المخلفات الزراعية كنوز بيئية غير مستغلة تحتاج إلى «منقذ»

كتب: ريهام العراقي الأحد 13-12-2020 14:25

ربما لم تتح لهم ظروفهم الاقتصادية الالتحاق بالمدارس في سن صغيرة مثل باقى أقرانهم، إلا أن الفطرة ووراثة المهنة عن أجدادهم ساهمت في تأسيس مدرسة فنية خاصة بهم، من خلال أدواتهم البسيطة وغير المكلفة، التي لا تختلف كثيرا عن حياتهم، فهم يستخدمون الخامات البيئية من «سعف النخل» و«قش الأرز» وبقايا أقمشة مُلونة في تصنيع منتجات يدوية بديعة الصُنع.. هنا قريتى «الأعلام» و«بيهمو» قلعة صناعة المنتجات اليدوية في مصر.

غياب المعارض التي تسوق للمنتجات اليدوية وصعوبة تسويقها فكانت محافظة الفيوم قبلة لمحبى المنتجات اليدوية بأشكالها المختلفة والمتميزة، إلا أن المشهد تغير الآن وأصبح هناك ركود كبير في الصناعة، الأمر الذي دفع المئات من العمال أصحاب اليد الماهرة إلى تحويل مسارهم والاتجاه إلى حرف أخرى أكثر طلبا .

قال أحمد عبدالستار أحد التجار بالفيوم، «كان عندى ما يقرب من 50 عامل إلا أنه تضاءل عددهم ليصل إلى 10 عمال فقط، لأنه لم تعد هناك حركة بيع وشراء، ففى الماضى كانت القرية تستقبل السائحين والوافدين من المحافظات الأخرى، الذين كانوا يحرصون على شراء منتجاتنا بكميات كبيرة، إلى جانب أننا كنا نسافر لعرض منتجاتنا في القاهرة، لكن الآن أصبحت المنتجات اليدوية تتراكم في المنازل، مما اضطرنى إلى استيراد المنتجات الصينية التي يحرص الزبون المصرى على شرائها لأنها الأرخص بالرغم من عدم جودتها مقارنة بمنتجاتنا اليدوية».

تنتج مصر أكثر من 35 مليون طن من المخلفات الزراعية سنويا وما يعاد تدويره لا يتجاوز 12 % فقط من هذه الكمية فيما يتم التخلص من ملايين الأطنان الأخري إما بحرقها أو بإلقائها في الترع والمصارف، ويمثل قش الأرز ما يقرب من 3.6 مليون طن من اجمالي المخلفات الزراعية.

وعرف قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994م إعادة تدوير النفايات بأنها العمليات التي تسمح باستخلاص المواد أو إعادة استخدامها مثل الاستخدام كوقود أو استخلاص المعادن والمواد العضوية أو معالجة التربة أو إعادة تكرير الزيوت.

وأعلنت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة الشهر الجارى إطلاق استراتيجية التعامل مع المخلفات الزراعية قريبا للتعامل مع مختلف المخلفات الزراعية، فيما أكد السيد قصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، أن هناك استراتيجية متكاملة في إطار التعاون بين وزارة الزراعة ووزارة البيئة والمؤسسات المعنية، لتعظيم الاستفادة من كافة المخلفات الزراعية والنباتية والحيوانية والسمكية أو مخلفات التصنيع الزراعي على مستوى القرى، وإعادة تدويرها، لخلق قيمة مضافة، وزيادة العائد للمزارع والمربي، وتحسين دخولهم، فضلا عن المساهمة في الحفاظ على البيئة، وتحقيق التنمية المستدامة.

وأوضح القصير أن تدوير هذه المخلفات سينتج عنه زيادة كميات الأسمدة العضوية، وانتاج أعلاف غير تقليدية، فضلا عن بعض المنتجات الثانوية، كذلك تحسين المحيط البيئي والصحي في المناطق الريفية، وخلق فرص عمل جديدة غير تقليدية للشباب في المناطق الريفية .

قال محمود القيسونى الخبير البيئى ل«المصرى اليوم: إن المخلفات الزراعية كنز بيئى غير مستغل، ويتم استغلالها في معظم دول العالم والإستفادة الكاملة المتكاملة منها، فمنها ما يتم تحويله لسماد زراعي خصوصا في التعامل مع المساحات الصحراوية، ومنها ما يتم تحويله لعلف للمواشي، ومنها ما يتم تحويله لخامة تستخدم في عمليات البناء، ومنها ما يستخدم في إنتاج الطاقة المحركة للماكينات .

وانتقد القيسونى حرق المخلفات الزراعية أو التخلص منها في مدافن على طراف المدن على مدار ربع قرن في ظل ظروف مناخية سلبية، وقال: «إن حرق المخلفات الزراعية خسارة فادحة وعادة بيئية مؤسفة، تتم من خلال المزارعين ورغم محاولات عدد من وزراء البيئية في منع هذه الظاهرة السلبية لمواجهة السحابة السوداء إلا أن هناك عدد من المسئولين في المحليات داخل المحافظات يساندوا المزارعين على إجراء هذه التصرفات» .

ووضع القيسونى مجموعة من الحلول لمنع حرق المخلفات الزراعية منها تشييد عدة معامل تدوير المخلفات الزراعية في المواقع القريبة من الكثافة الزراعية، وتوفير سيارات نقل مخصصة تتولي سحب ونقل هذه المخلفات من المزارعين ونقلها لمعامل التدوير والتي تتولي تحويلها لأي من العناصر الإستثماريه لتسويقها بعد ذلك .

وطالب أحمد عبدالحافظ، الخبير الاقتصادى، بضرورة إلقاء الضوء على منتجات الصناعات الحرفية داخلياً وخارجياً، لأن الحفاظ على الحرف اليدوية يحتاج إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات منها ضرورة تكثيف الحملات الإعلامية التي توضح أهمية هذه الحرف، وتخصيص مؤسسة وطنية كبرى ترعى هذا النشاط وتستقطب إليه المستثمرين ليقيموا عشرات المراكز الحرفية للتدريب والإنتاج والتسويق داخل مصر وخارجها.

ونوه «عبدالحافظ» إلى أهمية دور رجال الأعمال في تنمية الحرف الاقتصادية، من خلال إقامة المعارض والمشروعات والتى يمكن أن تعود عليهم بعائد اقتصادى كبير، «الأمر الذي حدث لعدد من دول العالم ومنها تلك التي تغزونا بمنتجاتها اليوم».