... وعند الله تجتمع الخصوم

جلال مصطفى السعيد الإثنين 07-12-2020 02:30

ظهرت فى الآونة الأخيرة تعبيرات لم تكن متداولة إلا على نطاق ضيق، والآن شاع استخدامها بشكل أوسع، ويكثر ذلك فى مناسبات معينة ومواقف محددة، ويكاد أن يكون إعادة ظهور هذه التعبيرات مرتبطاً بمرحلة يناير وما بعدها.


ومن هذه التعبيرات، وعلى سبيل المثال، أن (فلان): «له ما له وعليه ما عليه»، والذى كثر استخدامه مؤخراً، والقصد منه هو القول إن كل شخص له حسنات كما أن له هنات، وأنه ليس هناك من هو على صواب دائماً، أو من هو دائماً على خطأ. ويلاحظ أن هذا التعبير قادر على إغلاق أى نقاش خلافى حول شخصية معينة، بعد رحيلها، ويستخدم طرفا الحوار هذا التعبير، لترك الباب موارباً فى شأن الرأى فى الشخص المختلف عليه، ويكون ذلك غالباً حرصاً على رأب الصدع، والتئام الصفوف، ولو بصفة مؤقته.


أما التعبير الثانى والذى انتشر أيضاً مؤخراً فهو مقولة: «وعند الله تجتمع الخصوم» والذى قاله (وكتبه على جدران محبسه) أبو العتاهية فى حق هارون الرشيد عندما سجنه ظلماً فى العصر العباسى، ويصلح هذا التعبير فى الأحيان التى يتوعد فيها شخص مظلوم، أنه وظالمه، ولا شك، سيقفان متساويين، أمام المولى عز وجل يوم القيامه، وأن المظلوم ستكون أمامه فرصة ذهبية ليرى، حينها، عقاب الله لمن ظلمه وافترى عليه.


أما فى وقتنا الحالى وفى ظل الظروف التى مرت بها البلاد بعد يناير، وأحداث ثورة يونيه، فإن الاستخدام الدارج، والذى تزايد بشكل ملحوظ مؤخراً، كان فى مجال إظهار المظلومية لدى الإخوان، فقد قيل مثلاً عقب وفاة محمد مرسى وعصام العريان وغيرهما فى السجون، وذلك بالرغم من أنهما فى الحبس بموجب أحكام قضائية، أو أمام القضاء فى محاكمات علنية فى قضايا تخابر، وهروب من السجون، وتدبير أعمال إرهابية عقب ثورة 30 يونيه.


وحقيقة الأمر فإن هناك مواقف وأشخاصًا آخرين هم الأولى باستخدام هذه المقولة. تأملوا معى أن يقول ذلك العميد محمد جبر، مأمور مركز شرطة كرداسة، الذى قتلوه وضباطًا آخرين من قوة المركز فى 17 أغسطس 2013 فى أعقاب أحداث فض رابعة، وعندما طلب أحدهم أن يشرب الماء وهو فى لحظاته الأخيرة فأسقوه مادة كاوية، (مية نار)، بدلاً من ذلك.

وتأملوا أن يقول نفس القول اللواء نبيل فراج، مساعد مدير أمن الجيزة، حينما كان فى سبتمبر 2013، على رأس قوة من الضباط وأفراد الشرطة لاستعادة قسم شرطة كرداسة ممن احتلوه وعذبوا وقتلوا من فيه، حيث أطلق هؤلاء عليه الرصاص، وظل يصارع الموت، محتفظاً بسلاحه، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، وهو يؤدى عمله فى خدمة البلاد، وانتشر فيديو مصارعته للموت، مخلفاً سخطاً وغضباً شديدين لدى كل من شاهده.
أوليس أحق بهذه المقولة النائب العام المستشار هشام بركات؟، فقد فجروا موكبه وأصيب وهو صائم فى رمضان ونقل إلى مستشفى النزهة الدولى، وظل متماسكاً أمام الأطباء وأمام من هرع من المسؤولين للاطمئنان عليه، وكنت منهم، وهو لا يعرف أن أمعاءه قد تهتكت من قوة الانفجار ومات بعد ساعات من المعاناة.

أوليس أولى بهذه المقولة أيضاً، المئات من ضباط الشرطة والقوات المسلحة الذين استشهدوا وهم فى ريعان الشباب فى هجمات إرهابية فى رفح والعريش وكرم القواديس، وفى كمائن الشرطة فى القاهرة والجيزة والواحات، وأماكن عديدة أخرى منذ اندلعت الأعمال الإرهابية فى 2013، وحتى وقت قريب، وماذا تقول الزوجات اللاتى ترملن والأطفال الذين تيتّموا، غير نفس هذه المقولة.

وأخيراً أليس أحق بهذه المقولة من قتلوا فى مسجد قرية الروضة فى سيناء فى نوفمبر 2017؟، وفى الكنيسة المرقسية فى الإسكندرية فى أبريل 2017؟، وبلا ذنب، سوى تواجدهم، مسلمين ومسيحيين، آمنين، يؤدون شعائر الصلاة لرب سيقف أمامه الجميع يوم القيامة.
لقد تم استخدام الشعار فى إظهار مظلومية الإخوان بتكرار وتنويعات مختلفة وتم ربطه بأهازيج وأغانٍ وتنويعات فى النطق والأداء، وساعدهم فى ذلك قنوات مدعومة وأذناب مأجورة، والأمر يتطلب منا نحن أبناء هذا البلد العظيم- وقد تعرضنا ومنذ سنوات، لأكبر حملة من العنف الممنهج والمدعوم بأكاذيب إعلامية باطلة- أن نبذل مجهودات مضاعفة لتوصيل الرسالة الحقيقية حول وطننا وما يتعرض له من مؤامرات تستهدف زعزعة أمنه واستقراره، وأننا من يجب أن نطلق شعار... وعند الله تجتمع الخصوم.