غزوة لافاش كيري

عادل نعمان الخميس 05-11-2020 01:08

أيها الأشاوس العقلاء المدافعون عن النبى المصطفى، من أراد منكم نصرة نبيه فليتبع خطى هؤلاء إلى السوبر ماركت ويشترى المنتجات الفرنسية، جبنة الشياطين لافاش كيرى، وعصائر التفاح والبرتقال والأناناس، والشيكولاتة بالفستق والبندق، والزبد الفرنسى، وأدوات التجميل وعطور «شانيل، لينستون، وجيفنشى، وفيرساتشى»، وانطلقوا جميعا، الكتف فى الكتف والأيدى فى الأيدى، إلى المصارف والترع والبرك، وليطرح كل واحد منكم ما فى يده طلقة واحدة فى وسط هذه المستنقعات، ويعود الجميع إلى ديارهم فرحين مستبشرين بالنصر المبين، فلم نقاطعها فقط بل بددناها بددًا. تحية من القلب لهذا المناضل الموريتانى الفقير الذى تقدم الصفوف، وحرق سيارته البيجو 307 الفرنسية الصنع والتى يعمل عليها، وأشعل فيها النيران وأتى على كل ما فيها وفقد مورد رزقة ورزق أولاده، نصرة لله ورسوله. تحية من القلب لصاحب البار التونسى الذى قاطع الخمور الفرنسية ورفعها من أرفف الخمارة، وداسها بأقدامه وسحلها سحلًا أمام تكبير وتهليل المارة والمقاطعين من المسلمين، وأبقى للزبائن ما يسكرون به من الخمور التركية والإنجليزية. وهنيئًا لكم بهذه الأستاذة الباكستانية فى جامعة «حفصة» بمدينة إسلام أباد، وهى تقطع رأس تمثال ماكرون الكافر الداعر بالسيف البتار، وعلى أنغام أغنية الدواعش «صليل الصوارم» يشدو أطفال المدرسة «صليل الصوارم نشيد الأباة.. ودرب القتال طريق الحياة» ووسط تكبير وتهليل الكبار وعلامة النصر الهتلرية. والله ليس هذا ببعيد عن مقاطعة المسلمين فى شمال باكستان لمصل شلل الأطفال لاحتوائه على مشتقات دم الخنزير، وهو محرم أكله شرعًا، فأصيب آلاف الأطفال بالشلل التزامًا وانضباطًا، مبارك علينا أطفال الدواعش، وسدد الله خطى العقلاء من المسلمين، وبارك لنا الله فى فطنتهم وذكائهم، وأبعد عنا يا ربنا الأغبياء والسفهاء فإن غير هؤلاء القوم لا يعقلون.

ولقد اشتد بى العجب حين ثار المسلمون على مجلة شارل إبدو فى يناير 2015، حين اندلعت المظاهرات الرافضة للرسوم المسيئة للرسول فى الدول الإسلامية، وتعالت أصوات الانتقام والثأر، وتدافع الناس فى الشوارع كالموج الهادر الصاخب يهتفون «إلا رسول الله»، حتى قتل فى المظاهرات العشرات من المسلمين فى ليبيا وباكستان، وكنت أتساءل: ولماذا يموت الناس فى بلاد المسلمين، إذا سجلوا اعتراضهم على فرنسى أساء للرسول على صفحات مجلة فى باريس؟ ولم يدلنى أحد حتى ظهر من أحرق سيارته فى موريتانيا وفى القدس، وهؤلاء الصناديد فى غزوة «جبنة لافاش كيرى»، فقد أدركت الحقيقة «فالبعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير».

ونأتى لمربط الفرس، وهو الخلاف بين الدين والدولة عند هؤلاء، أو الحاجز والمانع والفاصل بين هذا النوع من المسلمين، وقيم وسلوك وقانون الدولة سواء فى الغرب أو فى بلادنا، الكثير من المسلمين فى أوروبا يرفضون التعايش مع قيم الغرب، أو الاندماج فيه، ويفضلون العزلة والانطواء والانزواء، يتخاصمون معه ويغتربون داخل غربتهم، وهو أمر شرعى، وفتوى ملتزمون بها أشد ما يكون الالتزام، فقد أفتى لهم مشايخ السلفية (السفر والإقامة فى بلاد الكفر منهى عنه، إلا للضرورة القصوى، والإقامة فيها من الأسباب الموجبة لإفساد الدين، وضياع الخلق، وضرر الإقامة فيها أكبر من نفعها) وربما دفعتهم هذه الفتاوى إلى مخاصمة هذه الأنظمة، وتجنب الاختلاط والإعراض عن الناس، وهذا أخف الضررين، وولاء هؤلاء للجماعة أو القبيلة أو الفرقة يسبق كل الولاءات الأخرى، حتى لو كانت للدولة التى تؤويه، أو الوطن الذى يطعمه ويسقيه، أو القانون الذى يحميه، وهو يحافظ على القبيلة ولا يحافظ على الوطن، ويدمر الوطن لصالح الدين حتى لو أصاب الاثنين بالضرر، وهو مدرك تمامًا أبعاد ما يصنعه من دمار وخراب يطاله هو وأولاده لا محالة، لا فرق بينه وبين هذا الانتحارى الذى يفجر نفسه فى كنيسة أو استاد ويعلم أنه أول الضحايا.

أحد هؤلاء الأشاوس على فيس بوك رسم صورة لماكرون برأس حمار، قلت له: معك كل الحق، هذا رأيك، ولن يمنعك ماكرون من تعبيرك هذا، كما لم يمنع رسام شارل إبدو من حقه فى التعبير، فهذه منظومة الحرية، لكنك لا تستطيع هذا فى بلاد العرب والمسلمين وبأقل من ذلك بكثير.

وأعود إلى استكمال فتوى الإقامة والهجرة إلى بلاد الشرك والمشركين، وما قاله بن عثيمين (ننصح بترك السفر للإقامة ببلاد الكفر، وبإمكان المسلم أن يطلب الرزق فى أى مكان يأمن فيه على دينه) وهذا بن كثير (ومن أقام بينهم وهو قادر على الهجرة، فقد ظلم نفسه). أيها المسلمون فى فرنسا، عودوا إلى بلاد الخلافة واطلبوا الرزق من خيرها وشرها، ولا تظلموا أنفسكم، واتركوا بلاد الكفر للكافرين، ولمن يحبها نموذجًا نأمل الوصول إليه.