‏«يحيى الفخرانى»‏

مصطفي الفقي الأربعاء 02-12-2009 22:48

إنه ذلك الفنان الرائع الذى حطم أسطورة فتى الشاشة الوسيم ‏واستطاع بقدراته‎ ‎الإبداعية أن يقدم نموذجاً متفرداً للممثل ‏العصرى الذى يقف فى مصاف أقرانه فى‎ ‎العالم المتقدم، إنه ‏ذاته الفنان المتألق الذى يتميز بتلقائية شديدة فهو لا يشاهد‎ ‎نفسه ولكنه يعيش فى الدور باندماج يعيد إلى الأذهان ‏الأسماء اللامعة من الرعيل‎ ‎الأول لفنانينا العظام، خصوصاً ‏أن مصر قد احتفلت منذ سنوات قليلة بمئوية السينما‎ ‎المصرية،‎ ‎
بينما يحبو غيرها على طريق الفن بالصخب والضجيج دون ‏أصالة وبلا تاريخ، إنه‎ ‎الصديق العزيز الدكتور «يحيى ‏الفخرانى» الذى هجر الطب من أجل الفن، واقترن بزميلته‎ ‎التى تنتمى إلى بيت قبطى محترم، حيث تزوجا فى وقت ‏كانت فيه السماحة تغلب على‎ ‎التعصب، والمحبة تنتصر ‏على الانغلاق،‎ ‎
فكما تميز «يحيى الفخرانى» كفنان مبدع فإن قرينته ‏الدكتورة «لميس جابر» تميزت هى‎ ‎الأخرى بموهبة الكتابة، ‏خصوصاً فى الموضوعات التاريخية، ويكفى أنها هى التى ‏كتبت‎ ‎مسلسل «الملك فاروق» الذى لاقى اهتماماً جماهيرياً ‏كاسحاً، ومازلت أتذكر يوم كنت‎ ‎ألقى محاضرة فى صالون ‏‏«دار الأوبرا» حول موضوع (الحلول غير التقليدية ‏للمشكلات‎ ‎الطائفية) يومها لمحت ذلك الفنان الكبير بين ‏صفوف الحاضرين،‎ ‎
حيث وجه لى سؤالاً أراد به أن يطمئن على سلامة الوحدة ‏الوطنية المصرية التى تمثل‎ ‎أسرته الصغيرة نموذجاً مثالياً ‏لها، وقد مر على زائراً فى العاصمة النمساوية ذات‎ ‎صباح ‏منذ عدة سنوات فسعدت به كثيراً خصوصاً عندما احتضن ‏حفيدى «سليم البدرى» الذى‎ ‎يحمل نفس اسم «يحيى ‏الفخرانى» بطل مسلسل «ليالى الحلمية‎»‎،‎ ‎
ولقد هاتفنى ذلك الصديق الذى أحترمه كثيراً ذات مساء ‏طالباً الرأى فى مسألة‎ ‎حساسة ـ فى ظروفنا الحالية ـ ‏وهى أن ابنه الأكبر يريد أن يتزوج ابنة خاله الراحل‎ ‎وأمها ‏موافقة على ذلك لأن اختلاف الدين لا يمكن أن يصمد أمام ‏الحب، خصوصاً إذا كان‎ ‎بين طرفين عاشا طفولتهما معاً بل ‏إن وصية الأب المسيحى الراحل كانت هى أن تقترن‎ ‎ابنته ‏بابن عمتها الذى تحبه ويحبها منذ سنوات طويلة، ولقد ‏أجريت من جانبى اتصالاً‎ ‎بنيافة الأنبا «بولا» المسؤول عن ‏ملف الأحوال الشخصية فى الكنيسة المصرية،‎ ‎
وكان الرجل ودوداً كعادته، وبعد أن شرحت له ملابسات ‏الموقف طلب أن يمر عليه فى‎ ‎مقره الدكتور «يحيى» ‏والدكتورة «لميس» والعريس والعروس ومعهم والدتها، ‏وبالفعل‎ ‎ذهبوا جميعاً فى الموعد المحدد واستقبلهم نيافة الأنبا ‏وطلب منهم الحضور فى مرة‎ ‎قادمة، خصوصاً أن كل ما ‏يريدونه هو خطاب من الكنيسة بأن الفتاة لم تتزوج من قبل،‎ ‎
وقد عادت الأسرة المتلهفة على الفرحة إلى نيافة الأنبا مرة ‏أخرى ولكن الإجابة‎ ‎كانت شبيهة بالمرة الأولى فالتقطنا ‏الرسالة المهذبة بوضوح وقدرنا موقف الكنيسة‎ ‎الموقرة ‏وتقاليدها الصارمة،‎ ‎
وبعد عدة أسابيع ذهب الدكتور «يحيى» وزوجته ووالدة ‏العروس مع العروسين إلى مكتب‎ ‎التوثيق حيث تمت ‏إجراءات عقد الزواج وإشهاره مع إخطار الكنيسة بذلك فى ‏خطاب رسمى‎ ‎مسجل فإذا لم يأت رد سلبى منها خلال فترة ‏زمنية معينة أصبح الزواج صحيحاً وكامل‎ ‎الأركان من ‏الناحية المدنية وهو ما تم بالفعل،‎ ‎
ولقد سعدنا عند حضورنا حفل الإفطار السنوى الذى يقيمه ‏الدكتور «يحيى الفخرانى‎» ‎وزوجته على شرف أصدقائهما ‏المقربين كل عام عندما وجدنا أن أسرة العروسين الصغيرة ‏قد‎ ‎زاد عددها بوليد جديد هو نتاج لقصة حب طاهر فى ظل ‏وحدة وطنية لن تغيب أبداً، ولقد‎ ‎زارنى الدكتور «يحيى» فى ‏منزلى منذ شهور وكم كانت فرحة الأحفاد وذهولهم أيضاً ‏وهم‎ ‎يرون بطل مسلسل «حمادة عزو» يجلس بينهم ‏ويداعبهم ويتصور معهم .. إن «يحيى الفخرانى‎» ‎سوف ‏يظل علامة مضيئة فى تاريخ السينما المصرية،‎ ‎
فهو الفنان الملتزم المعروف باحترامه لنفسه وأسرته، والذى ‏قدم صورة عصرية للفنان‎ ‎المؤهل علمياً، والذى يدرك ‏طبيعة المشاعر الإنسانية ويدرس نفسية شخوصه فى براعة‎ ‎واقتدار، وفوق هذا وقبله فإنه رب أسرة تحترم الأديان كلها ‏وتجسد الولاء للوطن‎ ‎المشترك وتؤمن بأننا نعبد جميعاً إلهاً ‏واحداً مهما اختلفت دياناتنا وتنوعت عقولنا‎ ‎وتباينت أفكارنا‎.‎