قال الدكتور عصام الحداد، مساعد رئيس الجمهورية للعلاقات الخارجية والتعاون الدولي، إنه «إذا كانت الرؤية الاستراتيجية للسياسة الخارجية المصرية تضع أولوية للبعد الأفريقي، فإن العلاقات المصرية الإثيوبية تأتي في قلب هذا الاهتمام».
أضاف «الحداد»، في بيان نشره عبر صفحته على موقع «فيس بوك»، الأربعاء، أن «إثيوبيا دولة مهمة ومؤثرة في القارة الأفريقية، وأحد اقتصاداتها الصاعدة، كما أنها طرف أصيل في منطقة القرن الأفريقي التي لا تزال تشهد تفاعلات سياسية واقتصادية واجتماعية تؤثر بشكل غير مباشر على المصالح الوطنية ذات الصلة بالأمن القومي المصري، بالإضافة إلى كونها الشريك الأهم، مع السودان في ملف حوض النيل باعتبارها دولة أساسية من دول المنابع، نظرًا لسيادتها على منابع هضبة الحبشة، إلى جانب تأثيرها المباشر في منطقة البحيرات الاستوائية».
وتابع «الحداد»: «من هذا المنطلق، تتبنى مصر توجهًا جديدًا لإعادة بناء تلك العلاقات المصرية الإثيوبية، ارتكازًا على مبدأ الشراكة في التنمية من أجل خلق شبكة مصالح سياسية واقتصادية بين البلدين، إيمانًا بأن التنمية الحقيقية التي توفر الاحتياجات الأساسية وترفع من مستوى المعيشة على كافة الأصعدة هي المفتاح الحقيقي لمواجهة الأزمات والتحول تدريجيًا نحو استقرار يحمي المصلحة الوطنية من خلال تحقيق المنفعة المشتركة، ليس فقط بين مصر وإثيوبيا، لكن مع كل الدول الأفريقية بشكل عام».
وأشار إلي أن مصر تعتمد في ذلك على مقاربة متعددة الأبعاد، تشمل تواصلاً سياسيًا مستديمًا مع إثيوبيا على كل المستويات، بداية باتصالات وزيارات رئاسية متبادلة، مرورًا بالتنسيق بين كل الوزارات المعنية للبلدين، ووصولاً إلى تفعيل مؤسسات المجتمع المدني والعلاقات الشعبية والتوعية الثقافية والإعلامية بأهمية العلاقات المصرية الإثيوبية والأفريقية ككل».
وأكد مساعد رئيس الجمهورية للعلاقات الخارجية والتعاون الدولي أن مصر ترى ضرورة إطلاق التفاوض من جديد، وأن تبذل الدبلوماسية المصرية جهدًا مضاعفًا للتوصل إلى اتفاق يرضي كل الأطراف من خلال تبني مفهوم عدالة الاستخدام الذي لا يعني تقاسم المياه بالتساوي، ولكن توفير المياه اللازمة لاحتياجات كل دولة من دول الحوض آخذًا في الاعتبار مواردها المائية الأخرى بخلاف نهر النيل، وهو الأمر الذي يُمكن المفاوض المصري من دمج مفاهيم أكثر حداثة ضمن التفاوض ليشمل كل موارد الحوض وليس فقط مياهه السطحية مثل المياه الخضراء والمياه الافتراضية وفرص حصاد الأمطار واستغلال الفواقد وغيرها»
وقال «الحداد» إنه فيما يتصل بسد النهضة الإثيوبي، فالطرح الحالي الذي سيصدر بشأنه تقرير نهائي من اللجنة الفنية المختصة يثير المخاوف من تأثيره سلبا على حصة مصر من المياه ونوعيتها.
وأوضح أن الواقع أن رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل، ميليس زيناوي، نجح في تحويل السد إلى مشروع قومي يلتف حوله الشعب الإثيوبي، وتعززت معارضة مصر للمشروع في صورة نمطية سلبية أخذت في الانتشار بين الشعوب الأفريقية خلال العقود الماضية، مفادها أن مصر هي أحد أسباب غياب التنمية والتقدم الاقتصادي في البلاد الأفريقية، نظرًا لاستحواذها بغير وجه حق - في رأيهم - على الجزء الأكبر من المياه اللازمة لعمليات التنمية كافة، وهي صورة يتوجب تغييرها وتصحيحها.
وأشار إلى أن مصر تسعى لأن تكون شريكًا حقيقيًا في التنمية في أفريقيا، وتعي وتحترم حقوق ومطالب الشعوب في التنمية، ولكنها تتمسك أيضًا بمبدأ عدم الإضرار بأي من الأطراف كنتيجة لمشروعات تنموية حالية أو مستقبلية، ومن هنا جاء توجه السياسة الخارجية المصرية في محاولات التفاهم المستمر مع إثيوبيا حول كيفية إدارة مشروع السد من خلال قضايا فنية عديدة تشمل المواصفات الهيدرولوكية للسد، بما فيها معاملات الأمان اللازم توافرها فيه، وخطة الملء والتشغيل المناسبة التي لا تؤدي لتضرر المياه المتدفقة، واشتراك الخبراء المصريين في لجنة إدارة وتشغيل السد.
وتابع أن التحرك المصري في هذا الإطار يتم بالتنسيق الكامل مع السودان من خلال لجنة الخبراء الثلاثية الدولية المنوط بها إصدار التقارير الخاصة بتقييم السد، مع التأكيد الدائم من الجانب المصري لدى الدول والجهات المانحة لمشروع بناء السد على ضرورة انتظار التقارير الفنية الرسمية النهائية قبل تمويل المشروعات المرتبطة بالسد، كما تتحرك الدبلوماسية المصرية مع الدول والجهات المانحة، لعدم البدء في مشروعات مائية بدول الحوض دون إخطار مسبق والتوافق مع الدول الأخرى المتأثرة بتلك المشروعات.