إنه ذلك الفنان الرائع الذى حطم أسطورة فتى الشاشة الوسيم واستطاع بقدراته الإبداعية أن يقدم نموذجاً متفرداً للممثل العصرى الذى يقف فى مصاف أقرانه فى العالم المتقدم، إنه ذاته الفنان المتألق الذى يتميز بتلقائية شديدة فهو لا يشاهد نفسه ولكنه يعيش فى الدور باندماج يعيد إلى الأذهان الأسماء اللامعة من الرعيل الأول لفنانينا العظام، خصوصاً أن مصر قد احتفلت منذ سنوات قليلة بمئوية السينما المصرية،
بينما يحبو غيرها على طريق الفن بالصخب والضجيج دون أصالة وبلا تاريخ، إنه الصديق العزيز الدكتور «يحيى الفخرانى» الذى هجر الطب من أجل الفن، واقترن بزميلته التى تنتمى إلى بيت قبطى محترم، حيث تزوجا فى وقت كانت فيه السماحة تغلب على التعصب، والمحبة تنتصر على الانغلاق،
فكما تميز «يحيى الفخرانى» كفنان مبدع فإن قرينته الدكتورة «لميس جابر» تميزت هى الأخرى بموهبة الكتابة، خصوصاً فى الموضوعات التاريخية، ويكفى أنها هى التى كتبت مسلسل «الملك فاروق» الذى لاقى اهتماماً جماهيرياً كاسحاً، ومازلت أتذكر يوم كنت ألقى محاضرة فى صالون «دار الأوبرا» حول موضوع (الحلول غير التقليدية للمشكلات الطائفية) يومها لمحت ذلك الفنان الكبير بين صفوف الحاضرين،
حيث وجه لى سؤالاً أراد به أن يطمئن على سلامة الوحدة الوطنية المصرية التى تمثل أسرته الصغيرة نموذجاً مثالياً لها، وقد مر على زائراً فى العاصمة النمساوية ذات صباح منذ عدة سنوات فسعدت به كثيراً خصوصاً عندما احتضن حفيدى «سليم البدرى» الذى يحمل نفس اسم «يحيى الفخرانى» بطل مسلسل «ليالى الحلمية»،
ولقد هاتفنى ذلك الصديق الذى أحترمه كثيراً ذات مساء طالباً الرأى فى مسألة حساسة ـ فى ظروفنا الحالية ـ وهى أن ابنه الأكبر يريد أن يتزوج ابنة خاله الراحل وأمها موافقة على ذلك لأن اختلاف الدين لا يمكن أن يصمد أمام الحب، خصوصاً إذا كان بين طرفين عاشا طفولتهما معاً بل إن وصية الأب المسيحى الراحل كانت هى أن تقترن ابنته بابن عمتها الذى تحبه ويحبها منذ سنوات طويلة، ولقد أجريت من جانبى اتصالاً بنيافة الأنبا «بولا» المسؤول عن ملف الأحوال الشخصية فى الكنيسة المصرية،
وكان الرجل ودوداً كعادته، وبعد أن شرحت له ملابسات الموقف طلب أن يمر عليه فى مقره الدكتور «يحيى» والدكتورة «لميس» والعريس والعروس ومعهم والدتها، وبالفعل ذهبوا جميعاً فى الموعد المحدد واستقبلهم نيافة الأنبا وطلب منهم الحضور فى مرة قادمة، خصوصاً أن كل ما يريدونه هو خطاب من الكنيسة بأن الفتاة لم تتزوج من قبل،
وقد عادت الأسرة المتلهفة على الفرحة إلى نيافة الأنبا مرة أخرى ولكن الإجابة كانت شبيهة بالمرة الأولى فالتقطنا الرسالة المهذبة بوضوح وقدرنا موقف الكنيسة الموقرة وتقاليدها الصارمة،
وبعد عدة أسابيع ذهب الدكتور «يحيى» وزوجته ووالدة العروس مع العروسين إلى مكتب التوثيق حيث تمت إجراءات عقد الزواج وإشهاره مع إخطار الكنيسة بذلك فى خطاب رسمى مسجل فإذا لم يأت رد سلبى منها خلال فترة زمنية معينة أصبح الزواج صحيحاً وكامل الأركان من الناحية المدنية وهو ما تم بالفعل،
ولقد سعدنا عند حضورنا حفل الإفطار السنوى الذى يقيمه الدكتور «يحيى الفخرانى» وزوجته على شرف أصدقائهما المقربين كل عام عندما وجدنا أن أسرة العروسين الصغيرة قد زاد عددها بوليد جديد هو نتاج لقصة حب طاهر فى ظل وحدة وطنية لن تغيب أبداً، ولقد زارنى الدكتور «يحيى» فى منزلى منذ شهور وكم كانت فرحة الأحفاد وذهولهم أيضاً وهم يرون بطل مسلسل «حمادة عزو» يجلس بينهم ويداعبهم ويتصور معهم .. إن «يحيى الفخرانى» سوف يظل علامة مضيئة فى تاريخ السينما المصرية،
فهو الفنان الملتزم المعروف باحترامه لنفسه وأسرته، والذى قدم صورة عصرية للفنان المؤهل علمياً، والذى يدرك طبيعة المشاعر الإنسانية ويدرس نفسية شخوصه فى براعة واقتدار، وفوق هذا وقبله فإنه رب أسرة تحترم الأديان كلها وتجسد الولاء للوطن المشترك وتؤمن بأننا نعبد جميعاً إلهاً واحداً مهما اختلفت دياناتنا وتنوعت عقولنا وتباينت أفكارنا.