أكثر ما يسعد من يكتب فى الشأن العام، هو أن يتلقى تعليقات على ما كتب، والأكثر من ذلك أن يتلقى اقتراحات وأفكارا جديدة مرتبطة بالموضوع الذى تناوله.
وتحت عنوان «دروس من السماء» كتبت فى «المصرى اليوم» بتاريخ 26 أكتوبر مقالاً يتناول قضية أنه فى أحيان كثيرة يخطط الشخص منا فى اتجاه أن تسير الأمور بشكل معين، وهو الشكل الذى يرضيه بغض النظر عن أى أطراف متداخلة فى نفس الأمر، وتكون مشيئة المولى عز وجل أن يحدث شىء آخر تماماً، وهو أمر يحتاج إلى التدبر والتأمل لمن كان متجبراً ومتنمراً ولا يرى الأمور إلا من منظوره الشخصى.
وذكرت فى معرض توضيح ما أردت عدة أمثلة، ومنها واقعة الفيديو الشهير لحديث السيد عمرو موسى مع عصام العريان بشأن خروج الرئيس مبارك من السجن بعد وصول مرسى إلى الحكم، وإصرار العريان على عدم خروجه من السجن إلا إلى القبر، وهو الأمر الذى لم يحدث، وحقيقة ما حدث بعد ذلك أن عصام العريان نفسه وقبله الرئيس مرسى هم من خرجوا من السجن إلى القبر، تماماً كما أراد لمبارك.
ومن ضمن ما وصلنى من ملاحظات، هو عنوان بديل للمقال، وخاصة فى الشق الأول منه والخاص بموضوع عصام العريان، ليصبح «يمهل ولا يهمل»، وصاحبة الاقتراح هى الأخت الفاضلة الوزيرة عائشة عبدالهادى، وقد تعرضت لظلم شديد حين تم الزج باسمها فى قضية موقعة الجمل الوهمية، والتى وقعت فى الثانى من فبراير 2011 واختلقها الإخوان لإبقاء المتظاهرين فى الميدان بعدما بدأ المتظاهرون فى مغادرة الميدان، حيث سبق أن ألقى الرئيس مبارك خطاباً مهماً يشير فيه إلى نقل صلاحياته لنائبه اللواء عمر سليمان وأكد عدم نيته أو أى من عائلته الترشح فى أى انتخابات مقبلة، ولأن موقعة الجمل كانت قضية وهمية، فقد انتهت المحاكمات ببراءة جميع المتهمين، بل إن بعضهم حصل على البراءة غيابياً، ودون أن يدخل المحكمة.
وهاتفنى صديقى الدكتور/ يحيى أمين، الاستشارى الهندسى المعروف، واقترح عنواناً آخر للمقال وهو «الله غالب»، وهو عنوان معبر وفيه استسلام جميل لإرادة المولى عز وجل فى مواجهة تدابير البشر، والتى غالباً ما تخضع للأهواء والظروف، وأتمنى من القارئ أن يسقط هذا العنوان على الوقائع التى وردت فى مقالى الذى أشرت إليه، ليس فقط بشأن واقعة عصام العريان، وإنما أيضاً إلى تصرفات بوريس جونسون وترامب، وقد استهانا بخطورة انتشار كورونا، ومن المفارقات أن مرض كل منهما، ودخلا العناية المركزة فى حالات خطرة ومعهم الملايين من مواطنيهم، وسيجد عنوان الله غالب، معبراً تماماً عما حدث.
وبمناسبة العنوان الجديد، (الله غالب)، تدبروا واقعتين من الأحداث القومية الكبرى، ففى عام 67 وبعد النكسة رسخت إسرائيل لمفهوم انهيار الدولة المصرية وأن الهزيمة كانت من القسوة بحيث لن تقوم للجيش المصرى قائمة بعدها، إلا أن ما حدث كان شيئاً آخر، حيث بدأ عبدالناصر فى إعادة بناء الجيش وبدأت حرب الاستنزاف واستكمل السادات الاستعدادات، وتم التخطيط لحرب أكتوبر 73 العظيمة والتى انتهت بهزيمة إسرائيل واسترجاع سيناء كاملة، وسطرت القوات المسلحة ملحمة رائعة فى التخطيط والتنفيذ لواحدة من أكبر المعارك الحربية فى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت كل المؤشرات قبلها تصب فى مصلحة التفوق العسكرى الاسرائيلى الكاسح ولكنها كانت إرادة المولى عز وجل أن يقف مع أصحاب الحق بعدما أخذوا بكل أسباب النصر والذى تحقق وهم أقرب ما يكونون إلى الله فى العاشر من شهر رمضان.
تأملوا كذلك واقعة نجاح الإخوان فى الاستحواذ على السلطة التشريعية والتنفيذية ورئاسة الجمهورية فى منتصف عام 2012، بعدما لحقوا بثورة 25 يناير واستولوا عليها، وعملوا على سيطرة كوادرهم على مفاصل الدولة، وترسيخ مفهوم أنهم باقون لخمسة قرون قادمة، وبينما كان كل منا يرتب أموره وأمور أولاده وأحفاده على التعايش مع مرحلة جديدة للحياة فى مصر، غير التى عرفناها وعرفها آباؤنا وأجدادنا، كانت مشيئة الله أن يقيض لنا قواتنا المسلحة التى قامت بحماية الشعب حين قرر التصدى لهذا التيار الجديد، وانتصرت ثورة 30 يونيو وخرج الإخوان دون رجعة.. الله غالب.