«حمق» من يرون التصعيد ضد إسرائيل «حماقة»

محمود خليل الأحد 28-08-2011 08:00

لا أجد حديثاً أكثر سذاجة من ذلك الحديث الذى يخوّف من خلاله البعض أبناء الشعب المصرى من الحرب مع إسرائيل، وقد تواتر هذا الحديث بعد استشهاد خمسة من جنودنا بسلاح الغدر الإسرائيلى وما أعقب ذلك من فعاليات شعبية كللها الشاب «أحمد الشحات» بتسلق البناية التى تقبع فيها سفارة العدو لينتزع العلم الإسرائيلى ويزرع العلم المصرى مكانه، فقد انطلق هؤلاء السذج إلى تخويفنا من نشوب حرب بيننا وبين إسرائيل وتساءلوا هل نحن مستعدون لخوض هكذا حرب ونحن نعيش ظروف ثورة والبلد بلا رئيس ولا أمن؟ يضاف إلى ذلك الطرق على موضوع الفجوة التكنولوجية بيننا وبين إسرائيل، وضعف قدراتنا العسكرية حالياً قياساً إلى قدراتها. وقد كان الأجدى بهؤلاء المرجفين أن يسألوا سؤالاً أعمق عن الطرف الذى يجب أن يخشى الحرب، وهل هو مصر أم إسرائيل، وفى تقديرى أن إسرائيل هى التى ترتعب وتخاف أشد الخوف من انجرارها إلى حرب مع مصر؟.

فأى حرب تلك التى يمكن أن تبادر إليها إسرائيل فى ظل أزمتها الاقتصادية الحالية، هل نسيتم الاحتجاجات الشعبية التى اجتاحتها ضد الأوضاع المعيشية المتردية هناك؟ من أين ستمول إسرائيل حربها مع مصر أكبر وأقوى دولة عربية؟ هل ستلجأ إلى الولايات المتحدة الأمريكية؟ وهل الولايات المتحدة أسعد حالاً منها وهل فى مقدورها الآن دفع فاتورة حرب إسرائيلية ضد مصر وهى تعانى كل المعاناة من أزمة اقتصادية طاحنة منذ عام 2009، وقد دفعت هذه الأزمة أوباما مؤخراً إلى مصارحة الشعب الأمريكى بأنه يسير فى طريق أوضاع عجاف، وألقى التهمة فى ذلك على المغامر بوش الابن الذى ألقى بالأمريكان فى أتون حرب فى أفغانستان، ثم فى العراق، أدت إلى دخول أمريكا فيما أطلق عليه الأزمة المالية العالمية بسبب فاتورة تمويل هذه الحروب. أى حرب إذن يمكن أن تخوضها إسرائيل ضد مصر وهى لا تملك فاتورة حسابها؟!.

وينسى هؤلاء الذين يتحدثون عن أن إسرائيل تفكر الآن فى احتلال سيناء لإحكام القبضة الأمنية عليها أن تحريك القوات الإسرائيلية نحو هذا الهدف يعنى تعرية ظهرها أمام الجبهة الفلسطينية وأمام الجبهة اللبنانية والجبهة السورية التى سوف تفتح عليها النار قريباً. لقد بادرت إسرائيل إلى قبول فكرة عقد اتفاقية سلام مع مصر عام 1979 لا لشىء سوى لعجزها عن الاستمرار فى احتلال سيناء بسبب مشكلة نقص أعداد جيشها وقد رضيت بالانسحاب وهى فى منتهى النشوة والسرور، خصوصاً أن الاتفاقية كفلت الإخلاء النسبى لسيناء من أفراد الجيش المصرى، خصوصاً بالقرب من المناطق الحدودية. لقد كانت الدولة العبرية تحتاج إلى تحريك جنودها إلى جبهات أخرى، ولنفس السبب انسحبت إسرائيل من لبنان وانسحبت من غزة. لقد فعلت إسرائيل كل هذا وكان تعداد المصريين وقتها بضع وأربعين مليون نسمة، فما هو الوضع الآن وقد أصبح تعداد المصريين يقترب من التسعين مليوناً؟!.

وهناك أسباب سياسية مهمة تجعل العدو يفكر آلاف المرات قبل أن يهاجم مصر ويحتل شبراً واحداً من أرضها، أولها أن أى حماقة إسرائيلية تحدث فى هذا الاتجاه سوف تؤدى إلى إيقاف إمدادات الغاز وخسارة الاستثمارات التى يديرها رجال أعمال العدو فى مصر. وإسرائيل لا تريد أن تخسر تلك المكاسب التى ورثوها عمن يطلقون عليه «الكنز الاستراتيجى لإسرائيل»، وهو الرئيس المخلوع، ويرتبط بذلك أن صانع القرار الإسرائيلى يعلم أن مصر بعد 25 يناير غير مصر قبلها. وأتصور أن رسالة مبطنة قد وصلت إلى إسرائيل حين تعالت الأصوات داعية إلى تنظيم مليونية إلى شرم الشيخ للقبض على حسنى مبارك بعد أن تلكأ مدبرو الأمور فى مصر فى محاكمته، وهى تعلم أن هذه المسيرة يمكن أن تصبح «عشر مليونية» و«عشرين مليونية» لو فكرت فى أن تحتل شبراً واحداً من سيناء؟!.

إن إسرائيل تحاول أن تخادع المصريين بطرقها التقليدية العقيمة من خلال ما تنشره كبريات صحفها من دعوات لاحتلال سيناء بهدف تأمين نفسها، وتدفع ببعض المسؤولين الغربيين للحديث عن عجز المصريين عن السيطرة على الأوضاع الأمنية فى سيناء، مثلما فعلت هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية، كل ذلك من أجل أن يلتقط بعض السذج هذا «الطعم» ليصابوا بالرعب ويبدأوا فى تخويفنا من الحرب مع إسرائيل، وهو بالضبط ما كان يفعله كنزهم الاستراتيجى من تلقاء نفسه عندما كان يطنطن بكلامه الفارغ عن أنه رجل عسكرى ويعرف معنى الحرب جيداً، وأنه لن يزج بالمصريين فى أتون معركة غير متكافئة، وكأن إسرائيل كانت تحتاج إلى حربه بعد أن أعطاها الغاز وطبّع العلاقات معها وفتح لها أبواب مصر على البحرى لتخرب فيها وتسرطن زراعتها وتقتل أبناءها كيفما تشاء!.

لقد ذهب الكنز الاستراتيجى إلى غير رجعة، ونحن أمام لحظة تاريخية يمكن أن نصحح فيها الكثير من الأوضاع المعوجة فى علاقتنا بإسرائيل، وأولها إيقاف ضخ الغاز، والدفع بجنودنا إلى سيناء بعيداً عن السفسطة بالحديث عما تنص عليها معاهدة السلام التى خرقتها إسرائيل بأكثر من صورة خلال السنوات الأخيرة، وآخر هذه الصور التوغل فى أرض سيناء وقتل أبنائنا، وسوف تقبل إسرائيل صاغرة بكل ما نريد، وليست تلك الاستحقاقات الوحيدة التى أصبح مطلوباً من هذا الكيان الوفاء بها، فها هى الثورة الليبية تنجح فى الإطاحة بديكتاتور أفريقيا، والثورة السورية فى طريقها إلى النجاح، وحزب الله فى لبنان يقوى، وحماس فى غزة على أهبة الاستعداد، وكل فريق من هذه الفرق سوف يطالب إسرائيل بالاستحقاقات الواجبة عليها. على إسرائيل أن تخاف كل الخوف وأن ترتعب أشد الرعب لأن وقت الحساب جاء، ولأن الربيع العربى سوف يتوازى معه خريف إسرائيلى!.