بدأت إيران، أمس، تشييع جثمان العالم النووى، محسن فخرى زاده، الذى يطلق عليه لقب «أبوالقنبلة النووية الإيرانية»، والذى تم اغتياله فى مدينة آب سرد بمقاطعة دماوند شرق طهران، مساء الجمعة الماضى مع عدد من حراسه ومرافقه فى تطور يهدد بإمكانية اندلاع حرب إقليمية، إن قررت إيران الرد على إسرائيل أو أى قوات أمريكية موجودة فى المنطقة، فى الوقت الذى ردت فيه إيران على الاغتيال بموافقة البرلمان الإيرانى، أمس، على رفع معدلات تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، بما يعيد معدلات التخصيب إلى ما كانت عليه قبل الاتفاق النووى، وبما يمهد الطريق أمام تقليل الفترة الزمنية أمام مساعى إيران لإمكانية امتلاك القنبلة النووية، فى حين أعلن مسؤول إيرانى كبير، أن العديد من النواب طالبوا بالانسحاب من الاتفاق النووى الموقع بين طهران والغرب عام 2015.
وصادق مجلس الشورى الإيرانى «البرلمان» بالأغلبية، أمس، على قانون «الإجراء الاستراتيجى لإلغاء العقوبات»، الذى أقرّه المجلس والذى يتضمن رفع إنتاج اليورانيوم المخصب حتى 20%، وعقد مجلس الشورى، جلسة مغلقة بحضور وزير الاستخبارات محمود علوى لبحث «التحقيق فى الاغتيال» بحسب ما أفادت وكالة الأنباء الطلابية.
من جانبه، أكد فريدون عباسى رئيس لجنة الطاقة بمجلس الشورى الإيرانى، بدء تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، وأضاف أن نواب البرلمان طالبوا بوقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والانسحاب من الاتفاق النووى، موضحاً أن «دم الشهيد فخرى زاده سيغير تحرك المجلس بشأن البرنامج النووى». وفى تغريدة له على «تويتر»، قال عباسى: «إن دماء زاده ستغير هندسة المجلس الثورى حيال البرنامج النووى» وأضاف:«سيركز مجلس الشورى على 4 قضايا مركزية، وهى: بدء تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، وإخراج جميع مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإنهاء التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والانسحاب من الاتفاق النووى».
ونقل جثمان زاده إلى مرقد الإمام الرضا فى مدينة مشهد، مع انطلاق مراسم وداعه التى ستختتم اليوم فى طهران، وأفادت وكالة الأنباء الرسمية (إرنا)، أمس، أن جثمان فخرى زاده نقل إلى مشهد شمال شرق إيران، لأداء الصلاة عليه فى حرم مقام الإمام على الرضا، ثامن الأئمة المعصومين لدى الشيعة. وبحسب وزارة الدفاع، يتم نقل الجثمان فى وقت لاحق إلى مرقد السيدة فاطمة المعصومة فى مدينة قم جنوب طهران، على أن تكون محطته الأخيرة مرقد الإمام الخمينى فى العاصمة الإيرانية. وأفادت الوزارة عبر موقعها الإلكترونى، أن مراسم التشييع ستقام، اليوم، بحضور أفراد العائلة وعدد من القادة العسكريين.
وكان الرئيس الإيرانى، حسن روحانى، والعديد من المسؤولين الإيرانيين، اتهموا إسرائيل بالوقوف خلف اغتيال العالم البارز، والسعى لإثارة «فوضى» فى المنطقة قبل أسابيع من تولى الرئيس الأمريكى، المنتخب جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة، وفى حين شدد روحانى على الرد على الاغتيال «فى الوقت المناسب»، أكد المرشد الأعلى الإيرانى، على خامنئى ضرورة «معاقبة» المسؤولين عن الاغتيال ومواصلة نشاطات فخرى زاده. وشغل العالم الراحل منصب رئيس إدارة منظمة الأبحاث والإبداع فى وزارة الدفاع الإيرانية، وأدرجت وزارة الخارجية الأمريكية اسمه على لائحة العقوبات، عام 2008، على خلفية «نشاطات وعمليات ساهمت فى تطوير برنامج إيران النووى».
وشكل اغتيال زاده، ضربة موجعة لإيران، لأنه عاش حياة تكتنفها السرية لدرجة أن سنه كان سرا من الأسرار غير المعروفة، فى ضوء الحراسة اللصيقة التى كان يتمتع بها وابتعاده عن العيون، غير أن مسؤولين إيرانيين يقولون إن إيران لديها شبكة من العلماء لشغل أى فراغ، بعد مقتله، ورغم السرية التى فرضت عليه، إلا أن جانبا كبيرا من البرنامج السرى الذى يعتقد أنه أداره لصنع سلاح نووى كان معروفا منذ فترة طويلة، وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنها تشتبه أن فخرى زاده أشرف على أبحاث سرية لتركيب رأس حربية على صاروخ باليستى واختبار مواد شديدة الانفجار تلائم السلاح النووى وتخصيب اليورانيوم، وفيما تصر إيران على أنها لم يكن لديها أى برنامج نووى سرى، أو أى طموح لصنع القنبلة النووية، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والمخابرات الأمريكية والإسرائيلية، إن إيران لديها برنامج لصنع سلاح نووى وأنها أوقفته عام 2003.
وتوصلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى 2011 إلى أن زاده، هو الذى تشير الشبهات بأنه رئيس خطة يعتقد أنها وضعت قبل حوالى 20 عاما للإشراف على العناصر الرئيسية فى برنامج السلاح النووى، وقالت الوكالة الدولية فى 2011، إن بعض الأعمال المتصلة به استمرت وإن فخرى زاده احتفظ «بالدور التنظيمى الرئيسى» استنادا إلى معلومات من إحدى الدول الأعضاء، وأضافت الوكالة الدولية فى «تقييم نهائى» صدر عام 2015، إن هناك مؤشرات على أن هذه الجهود المعنية توقفت فى 2009، لكن فخرى زاده كان العالم الإيرانى الوحيد الذى ورد اسمه فى تقرير 2015.
وعلى مدى سنوات، نشرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بفضل صلاحيات تفتيش جديدة أكثر تدقيقا حسب الاتفاق النووى الموقع بين طهران والغرب، تقارير تظهر أن إيران ملتزمة بالقيود الجديدة المفروضة بموجب الاتفاق، الذى يهدف إلى إطالة أمد الفترة التى تحتاج إليها إيران لإنتاج كمية كافية من المواد النووية اللازمة لصنع القنبلة النووية، لكن الشكوك، سيطرت على تفكير الدول الغربية خشية أن تستأنف إيران برنامجها النووى السرى، فتم التوصل بين طهران ودول الغرب، إلى اتفاق نووى عام 2015 ووافقت طهران بمقتضاه على تقييد أنشطتها النووية مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها، وعارضت إسرائيل، ألد أعداء إيران، الاتفاق بشدة، وانسحب منه الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته، دونالد ترامب فى 2018، وردت طهران بتجاوز الحدود المنصوص عليها فى الاتفاق فيما يتعلق بإنتاج اليورانيوم المخصب الذى يمكن تطوير تخصيبه ليصبح جاهزا للاستخدام فى السلاح النووى ولكن طهران لاتزال تملك كمية أقل بكثير من المخزون الذى كان لديها قبل 2015.
وبحسب الاتفاق النووى، يحدد مخزون إيران من اليورانيوم المخصب عند 202.8 كيلوجرام وهو ما يعد نسبة ضئيلة للغاية من أكثر من 8 أطنان قامت إيران بتخصيبها قبل الاتفاق، وقدر تقرير الوكالة الدولية أن المخزون الحالى لدى إيران من اليورانيوم المخصب، يبلغ 2442.9 كيلوجرام.
وفيما يتعلق بمستوى التخصيب، يفرض الاتفاق النووى حدا أعلى للمستوى الانشطارى الذى يمكن لإيران أن تخصب اليورانيوم به عند 3.67% وهو ما يقل كثيرا عن مستوى 20% الذى حققته طهران قبل الاتفاق وأقل بكثير من المستوى اللازم لصنع السلاح النووى وهو 90%، وفيما يتعلق بأجهزة الطرد المركزى، يسمح الاتفاق لإيران بإنتاج اليورانيوم المخصب باستخدام حوالى 5000 جهاز من الجيل الأول طراز «آى آر-1» من أجهزة الطرد المركزى فى وحدة نطانز التى أنشأتها تحت الأرض لتسع أكثر من 50 ألفا من هذه الأجهزة، ويمكن لهذه الوحدة تشغيل أعداد صغيرة من أجهزة أكثر تقدما فوق الأرض دون أن يتراكم فيها اليورانيوم المخصب.
وكان لدى إيران حوالى 19 ألفا من أجهزة الطرد المركزى العاملة قبل الاتفاق، وفى عام 2019، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن إيران بدأت التخصيب بأجهزة متقدمة للطرد المركزى فى معمل تجريبى فوق الأرض فى مفاعل نطانز، ومنذ ذلك الحين بدأت إيران نقل 3 مجموعات من أجهزة الطرد المركزى المتقدمة إلى مصنعها تحت الأرض. وفى نوفمبر الماضى، قالت الوكالة الدولية، إن إيران قامت بتغذية أول تلك المجموعات التى أعدتها تحت سطح الأرض بسادس فلوريد اليورانيوم.
كما يحظر الاتفاق النووى على إيران القيام بتخصيب اليورانيوم فى موقع «فوردو» النووى، الذى بنته إيران سرا فى بطن جبل وكشفته أجهزة المخابرات الغربية فى عام 2009، ويسمح بأجهزة الطرد المركزى فى هذا الموقع لأغراض أخرى مثل إنتاج النظائر المستقرة، وتمتلك إيران حاليا، 1044 جهازا من نوع «آى آر-1» للتخصيب فى مفاعل «فوردو» وحده.
وتتباين التقديرات الخاصة بالفترة التى تحتاجها إيران لامتلاك المواد اللازمة لصنع السلاح النووى، ويقول العديد من الدبلوماسيين والخبراء النوويين إن نقطة البداية التى كانت محددة بعام، تعتبر تقديرا متحفظا وإن إيران تحتاج وقتا أطول، وفى نوفمبر الماضى، قدر ديفيد أولبرايت مفتش الأسلحة السابق بفرق الأمم المتحدة، والذى يميل للتشدد فيما يتعلق بإيران، إن الفترة اللازمة قد تكون قصيرة ربما تصل إلى 3.5 أشهر رغم أن ذلك قائم على افتراض أن إيران ستستخدم 1000 من أجهزة الطرد المركزى المتقدمة التى استبعدت بموجب الاتفاق النووى، فى حين يشكل امتلاك إيران صواريخ باليستية بعيدة المدى، الهاجس الأكبر لدى دول المنطقة والولايات المتحدة من إمكانية لجوء إيران إلى استخدام السلاح النووى إن توصلت إليه عبر تلك الصواريخ، والتى لم يتطرق إليها الاتفاق النووى.
ومع ذلك، إذا تمكنت إيران من جمع مواد انشطارية كافية فستحتاج لتجميع قنبلة، وعلى الأرجح ستكون صغيرة بما يكفى لتركيبها على صواريخ باليستية تمتلكها طهران، والفترة التى يستغرقها ذلك على وجه الدقة ليست واضحة. وقبل اغتيال زاده، كانت إيران تسمح للوكالة الدولية، بتفتيش منشآتها النووية المعلنة، وتسمح للمفتشين بزيارات مفاجئة فى أماكن أخرى، وتم التغلب على خلافات خلال العام الجارى، بين طهران والوكالة، بشأن السماح لمفتشى الوكالة بدخول موقعين سابقين دارت حولهما الشبهات.
وفى 2018 أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو أن إسرائيل وضعت يدها على «أرشيف» ضخم من الوثائق الإيرانية يظهر أنها أنجزت أعمالا أكثر مما كان معروفا من قبل، وأطلعت إسرائيل، الوكالة الدولية وحلفاءها على الأرشيف، ويقول دبلوماسيون إن الأرشيف تضمن فيما يبدو معلومات إضافية عن أنشطة تمت خلال فترة قيادة فخرى زاده خطة «آماد» فى مطلع الألفية الثالثة، وقال نتنياهو فى استعراض الأرشيف عام 2018: «تذكروا هذا الاسم: فخرى زاده».
ويقول دبلوماسيون إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تفقدت منذ ذلك الحين عدة مواقع ربما يكون لها صلة بخطة «آماد» الأمر الذى أدى إلى سد بعض الثغرات فى المعلومات، لكن دون الكشف عن مجالات جديدة كبرى فيما يتعلق بتصنيع السلاح النووى. ويعمل مصنع التخصيب الرئيسى الإيرانى فى مفاعل نطانز، تحت الأرض لحمايته من القصف، بنسبة قليلة من طاقته الإنتاجية قبل عام 2015 بفعل الاتفاق النووى، غير أن إيران تقوم بتخصيب اليورانيوم فى منشآت أخرى.
وقالت أريان طباطبائى الباحثة فى شؤون الشرق الأوسط بصندوق «مارشال» الألمانى وجامعة كولومبيا إن مقتل فخرى زاده، رغم أنه يشكل ضربة موجهة لطهران، ولكن عمله فى إقامة بنية أساسية لدعم الأبحاث النووية الإيرانية، لا يعنى تغيير مسار برنامج إيران النووى بصفة جوهرية، وقال فريدون عباسى العالم النووى الإيرانى، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية والذى نجا من محاولة اغتيال فى 2010، إن زاده «كوّن شبكة من العلماء ستواصل عمله».
ويمثل اغتيال فخرى زاده مخاطر أمام خطط الرئيس الأمريكى المنتخب، جو بايدن لاستئناف الحوار مع طهران، وإمكانية رجوع واشنطن إلى الاتفاق النووى، واتهمت طهران عدوتها إسرائيل باغتيال زاده بضوء أمريكى أخضر، ولكن واشنطن لم تعلق رسميا على اغتياله، فى حين أعاد ترامب مشاركة منشورات لأشخاص آخرين على «تويتر» بما فى ذلك تغريدة قالت إن زاده «مطلوب لدى الموساد منذ عدة سنوات». ويرى بعض المحللين الأمريكيين والغربيين إن اغتيال زاده عملية خطيرة تقوّض رغبة بايدن المعلنة فى إمكانية العودة للاتفاق النووى إن التزمت طهران ببنوده، واعتبروا أن اغتيال زاده «عمل تخريبى ضد الدبلوماسية والمصالح الأمريكية، ويساعد المتشددين الإيرانيين الذين يسعون إلى امتلاك الأسلحة النووية».
وبينما كانت واشنطن تعيد حاملة الطائرات الأمريكية «يو. إس. إس. نيميتز» مع مجموعتها من السفن الحربية إلى منطقة الخليج وسط إصرارها على أنه لا علاقة بين الخطوة والاغتيال، حذّرت ألمانيا ودول أوروبية أخرى أطرافا فى الاتفاق النووى، من أى «تصعيد» جديد.