم بيتى، فالله استخلفنى على المال لأوظفه وهذا مسارى ويقينى حاليا.
■ كم عدد فرص العمل التى وفرتها، وبمعنى آخر كم بيتاً ساهمت فى فتحه؟
- سؤالك لا يغرينى بالرد الرقمى الذى تتوقعه.. ولكن لماذا لا يكون سؤالك هو كم من عباد الله أوقفهم سبحانه عليك ليفتحوا بيتك أنت؟
■ أخيراً.. من هو نيوتن؟
- لن أجيب.