رأى الخبير الاقتصادى الدكتور محمد العريان، رئيس مجلس التنمية العالمى، أن ثورة يناير حققت العديد من الإيجابيات أبرزها سعى أعداد متزايدة من الشباب لإقامة مشروعات صغيرة ومتوسطة، معتبرا ذلك أهم المكاسب المستدامة من ثورة يناير لأنه جعل المصريين يشعرون بالملكية بشكل أكبر.
وطالب الخبير الاقتصادى، الذى عينه الرئيس الأمريكى، باراك أوباما بداية العام الجارى رئيسا لمجلس التنمية العالمى فى واشنطن، فى حوار لـ«المصرى اليوم» عبر البريد الإلكترونى من ولاية «كاليفورنيا» أطراف العملية السياسية فى مصر بتولى زمام المبادرة الاقتصادية، مؤكدا أن الدور الرئيسى للخبراء الاقتصاديين فى هذه المرحلة هو مساعدة الساسة فى صياغة رؤية اقتصادية وطنية.
وشدد «العريان» على أن خطر المساعدات الدولية يكمن فى فرض أجندات خارجية، وأنه يجب على الحكومة أن تسعى إليه باعتباره وسيلة وليس غاية.. وإلى نص الحوار:
■ تحدثت فى إحدى كتاباتك عن أهمية وضوح الرؤية الاقتصادية بين الحكومة والشعب.. فى اعتقادك ما الهدف النهائى للاقتصاد فى مصر؟
- وجود رؤية اقتصادية مشتركة يعتبر أمرا بالغ الأهمية، وعلينا أن نفكر فى الأمر كوجهة موحدة متوسطة الأجل تعتمد على ركيزة إنتاجية من شأنها مساعدة المسؤولين على اتخاذ القرارات قصيرة المدى.
■ كيف؟
- بجانب الاعتماد على تحليلات قوية ومتطورة، يجب أن تكون تلك الرؤية فى متناول الغالبية العظمى من المواطنين والمسؤولين الحكوميين والأحزاب السياسية.
■ هل هناك بعد زمنى للوصول إلى ذلك الهدف؟
- الأمر قد يستغرق من 3 إلى 5 سنوات لإصلاح أوضاع النمو الاقتصادى والتضخم والمتغيرات الاقتصادية المماثلة، والأهم من ذلك، بل هو دور تلك الرؤية فى تقديم كل ما هو ملموس للمواطن العادى، وهذا يشمل توفير فرص العمل وتحسين القدرة الشرائية للفرد، بجانب الوصول إلى مستويات أفضل فى قطاعى الصحة والتعليم، فضلا عن وجود مستويات أمن قوية حول الرفاهية الاقتصادية لهذا الجيل والأجيال المقبلة.
■ هل لديك أمثلة على ذلك؟
- إذا نظرنا لجمهورية الصين، نجد أن الحكومة لديها القدرة على الجمع بين التحديد الواضح للهدف الاقتصادى والقدرة على تصحيح المسار بشكل برجماتى على طول الطريق، ما يعمل على تطوير عملية الإدارة الاقتصادية بشكل يومى.
■ ما أعمدة الأساس التى يجب البناء عليها للوصول إلى هذا الهدف؟
- فى ظل مناخ الاقتصاد العالمى المائع اليوم، مثل الأزمة المالية فى أوروبا والاستقطاب السياسى غير العادى فى أمريكا، نجد أنه من الصعب على أى حكومة التنبؤ بكل خطوة تفصيلية فى رحلتها الاقتصادية بشكل يقينى، لذا فإن الأمر الأكثر أهمية لاستمرار الإدارة الاقتصادية الجيدة هو تحديد الخطوات الأساسية أولا ثم قابلية التعلم والحفاظ على رؤية المسار النهائى بشكل واضح واستخدامه كدليل للتصويبات التى لا يوجد مفر منها.
كما أثبت الحائز على جائزة نوبل الخبير الاقتصادى مايكل سبنس أن أهم العوامل التى سمحت للصين لإجراء تصحيح المسار فى الوقت المناسب هو قدرتها المتواصلة على مساعدة الملايين من المواطنين للخروج من خط الفقر، فى ظل ظروف اقتصادية مختلفة للغاية على مستوى العالم، كما ساعدها الأمر على تحديد إطار كبير لخطط الاستثمار طويل الأجل، بما فى ذلك الاستفادة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
■ لماذا لم تستطع مصر الوصول إلى هذا الهدف رغم تشكيل أكثر من حكومة بعد الدخول فى المرحلة الانتقالية؟
- مصر تفتقر إلى رؤية مشتركة بين الحكومة والشعب على المدى المتوسط فى هذه المرحلة، وبالتالى النتيجة ستكون تفاقم الصعوبات الحالية على المدى القصير.
■ يعتزم بعض رجال الأعمال الشباب اللجوء إلى المشروعات الصغيرة والمتوسطة للمساعدة فى إصلاح عجلة الاقتصاد.. هل تؤيد هذا التوجه؟
- المشروعات الصغيرة والمتوسطة لها دور هام فى الاستثمار، لأنها توفر أساسا متينا للنمو الاقتصادى طويل المدى، عبر مساهمتها فى إيجاد وظائف وفرص عمل، ما يساهم فى الحد من تفاوت الدخل والثروة بشكل غير عادل.
وبالنظر إلى الأعداد المتزايدة من المصريين والشباب بصفة خاصة، الذين يتطلعون إلى إطلاق أنشطة على نطاق صغير، نجد أنه أمر مشجع للغاية، وبالنسبة لى، فأنا أعتبره أحد أهم المكاسب المستدامة من الثورة فى وقت سابق، لأنه جعل المصريين يشعرون بالملكية بشكل أكبر.
■ هل تمثل هذه المشروعات كمرحلة أولية، بديلا عن شركات الاستثمار الأجنبى التى غادرت البلاد؟
- إن التركيز على الأنشطة الصغيرة والمتوسطة الحجم هو الهدف الأسمى، ولكنها ليست بديلا عن الاستثمارات الأكبر، فى الواقع، فهى تكمل بعضها البعض.
ويجب على الجميع أن يعلم أن مصر لم يعد ينظر إليها كدولة تدار من قبل نظام معين ولمصلحة قلة محظوظة، وبدلا من ذلك، هناك شعور بأن مصر ستصبح أكثر شمولية وبالتالى أكثر نجاحا بالنسبة للغالبية العظمى من السكان.
■ ما الخطوة التى يجب على الحكومة المصرية اتخاذها خلال الآونة الراهنة؟
- من المهم أن تبدأ مصر فى تهيئة الظروف لزيادة الاستثمارات فى جميع المجالات، وهو الأمر الذى يبين أهمية وضوح الرؤية الاقتصادية، مع ضرورة وجود المزيد من الوحدة السياسية الوطنية.
■ النظام الحاكم اعتمد عقب وصوله للسلطة سياسة الاعتماد على المساعدات الخارجية لمصر.. هل تراها مفيدة أم أضرارها أكثر من فائدتها؟
- مصر تحتاج إلى تمويل أجنبى للمساعدة فى التنقل داخل تلك المرحلة الانتقالية التاريخية الوعرة، وهنا علينا أن نتذكر أن المرحلة الثورية الناجحة تنطوى على تفكيك ماض قمعى وبناء مستقبل أفضل على حد سواء.
■ إذن المساعدات تعد أمرا مهماً؟
- النقطة الهامة فى ذلك الأمر، هى أن يكون التمويل الخارجى داعما للإصلاحات الواسعة فى مصر والنابعة من الداخل، ولكن الخطر يكمن فى أن التمويل الخارجى قد يحل محل الإصلاحات أو يتم استخدامه لفرض أجندة خارجية.
■ النظام يروج لفكرة أن قرض صندوق النقد الدولى.. ضرورة لإحياء النمو الاقتصادى.. ما تعليقك على ذلك؟
- لا يجب السعى نحو مصادر التمويل الخارجى، بما فى ذلك قرض صندوق النقد الدولى، كأنه غاية نهائية فى حد ذاتها، ولكن ينبغى السعى باعتبارها وسيلة لتحقيق غاية معينة وهى تسهيل تنفيذ جهود الإصلاح التى تهدف إلى تنشيط الاقتصاد وتحسين أوضاع العدالة الاجتماعية.
■ فى المراحل الانتقالية للبلاد، يتداخل التيار السياسى مع عجلة الاقتصاد.. ما نصيحتك للقوى السياسية للخروج من الأزمة الاقتصادية لمصر؟
- إن مجالى السياسة والاقتصاد أصبحا مترابطين بشكل كبير أكثر من أى وقت مضى فى مصر، خاصة مع وجود تسلسل معين فى هذه المرحلة من التنمية الوطنية فى مصر. كما أن مواصفات تنفيذ الرؤية الاقتصادية المطلوبة فى مصر تتطلب وحدة سياسية أكبر بكثير مما هو عليه فى مصر.
■ ما المطلوب تحديدا من القوى السياسية فى مصر؟
- لا سيما خلال هذا المنعطف المهم فى مراحل تنمية البلاد، يجب على الوحدة السياسية الوطنية أن تأخذ زمام المبادرة، وكلما انتظر الشعب المصرى هذا الأمر زاد خطر انزلاق الاقتصاد نحو أزمة اقتصادية لفترة طويلة، وأعتقد أن معظم الأحزاب السياسية فى مصر، إن لم يكن كلها، تريد بل وتحتاج إلى الاتفاق على الرؤية الاقتصادية المتوسطة الأجل.
إن الهدف الأساسى هو رؤية مصر بعد استكمال طريقها الثورى عبر تفكيك الماضى لبناء مستقبل أكثر إشراقا، وعندما يجلس ممثلو التيارات السياسية المختلفة لتحديد أبعاد الرؤية الاقتصادية، ستظهر مفاجأة سارة بوجود أرضية مشتركة بينهما جميعا.
■ ما دور الخبراء الاقتصاديين؟
- الدور الرئيسى من الاقتصاديين فى هذه المرحلة هو مساعدة الساسة فى صياغة رؤية اقتصادية وطنية، على أن تكون قابلة للتنفيذ ومرغوب فيها نفس الوقت، وهذا أمر يمكن القيام به، وينبغى القيام به أيضا.
■ هل أنت متفائل أم متشائم بشأن مستقبل مصر؟
- أعتقد اعتقادا قويا أن مصر لديها قدرة ضخمة فى التغلب على الصعوبات الحالية مع وجود أساس قوى وظهور استعداد السياسيين فى المساعدة لتحقيق الهدف المنشود، فهناك الكثير من الأمور على المحك، والوقت هو جوهر المسألة، وإذا تمت العملية بنجاح ستستفيد الأجيال الحالية والمستقبلية من تلك التجربة، بجانب الفائدة التى ستعود على منطقة الشرق الأوسط.
■ ماذا عن تقييمك للأوضاع الاقتصادية فى مصر بعد مرور نحو عامين ونصف على اندلاع الثورة؟
- يواجه الاقتصاد المصرى صعوبات عديدة يجب التغلب عليها بشكل ضرورى، خاصة فى ظل انخفاض معدل النمو الاقتصادي، فى مقابل ارتفاع نسبة الفقر وزيادة معدلات البطالة.
■ هل تستطيع المنظومة الاقتصادية الحالية تلبية أهداف ثورة 25 يناير؟
- جميع ما ذكرته سابقا يجعل تلبية التطلعات المشروعة لثورة 25 يناير أمرا صعبا، فعلى الجانب المالى، فإن العجز على المستوى المحلى والخارجى يتعرض لضغوط ضخمة، بجانب ارتفاع معدلات التضخم فى ظل ارتفاع نسبة الضرائب على الفقراء بشكل خاص.
■ تعانى مصر من أزمات كثيرة على أكثر من مستوى.. هل هناك أمل فى تصحيح الأوضاع؟
- رغم الفترات العصيبة التى مرت بها البلاد، لا يزال هناك طاقة هائلة للبلاد فى سعيها نحو التغيير الإيجابى.
كما أن الشعب المصرى كان يشعر بالنفور من بلاده ومصيرها، ولكن الغالبية العظمى من المصريين الآن لديهم شعور أكبر بـ«الملكية» وقدرتهم على التأثير فى بلادهم التى تسعى نحو الاستصلاح، وهذا يعد أمرا ضروريا لنجاح التنمية فى أى بلد وخصوصا مصر.
■ ماذا عن أكبر التحديات التى تواجه الحكومة المصرية؟
- التحدى الرئيسى للنظام السياسى الراهن هو توجيه هذه الطاقة الإيجابية واستخدامها فى بناء مستقبل أكثر إشراقا لمصر، ما يعمل على توفير الرفاهية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.