إذا كنا نتحدث عن انهيار الكثير من مؤسسات الدولة المصرية، حتى أصبحت عبئاً وغير قادرة على القيام بمهامها المنوطة بها، مما جعل المواطنين يعلنون غضبهم ورفضهم وتمردهم على هذه المؤسسات، فعلينا ونحن نطالب بإعادة بناء هذه المؤسسات لتقوم بدورها فى خدمة الشعب، أن نعيد قراءة واقع هذه المؤسسات، لمحاولة فهم الأسباب التى أدت بها إلى ما وصلت إليه. هى مجرد محاولة واجتهاد للفهم والتقييم، وليست للدفاع عنها أو الانتقاد لها والانتقاص من دورها المهم والحيوى.
فإذا توقفنا أمام وزارة الداخلية المسؤولة عن حماية الأمن الداخلى لمصر، وكان شعارها السابق «الشرطة فى خدمة الشعب»، وتم تغييره لأسباب غير مقنعة، فنجدها ــ وبعد أن كانت لسنوات طويلة مصدر ثقة هذا الشعب وكان حلم أى شاب أن يصبح ضابطاً، ولها تاريخ نضالى كبير ــ تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى جهة اتهام دائمة.. اتهامات دائمة بالاستغلال السيئ للسلطة، استخدام العنف والقسوة، المعاملة غير الآدمية للمواطنين فى أقسام الشرطة، ومن رجال المرور فى الشوارع.
وعلى الرغم من وجود نماذج مضيئة لضباط وجنود، يمارسون عملهم بشرف ويسعون لخدمة المواطنين، فإن الصورة السلبية هى الأكثر شيوعاً واستقراراً فى أذهان الناس.. لماذا؟
■ تستأثر وزارة الداخلية بالمليارات من الجنيهات سنوياً من ميزانية الدولة، هذه الميزانية لا تصب فى تحسين أحوال العاملين بجهاز الشرطة، وإنما يستغل الجزء الأكبر فى شراء أسلحة وأجهزة وأدوات حديثة لمواجهة الخارجين على القانون ولحماية النظام ومؤسساته. ويكفى أن تعرف أن راتب مقدم أو عقيد أو حتى عميد ولواء فى الداخلية لا يكفى لحياة كريمة، فما بالنا بحال أمناء الشرطة والجنود والمخبرين الذين يقومون بالعبء الأكبر فى جمع التحريات أو عمليات الضبط أو تنفيذ الأحكام؟!
■ لو دخل أحدكم قسم شرطة، ووصل إلى مكتب رئيس المباحث المتواضع ونظر إلى وجهه المجهد، وجلس قليلاً، سيفهم لماذا يخطئ مثل هذا الضابط فى تطبيق القانون، فهو يستيقظ فجراً، هذا إذا نام قبلها، ليقف فى خدمة مرور مسؤول محلى أو زائر، حتى تنتهى الزيارة، ثم يعود إلى مكتبه ليواجه البلاغات والشكاوى المتراكمة طوال اليوم، وعليه أن يحقق ويسأل ويبحث ويجمع معلومات ويحبس ويحيل إلى النيابة، وقد تقطع هذا فى المساء خدمة أخرى، يعاونه بعض الضباط الصغار والأمناء والمخبرين، الذين يوكل إليهم بالمهام الصعبة ويطالبهم بما لا يستطيعون.
■ هذا الضابط ومن معه، يفقدون حياتهم الخاصة ويشعرون بالغضب تجاه المجتمع، ولا يجدون الفرصة للتعلم والتأهيل، لذا تأتى الأخطاء فادحة، ومن يقع منهم يدفع الثمن وظيفته، أو يفقد فرصته فى الترقى وزيادة الراتب!!
■ الذين يتعاملون مع المواطنين مباشرة هم أمناء الشرطة الذين يرون أنفسهم أهم من الضباط، والفارق بينهم عامان فقط من الدراسة، ويتقاضون عشرات الجنيهات، فيفسد بعضهم سواء بالرشوة أو بالقسوة، وفى الحالتين المواطن غاضب وخاسر، وكذلك وزارة الداخلية، وهؤلاء فى أشد الحاجة إلى إعادة التأهيل النفسى والعلمى، بعد رفع رواتبهم بصورة لا تدفعهم للفساد والإفساد.
■ وزارة الداخلية هى أكثر الوزارات احتكاكاً بالمواطنين، فى الشارع والعمل، للشكوى واستخراج البطاقة وجواز السفر، فى محطات المترو وفى المصالح الحكومية، وفى مباريات كرة القدم، وفى المظاهرات وفى خلافات القضاة والمحامين، وفى صراعات الأحزاب، لحماية البرادعى ولترويعه.. أقصد أن كل مؤسسات الدولة ترفع يدها بعد أن «تعمل العَمْلة»، ثم تصدِّر الداخلية فى صدارة المشهد وتطالبها بحفظ الأمن. كره الشعب الحكومة، فاختصر غضبه فيمن يتعامل معه ويمنعه من ممارسة الصواب والخطأ، فى وزارة الداخلية.
وزارة الداخلية بقياداتها تعرف أين الأخطاء، ولكنها لن تستطيع وحدها تصويبها، ومن مصلحة هذه الدولة الحفاظ على الداخلية قوية وآمنة، ولن يكون هذا ممكناً إلا إذا عادت العلاقة قوية وصحية بين الشرطة والشعب، وهذا لن يكون إلا إذا أحس الأخير أن الشرطة فى خدمة الشعب، ليكون الشعب فى خدمة الوطن.
khairy.m.r@hotmail.com