اليوم التالي: ماذا بعد فوز «بايدن» برئاسة الولايات المتحدة؟

كتب: بوابة الاخبار الثلاثاء 10-11-2020 17:15

بعد أيام من الانتظار والترقب، أُعلنت النتائج غير الرسمية في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020، والتي انتهت بفوز المرشح الديمقراطي «جو بايدن» على الرئيس «ترامب»، سواء في الأصوات العامة أو المجمع الانتخابي، وبذلك أصبح «بايدن» الرئيس الأمريكي القادم الذي سيتولى مهام منصبه رسميًّا يوم 20 يناير 2021.

هذا التطور يدفع إلى طرح العديد من الأسئلة، حسب الباحث في مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، حسام إبرهيم، أبرزها: كيف نجح في تحقيق هذا الانتصار على الرئيس «ترامب» الجالس في السلطة؟ وما هو جدول الأعمال الذي يجب على «بايدن» التعامل معه سواء في المرحلة الانتقالية كرئيس منتخب، أو بعد دخوله البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع الحكم بشكل عام؟

الطريق إلى البيت الأبيض:

حقق «بايدن» تقدمًا غير مسبوق في السباق الرئاسي 2020، فقد حسم الانتخابات بأكثر من 74 مليون صوت انتخابي، وهذا الرقم يُعتبر أعلى رقم يحققه مرشح رئاسي على مدار التاريخ الأمريكي. وهذا الإنجاز لم يولد من فراغ، ولكنه جاء في ظل معطيات ومحددات ساعدت في إنهاء رئاسة «ترامب»، الرئيس غير التقليدي للولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذا الإطار يُمكن الإشارة إلى الجوانب التالية:

1- المنافس: يرجع جانب كبير من نجاح حملة «بايدن» في الفوز بالسباق الرئاسي إلى طبيعة خصمه الرئيس «ترامب» الجالس في السلطة، بالرغم من أن السوابق في السياسة الأمريكية تشير إلى أن الرئيس الجالس في السلطة نادرًا ما يخسر انتخابات إعادة انتخابه، فمن بين 44 رئيسًا أمريكيًّا وصلوا إلى البيت الأبيض على مدار التاريخ الأمريكي قبل «ترامب»، فقد خسر منهم 10 رؤساء. وتقليديًّا كان من المتوقع أن يحصل «ترامب» على فترة رئاسية ثانية، لكن عددًا من المحددات التي ارتبطت بالسياسات التي تبناها داخليًّا وخارجيًّا أفضت إلى خسارته البيت الأبيض، وأبرز هذه المحددات فشله في التعامل مع أزمة كورونا، وتراجع الأداء الاقتصادي بعد الأزمة، ناهيك عن أن «ترامب» فشل في خسارة قطاع كبير من القاعدة الانتخابية التي أوصلته إلى البيت الأبيض في انتخابات 2016، فبشكل عام فإن التصويت لبايدن في انتخابات 2020 كان في جزء كبير تصويتًا عقابيًّا ضد «ترامب».

2- الاستراتيجية: انتهجت حملة «بايدن» استراتيجية محددة في خوض السباق الرئاسي، ووضع «بايدن» في الطريق إلى البيت الأبيض. هذه الاستراتيجية ارتكزت على ثلاثة مستويات للتحرك، الأول: جعل الانتخابات تبدو وكأنها استفتاء على «ترامب» وليس منافسة انتخابية بينه وبين «بايدن»، فالحملة ركزت على التواصل المباشر مع الناخب الأمريكي، وتركت الفضاء السياسي العام لترامب، وكان التقييم الاستراتيجي أنه كلما أخطا «ترامب» زادت فرصة «بايدن».

والمستوى الثاني من تحرك الحملة تمثل في التركيز على الولايات التي يحتاج «بايدن» للفوز بها، وعدم الانجرار إلى الأفكار التقليدية في الحزب الديمقراطي بضرورة التركيز على بعض الولايات الجمهورية الكبيرة مثل تكساس، لكنّ تركيز الحملة انصبّ بشكل رئيسي على ولايات محددة تُعتبر المفتاح الذهبي في الوصول إلى البيت الأبيض، وهي: ويسكونسون، وميشيغان، وبنسلفانيا، وعملت الحملة على التحرك بكثافة في هذه الولايات في الأسابيع الأخيرة للانتخابات، وكانت الاستراتيجية تهدف إلى تعزيز الإقبال على التصويت لصالح «بايدن» في المناطق الحضرية والضواحي التي خسرها الديمقراطيون في انتخابات 2016، مع تقليص الفوارق مع «ترامب» في المناطق الريفية وضواحيها. وعمليًّا، نجحت هذه الاستراتيجية، فالفوز بولاية بنسلفانيا هو الذي ساعد على حسم السباق الانتخابي.

وتركز المستوى الثالث من استراتيجية العمل على الفوز في الانتخابات على آليات التحرك، ففي هذا السياق تبنت الحملة آليات عمل متطورة، وانتقلت من الحملات السياسية النمطية التي تعتمد على طرق الأبواب والمؤتمرات الانتخابية والحملات في وسائل الإعلام إلى حملة افتراضية منظمة عبر الإنترنت.

3- الرسالة: بالتوازي مع انتهاج استراتيجية مختلفة، لعبت الرسالة التي تبنتها الحملة دورًا رئيسيًّا في إيصال «بايدن» للبيت الأبيض، وهذه الرسالة التي ساهم «بايدن» شخصيًّا في صياغتها، تركزت حول التأكيد على أن الولايات المتحدة في حاجة إلى التغيير، وفي حاجة إلى استعادة روحها من جديد، بعد أربع سنوات من أداء إدارة «ترامب» الذي أدى إلى تزايد حدة الانقسام داخل المجتمع الأمريكي، وأيضًا ضرورة أن يعود المجتمع الأمريكي إلى التحضر، والقيم الأخلاقية. وفي هذا الإطار، نجد أن «بايدن» كانت يتحدث دائمًا في مؤتمراته الانتخابية وفي المناظرات عن العودة إلى «اللياقة» أو «التهذب»، بعد سنوات من الممارسات الفجة والتعامل غير الأخلاقي في المجال السياسي. لقد كانت العودة إلى التحضر جزءًا من المنافسة الانتخابية مع «ترامب»، فجزء من المباراة لم يكن يتعلق بالسياسة أو الأيديولوجيا أو الاقتصاد، ولكن بتصحيح الخطأ التاريخي بانتخاب «ترامب» الذي أظهر وحشية أمريكا وأسوأ ما فيها، فـ«بايدن» كان يسعى إلى إظهار أن الأمريكيين قادرون على العودة إلى الخير والطريق الصحيح وأمريكا المتحضرة.

4- الفريق: ساعدت خبرة «بايدن» السياسية على امتداد ما يقرب من سبعة وأربعين عامًا في اهتمامه بتشكيل فريق الحملة الذي لعب الدور الرئيسي في إيصاله إلى البيت الأبيض، فسنوات «بايدن» في مجلس الشيوخ وإدارتي «أوباما» جعلته يحتك بشخصيات تمتلك خبرات وكفاءات عالية في مجالات متعددة. ففريق الحملة الانتخابية ضم أربع مجموعات، الأولى رؤساء الحملة المشاركون من الشخصيات البارزة في الحزب الديمقراطي، والمجموعة الثانية فريق إدارة الحملة الذين عملوا في السابق في حملتي «أوباما»، ولديهم تجارب نجاح متنوعة في إدارة الحملات الانتخابية، والمجموعة الثالثة المستشارون من الخارج، الذين صاغوا خطط وبرامج الحملة المرتبطة بالسياسات الداخلية والخارجية، وأخيرًا فريق العمل الذي غلب عليه التكوين الشبابي من المتطوعين. هذا الفريق بتشكيلته المتنوعة وخبراته السابقة، والتناغم بين أفراده، يمثل الجانب غير المرئي في قصة وصول «بايدن» للبيت الأبيض.

5- الآليات: تبنّت حملة «بايدن» آليات غير تقليدية، بشكل يمكن القول معه إن فريق «بايدن» أدار أول حملة انتخابات رئاسية عبر الإنترنت بالكامل لأول مرة في التاريخ الأمريكي، وبدا ذلك واضحًا بشكل كبير في المؤتمر العام للحزب الديمقراطي الذي تم عقده وإدارته على الإنترنت بشكل شبه كامل. ويعود الفضل في ذلك إلى «أومالي ديلون» مديرة الحملة، التي قادت عمليات الحملة الميدانية بشكل احترافي في عالم الفضاء الإلكتروني، فقد ركزت على توظيف فريق كبير جدًا من المتخصصين في العمل الإلكتروني، وقامت بجذب كل فرق الترويج الإلكتروني من الذين أداروا الحملات التمهيدية لمنافسي «بايدن» في الحزب الديمقراطي، وهؤلاء جلبوا معهم استراتيجيات جديدة في العمل بالحملة الإلكترونية، وبناء جيش من المتطوعين الذين يعملون وراء شاشات الكمبيوتر لجذب أكبر عدد ممكن من الناخبين الأمريكيين.

6- الانضباط: أحد العوامل الرئيسية في وصول «بايدن» للبيت الأبيض، يرتبط بالانضباط التنظيمي الذي التزمت به كل الأطراف في هذه الحملة، بداية من «بايدن» نفسه الذي التزم حرفيًّا طوال السباق الانتخابي بتوصيات وتوجيهات الحملة، مرورًا بالتناغم بين مجموعات فريق الحملة الأربع، والاستقرار الذي اتسم به تشكيل فريق الحملة، بعكس حملة «ترامب» التي شهدت حالات كثيرة من التغيير في قياداتها، وترك فريقها لترامب الحرية للتصرف كما يرى، وكانت المقولة الرئيسية داخل أروقة الحملة «دع ترامب يتصرف بحرية».

7- الواقع: تُشير المؤشرات العامة حول اتجاهات التصويت في انتخابات 2020، إلى نجاح حملة «بايدن»، سواء فيما يتعلق بالاستراتيجية التي طبقتها، أو آليات العمل، فوفقًا للبيانات المتاحة حاليًّا عن اتجاهات التصويت، وصل «بايدن» إلى البيت الأبيض عبر نجاحه في بناء ائتلاف يعتمد على تصويت المرأة والمجموعات العرقية، خاصة السود، وجذب أصوات الشباب الحاصلين على مؤهل أقل من جامعي، وفئات كبار السن، والنجاح في استعادة الولايات الزرقاء التي فقدها الديمقراطيون في انتخابات 2016، فضلًا عن دفع ملايين الناخبين الديمقراطيين من التصويت عبر البريد.

جدول الأعمال:

يُمكن الإشارة إلى جدول الرئيس المنتخب «بايدن»، وأعمال فريقه الانتقالي، وإدارة «بايدن» القادمة، وذلك على النحو التالي:

1- المرحلة الانتقالية: يقع على عاتق فريق «بايدن» الانتقالي الكثير من المهام خلال المرحلة الانتقالية، وهي الفترة منذ إعلان النتائج وحتى يوم 20 يناير 2021، وهو يوم التنصيب الرسمي للرئيس، وأبرز هذه المهام هو التنسيق مع فريق إدارة «ترامب» في البيت الأبيض لتسليم وتسلم ملفات السلطة، والمهمة الثانية متابعة عملية تشكيل الإدارة الجديدة، وإجراء المقابلات مع الشخصيات المرشحة لهذه الإدارة، والمهمة الثالثة هي التجهيز لحفل تنصيب الرئيس، وإدارة كل الجوانب المرتبطة بهذه المهمة.

2- تشكيل الإدارة الجديدة: تمثل مهمة اختيار شخصيات الإدارة الجديدة الجانب الأكثر تعقيدًا في عمل الفريق الانتقالي، وبعد ساعات من حسم السباق الرئاسي، يبدو أن الفريق بدأ فعليًّا في هذه المهمة، وتشير بورصة الترشيحات إلى أن «رون كلاين» الذي عمل في السابق مستشارًا لبايدن والرجل الأقرب إليه على مدار سنوات، سيشغل منصب كبير موظفي البيت الأبيض، وشخصيات مثل «ميشيل فلورني» التي شغلت في السابق منصب وكيل وزارة الدفاع للسياسات، والمؤسس المشارك لمركز الأمن الأمريكي الجديد مرشحة لشغل منصب وزير الدفاع، والسفيرة الأمريكية السابقة في الأمم المتحدة «سوزان رايس» مرشحة لشغل منصب وزير الخارجية، وغيرها من الترشيحات لبقية الوظائف الرئيسية في الإدارة.

3- التحديات الملحة: أول التحديات على أجندة الرئيس المنتخب «بايدن»، يتعلق بكيفية التعامل مع التحديات الرئيسية الملحة التي تواجه بلاده، وتحديدًا ملفي أزمة كورونا، والاقتصاد، وقد بدأ «بايدن» التحرك مبكرًا للتعامل مع هذين الملفين، فقد أعلن في خطاب الفوز، مساء يوم السبت 7 نوفمبر، أنه سيقوم يوم الاثنين 9 نوفمبر بتشكيل فريق عمل خاص لمواجهة أزمة كورونا، وهناك عددٌ من الشخصيات المرشحة لتنضم لهذا الفريق أبرزهم الجراح العام السابق «فيفيك مورثي»، والمفوض السابق لإدارة الغذاء والدواء «ديفيد كيسلر»، والدكتورة «مارسيلا نونيز سميث» من جامعة ييل. ومن المرجّح أن يعمل فريق «بايدن» بالتوازي أيضًا على الملف الاقتصادي وإعداد خطة عمل سريعة.

4- العلاقة مع الكونجرس: كان الديمقراطيون يطمحون للسيطرة على مجلس الشيوخ، والحفاظ على سيطرتهم على مجلس النواب، ليصبح الكونجرس تابعًا لهم، لكن نتائج انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشيوخ التي جرت بالتوازي مع انتخابات الرئاسة لم تُحسم حتى الآن، فهناك جولة إعادة في ولاية جورجيا، وتشير تقديرات أولية إلى أن الديمقراطيين قد يخسرون السباق في الولاية، ومن ثم وهذا غير مؤكد حتى الآن، أن تنتهي النتائج بفوز الجمهوريين وتمكنهم من السيطرة على المجلس، وهذا سيعقد من مهمة «بايدن» في الموافقة على الشخصيات المرشحة للمناصب الرئيسية في الإدارة، أو مشروعات القوانين العاجلة والملحة التي قد يرغب في تمريرها بالكونجرس.

الرئيس «بايدن»:

وفقًا لتاريخ «بايدن» السياسي، وأفكاره التي عبر عنها خلال الحملة الانتخابية، سواء تجاه القضايا والسياسات الداخلية والخارجية؛ فإن الملامح العامة لتوجهات إدارته، ومواقفه كرئيس، سوف تتمحور حول ثلاثة أبعاد رئيسية، وذلك على النحو التالي:

1- الواقعيّة والمثاليّة: سيمزج الرئيس «بايدن» بين السياسات الواقعية التي تُراعي المصالح الأمريكية العليا، وبين المثالية التي تؤكد على أهمية القيم الأمريكية في السياسة الخارجية، خاصة الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.

2- المواءمات السياسية: من المرجح بشكل كبير أن ينتهج «بايدن» سياسة المواءمات السياسية في الداخل والخارج، سواء المواءمات مع الكونجرس لتمرير مشروعات القوانين والسياسات التي يريدها، أو المواءمات في السياسة الخارجية، فالنهج التصادمي الذي تبنته إدارة «ترامب» السابقة سيقل -إلى حدٍّ كبير- في السياسة الأمريكية، فالسياسة الأمريكية في ظل إدارة «بايدن» ستركز على الأدوات الدبلوماسية بشكل أكبر من سياسات العقوبات والمواجهة.

3- أدوار المؤسسات: التغيير الرئيسي الذي ستشهده واشنطن في ظل الرئيس «بايدن» يتمثل في عودة فاعلية المؤسسات، فالدور الذي تلعبه مؤسسات مثل: مجلس الأمن القومي، ووزارتي الخارجية والدفاع، سيكون أكثر أهمية وفاعلية في ظل الإدارة القادمة.

ختامًا، جاء وصول «بايدن» إلى البيت الأبيض نتيجة عوامل ومحددات كثيرة، أبرزها شخصية «ترامب» والسياسات التي انتهجها. وبغض النظر عن حالة الصخب السياسي على الساحة الأمريكية، ورفض «ترامب» القبول بالنتيجة، والذي لن يغير في الواقع شيئًا؛ هناك على أجندة الرئيس المنتخب «بايدن» وفريقه الانتقالي جدول أعمال مكثف، أهم بنوده استلام وتسلم الملفات من إدارة «ترامب»، والعمل على تشكيل الإدارة الجديدة، والتعامل مع التحديات الملحة، خاصة أزمة كورونا.