«أم المعارك».. «الموجة الثانية من الربيع العربى»..«معركة المصير»..«سيدى بوزيد الشام».. بعض مسميات طغت على الصحف العربية والأجنبية، وأطلقتها أقلام المحللين والصحفيين على المعارك التى يخوضها حزب الله اللبنانى فى سوريا، والتي يعتبرها البعض «حروب بالوكالة»، خاصة فى مدينة القصير دعما لنظام بشار الأسد.
وحسم أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، الجدل والغموض وأعلن رسميا أن الحزب جزء من المعركة فى سوريا، وتحديدًا فى القصير، معتبرًا أنه «إذا سقط (الأسد)، سينتهى الدعم السياسى لحزب الله ودعمه بالسلاح من إيران، وعندئذ لن يعود هناك حزب الله ليخرج الإسرائيليون عندما يعودون».
وقال «نصر الله» فى الذكرى الـ13 لتحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلى الأسبوع الماضى «إذا سقطت سوريا فى أيدى أمريكا وإسرائيل والتكفيريين، فإن المقاومة ستصبح مطوقة وستدخل إسرائيل إلى لبنان وتفرض إرادتها».
ويشكّل تدخل حزب الله فى معارك سوريا، أحد أكثر الأمور انقساما وإثارة للجدل منذ نشأة حزب الله فى لبنان فى أوائل 1980، إلا أن هذا التدخل لن تحسم نتائجه المعركة الدائرة بين الثوار وقوات الأسد، لكنها ستسهم فى إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط الجديد، الذى تشهد دوله حالة من «الحدود المنتهكة».
وبنظرة سريعة على مفاتيح الخريطة تظهر القصير فى منطقة «الجغرافيا الآمنة» للمحور الثلاثى إيران - سوريا- حزب الله، الذى يطلق على نفسه محور الممانعة. ودخول الثوار السوريين، الذين يرى حزب الله أنهم مدعومون من الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية وبعض المتآمرين العرب، إلى هذه المنطقة والسيطرة على أجزاء من القصير- يضرب خطوط الإمداد والتواصل بين المحور ويجعلها مقطوعة بما يسهل الانقضاض على إيران بعد سقوط نظام الأسد.
وهذا ما جعل إيران تكشف صراحة عن وجود عناصر من الحرس الثورى فى سوريا قبل أن يزيد مرشدها الأعلى على خامنئى من جرعة الصراحة بقوله «إن ما يجرى فى سوريا هو حرب على إيران نفسها وعلى قوى الممانعة، وإن المعارضة المسلحة مدعومة من الصهيونية وأمريكا وبعض دول الخليج».
والقصير محور ما يطلق عليه العديد من الخبراء «الهندسة الجديدة للشرق الأوسط»، ويرون أنها تمثل «الموجة الثانية من الربيع العربى»، التى تتغير فيها طبيعة المواجهة من مواجهة بين معارضة وأنظمة إلى صراع بين الشيعة والسنة، لرسم ملامح الشكل الاستراتيجى للمنطقة العربية لسنوات مقبلة.
ويقول محللون إن «المنطقة العربية ستكون سجينة صراع أيديولوجي عقائدي بين سيطرة الشيعة، ومعها كفيلها الإقليمى إيران، مقابل محور سني، يتشكل بين تركيا ودول الخليج الفاعلة، خصوصا بعد غياب مصر عن المشهد الإقليمى كظهير للسنة ذى ثقل سكانى لا يستهان به».
وتحويل مسار الربيع السوري قسرا، وإدخاله نفق الحرب الطائفية الإقليمية بـ«الوكالة» إحدى الأدوات التى يلجأ إليها الأسد لإطالة أمد الصراع، وتشتيته وستترتب عليه آثار خطيرة، على سوريا ولبنان والمنطقة التى تشهد تحركات لإعادة ترتيبها، فيما تسعى الدول السنية فى المنطقة إلى تقديم الدعم للمقاتلين والجيش الحر بكل السبل بما يعزز مفهوم الحرب الطائفية بالوكالة.
والصراع الطائفى فى سوريا، يمتد بأبعاده إلى العراق، فإقليم كردستان يعيد تشكيل المنطقة بتحالف مع تركيا ربما يطيح بحلم الانفصال، فيما تمزقت الخريطة العراقية؛ حيث ترسم المظاهرات فى محافظة الأنبار عملياً ملامح إقليم سنى يتعاطى أهله مع الجيش العراقي، بوصفه أداة لـ «حكومة شيعية». وأصبحت إيران ذات النفوذ المتزايد فى العراق تعمل على بناء محور شيعى، فيما تقوم تركيا بتشكيل محور سنى مقابل.
وبانتظار نتائج المعارك فى القصير التى سترسم ملامح الجغرافيا الجديدة للشرق الأوسط، بدا مؤكدا أن حزب الله أكثر الخاسرين حتى الآن، فقد خسر شعبيته التى كانت جارفة فى العالمين العربى والإسلامى إبان حربه مع إسرائيل، ولن تغفر له الشعوب ما قام به، بعد أن أظهر وجهه «الطائفى».
ويرى محللون أن خسارة هذه الحاضنة الشعبية تعنى أن الحزب لن يقدم على أى فعل مهما كان بسيطا ضد «إسرائيل»، مما يفقد الحزب مبرر وجوده أصلا، وسيبقى مقاومة منزوعة المخالب والأسنان.