رسالة «كان».. «قشيش» يفوز بالسعفة الذهبية وإنه لفوز عظيم لموهبة عظيمة

كتب: سمير فريد الإثنين 27-05-2013 19:25

كما توقعنا فى رسالة «المصرى اليوم»، عدد أمس الأول الأحد، وكما توقع الكثير من النقاد والمحللين، فاز عبداللطيف قشيش بالسعفة الذهبية، وهى أكبر جوائز أكبر مهرجان للسينما فى العالم عن الفيلم الفرنسى «حياة أديل»، وأصبح فنان السينما التونسى ثانى مخرج عربى يفوز بهذه الجائزة عن أحد أفلامه بعد الجزائرى محمد الأخضر حامينا الذى فاز بها عام 1975 عن «وقائع سنوات الجمر». وقد فاز بها أيضاً المخرج المصرى يوسف شاهين (1926-2007)، لكن عن مجموع أفلامه.

فوز قشيش الذى ولد فى تونس عام 1960، وهاجر إلى فرنسا، حيث أخرج أول أفلامه عام 2000، فوز عظيم لموهبة عظيمة، فقد استطاع خلال العقد الماضى أن تكون له مكانة كبيرة فى السينما الفرنسية والعالمية من خلال أفلامه الأربعة، وكلها روائية طويلة («غلطة فولتير» 2000، «لعبة الحب والحظ» 2004، «سر القمح» 2007، «فينوس السوداء» 2009)، وها هو فى فيلمه الخامس يهدى السينما الفرنسية السعفة الذهبية. وكما قال وهو يتسلم الجائزة «لقد وجدت فى فرنسا الحرية»، ولم ينس بلاده وإن أصبح يحمل الجنسية الفرنسية، وقال «وقد كانت الثورة فى تونس من أجل الحرية».

إننا أمام حدث يثبت من جديد أن المواهب الكبيرة توجد فى أى مكان وكل مكان، سواء فى بيت فقير فى إحدى قرى بوركينا فاسو، أو قصر منيف فى كاليفورنيا، ولا أحد يستطيع أن يعرف سر الموهبة الكبيرة إلا خالقها، لكن هناك مناخا ثقافيا يحاصر المواهب بالقيود ويعوقها، وآخر يتيح لها الحرية حتى تبدع كما قال قشيش بحق عن فرنسا، ولا إبداع من دون حرية.

صحيح أن الحرية تبدو عند قشيش فى التعبير الجرىء عن الجنس، خاصة فى فيلمه الجديد الذى يتناول الجنس المثلى، وصحيح أن الحرية لا تعنى الجرأة فى التعبير عن الجنس فقط، وصحيح أنه فى ذلك يختلف عن الفنانين الفرنسيين الذين يمارسون حريتهم باعتبارها من الحقوق الراسخة، ولا يهاجرون من بلادهم بحثاً عنها فى بلد آخر، كما فعل، لكنه عبر عن الثقافة التونسية ببراعة واقتدار فى فيلمه «سر القمح»، وعبر عن انتمائه الثقافى إلى عالم الجنوب بصفة عامة فى تحفته «فينوس السوداء» الذى يعتبر أهم الأفلام التى فضحت العنصرية فى تاريخ السينما. وتفتح السعفة الذهبية الطريق أمام قشيش لمزيد من الإبداع وهو فى الثانية والخمسين من عمره المديد إن شاء الله.

مسابقة من دون تحفة

استطاعت لجنة التحكيم التى رأسها ستيفن سبيلبيرج، وكان أغلبية أعضائها من كبار صناع السينما العالميين، أن تتوصل إلى أفضل النتائج لمسابقة حافلة، لكنها خلت من التحفة التى تحقق الإجماع أو شبه الإجماع، ما يجعل مهمة اللجنة أكثر صعوبة.

فاز فيلم قشيش بجائزة الاتحاد الدولى للصحافة السينمائية (فيبريسي)، وبأعلى تقديرات النقاد، خاصة نقاد فرنسا، لكن هذا لا يعنى أن فوزه بالسعفة الذهبية كان أمراً سهلاً. ولعل الدليل على ذلك أنه ولأول مرة فى مهرجان كان كما قال سبيلبيرج وهو يعلن الجائزة، فاز بها ثلاثة سينمائيين وهم قشيش وممثلتا الدورين الرئيسيين فى فيلمه ليا سيدوكس وأديل أكساروبولوس، وهو قرار غريب لأن الفوز بهذه الجائزة يكون للمخرج وحده، ويكون فى نفس الوقت فوزاً لجميع العاملين فى الفيلم.

الاستثناء الثقافى

وقد ألقى سبيلبيرج قبل أن يعلن الجوائز بياناً قصيراً جاء فيه أنه يؤيد سياسة فرنسا المعروفة باسم «الاستثناء الثقافى»، الذى يقوم على رفض اعتبار الفنون مثل أى «بضاعة» فى اتفاقيات التجارة الدولية، وهو موقف ينتصر فيه سبيلبيرج الفنان على سبيلبيرج المنتج الذى يعمل مع شركات هوليوود الكبرى التى ترفض استثناء الثقافة.

مفاجأة واحدة

فازت بالجوائز السبعة للأفلام الطويلة خمسة أفلام كانت موضع التقدير بصفة عامة، وهى إلى جانب فيلم قشيش الفيلم الأمريكى «لوين دافيز من الداخل» إخراج إيتان، وجويل كوين الذى فاز بالجائزة الكبرى التى تلى السعفة مباشرة، ولم يحضر الأخوان لتسلم الجائزة. والفيلم الفرنسى «الماضى» إخراج الإيرانى أشجار فرهادى، وفازت الممثلة الفرنسية بيرنس بيجو بجائزة أحسن ممثلة عن دورها فيه، وهى صاحبة موهبة من الطراز الرفيع، وكانت تستحق الفوز عن دورها المدهش فى فيلم «الفنان» منذ ثلاث سنوات.

والفيلم الرابع الصينى «لمسة خطيئة» إخراج جيا زانج-كى الذى فاز بجائزة أحسن سيناريو لمخرجه، (انظر رسالة «المصرى اليوم» عدد 19 مايو، حيث ذكرنا أنه نقطة تحول فى السينما الصينية)، والخامس الفيلم الأمريكى «نبراسكا» إخراج ألكسندر باين، وفاز بجائزة أحسن ممثل الفنان المخضرم بروس درن، الذى لم يتمكن من الحضور لتسلم الجائزة.

أما الفيلم الذى فاز وكان موضع خلاف فهو اليابانى «مثل الأب مثل الابن» إخراج هيروكازو كوري-إيدا، وفاز بجائزة لجنة التحكيم. والفيلم السابع الفائز هو المكسيكى «هيلى» إخراج آمات إسكالنتيه فكان موضع رفض الأغلبية، وكان فوزه بجائزة أحسن إخراج المفاجأة الوحيدة التى لم يتوقعها أحد. وليس هناك تفسير لفوز هذا الفيلم سوى الرغبة فى التنوع الثقافى للفائزين، وذلك بفوز فيلمين من فرنسا وفيلمين من الولايات المتحدة وفيلمين من آسيا وفيلم من أمريكا اللاتينية.

السينما والحرية

ومثل قشيش تحدث زانج-كى وهو يتسلم جائزته عن الحرية، لكنه قال «السينما تفتح الطريق إلى الحرية»، وذلك فى إشارة إلى الرقابة المشددة على السينما والفنون فى ظل النظام السياسى القائم فى بلاده، والتى كان دائماً ولايزال فى صراع معها، وينتزع حريته منها انتزاعاً.

كيم نوفاك

لم يتحرك سبيلبيرج من مقعده إلا لاستقبال كيم نوفاك وهى تدخل المسرح لتسلم الجائزة الكبرى، ولم يصفق الحاضرون فى قاعة المهرجان الكبرى وقوفاً إلا عند دخول كيم نوفاك وعند فوز فيلم قشيش، ولم يعرض على شاشة الحفل سوى مشهد من فيلم واحد هو «الدوامة» إخراج ألفريد هيتشكوك عام 1959 تظهر فيه كيم نوفاك مع جيمس ستيوارت، الذى تصدر استفتاء «سايد آند ساوند» العام الماضى لأحسن الأفلام فى تاريخ السينما.

سعفة الأفلام القصيرة

أشرنا فى رسالة «المصرى اليوم»، أمس الأول الأحد، إلى أهمية الفيلم الأيسلندى القصير «وادى الحيتان» إخراج جودمندور أرنار جودموندسون، وقد فاز بإحدى شهادتى تقدير منحتهما لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة التى رأستها فنانة السينما النيوزيلاندية العالمية الكبيرة جين كامبيون. وفاز بشهادة التقدير الأخرى الفيلم الفرنسى «37.4 درجة» إخراج أدريانو فاليريو الذى ولد فى إيطاليا عام 1977، وبدأ دراسته للسينما فى «ورشة عمل ماركو بيلوكيو»، وهذا فيلمه القصير السادس منذ عام 2003.

الفيلم يستحق التقدير مثل «وادى الحيتان»، ويعبر عن قصة حب بين شاب وفتاة عرفا بعضهما منذ الطفولة، وذلك فى جزيرة ترستان الصغيرة التى تقع فى المحيط الأطلنطى، ويعيش فيها 270 فرداً فقط، وتعتبر هذه المجموعة البشرية الأكثر عزلة فى العالم.

وجاء قرار اللجنة بفوز فيلم كوريا الجنوبية «أمان» إخراج مون بونج-جون بالسعفة الذهبية للأفلام القصيرة صائباً تماماً. وهو الفيلم القصير الثالث منذ 2008 لمخرجه الذى ولد عام 1983.

سينما كوريا الجنوبية أهم سينما آسيوية خرجت إلى العالم فى السنوات العشر الماضية، وقد فازت بالأسد الذهبى للأفلام الطويلة فى مهرجان فينسيا العام الماضى لأول مرة، وها هى تفوز بالسعفة الذهبية للأفلام القصيرة فى مهرجان كان هذا العام لأول مرة أيضاً. والفيلم يعلن مولد مخرج موهوب استطاع فى 13 دقيقة أن يعبر بفوزه عن واقع يغلى، وذلك من خلال فتاة تعمل صرافة وتحتمى من العنف بالدخول فى خزانة أموال كبيرة، لكن الخزانة لا تفتح إلا من الخارج، فتصبح قبرها.

الكاميرا الذهبية

وقررت لجنة تحكيم جائزة الكاميرا الذهبية لأحسن فيلم طويل أول أو ثان لمخرجه فى برنامج المهرجان والبرامج الموازية، والتى رأستها فنانة السينما الفرنسية العالمية الكبيرة آنييس فاردا، منح الجائزة للفيلم السنغافورى «إيلو إيلو» إخراج أنتونى شين الذى ولد عام 1984، ودرس السينما فى لندن، وأخرج 8 أفلام قصيرة منذ عام 2004، والفيلم الفائز أول أفلامه الطويلة، وعرض فى البرنامج الموازى «نصف شهر المخرجين».

كان أنتونى شين مخرج أول فيلم سنغافورى قصير يعرض فى مسابقة مهرجان كان عام 2007، وعنوانه «جدتى»، وفاز بشهادة تقدير من لجنة التحكيم، وأصبح أيضاً مخرج أول فيلم سنغافورى طويل يعرض فى المهرجان، ويفوز بالكاميرا الذهبية متفوقاً على 22 فيلماً من مختلف دول العالم.

«إيلو إيلو» عبارة تعنى الخادمة بالعامية فى الفلبين. وتدور أحداث الفيلم فى سنغافورة عام 1997 عشية الأزمة الاقتصادية فى جنوب شرق آسيا عن خادمة فلبينية تعمل لدى أسرة من الطبقة الوسطى، ويصبح رب الأسرة عاطلاً نتيجة الأزمة. وهكذا تكون السينما الآسيوية قد فازت بالسعفة الذهبية للأفلام القصيرة والكاميرا الذهبية للأفلام الطويلة الأولى، إلى جانب جائزة لجنة التحكيم وجائزة أحسن سيناريو فى مسابقة الأفلام الطويلة.